اللافت للنظر هو الوحدة والتكامل بين كلمات الشيخ عبدالله بن زايد أمام الأمم المتحدة في دوراتها المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة.
عندما يتحدث الشيخ عبدالله بن زايد أمام الأمم المتحدة فإن العالم ينصت بانتباه، فخطابه لا يحمل مواقف دولة الإمارات تجاه التطورات العالمية فقط، ولكن يرسم استراتيجية سياسية واضحة المعالم لمواجهة الأزمات في العالم.
حدد الشيخ عبدالله بن زايد في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ73 أربعة تحديات رئيسية تواجه منطقتنا، وهي بالترتيب التدخلات الخارجية في شؤون العالم العربي من قبل بعض الدول الإقليمية وفي مقدمتها إيران، وانتشار التطرف والإرهاب، والاكتفاء بإدارة الأزمات، ورابعا تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في المنطقة.
في تحليل مضمون الكلمات عبر خمس سنوات، نجد أن التحديات الأربعة التي ركزت عليها كلمة الشيخ عبدالله بن زايد خلال الدورة الأخيرة كانت حاضرة دائمة، وكانت كلمة السر في كافة الخطابات هي ضرورة حل الأزمات وعدم الاكتفاء بإدارتها
اللافت للنظر هو الوحدة والتكامل بين كلمات الشيخ عبدالله بن زايد أمام الأمم المتحدة في دوراتها المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة، وإن قراءة متعمقة لهذه الكلمات خلال السنوات الخمس الماضية، بدءا من 2014 ووصولاً لخطاب 2018، ترسم لنا صورة واضحة للاستراتيجية السياسية لدولة الإمارات وثوابتها إلى جانب فهم كيفية استجابة هذه السياسية للمتغيرات الإقليمية والعالمية، فالإمارات ثوابتها لا تتغير وهو ما يمكن قراءته في كلماتها بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
في تحليل مضمون الكلمات عبر خمس سنوات، نجد أن التحديات الأربعة التي ركزت عليها كلمة الشيخ عبدالله بن زايد خلال الدورة الأخيرة كانت حاضرة دائمة، وكانت كلمة السر في كافة الخطابات هي ضرورة حل الأزمات وعدم الاكتفاء بإدارتها.. لقد طرح الشيخ عبدالله في خطاباته أمام الأمم المتحدة رؤية ترتكز على ضرورة التكاتف لحل الأزمات والمواجهة فكانت بمثابة الجامع أو "حبل الوريد" الذي يربط بين كافة هذه الخطابات ويضعها كدستور لفهم السياسة الخارجية لدولة الإمارات.
إذا أدركنا استراتيجية هذه السياسة فإننا يمكننا إعادة قراءة هذه الكلمات بطريقة مغايرة، فاستراتيجية الدولة تقوم على حل الأزمات ومواجهتها واختيار بناء الإنسان كوسيلة وغاية، كأساس لتحصين الدولة من الإرهاب والتطرف والأزمات.. فالمواجهة هي خيار استراتيجي.
ففي مواجهة التدخلات الخارجية، ترى الإمارات بشكل واضح أنه يجب الوقوف بحزم أمام التدخلات الخارجية والإقليمية في شؤون المنطقة وخاصة من إيران، فلم يتزعزع هذا الموقف أو يتأثر بتوقيع الاتفاق النووي أو بانسحاب الولايات المتحدة منه، فرؤية الإمارات تقوم على أن هذه التدخلات هي السبب الرئيسي لكافة الأزمات في المنطقة وبالتالي لا يمكن التسامح معها أو غض الطرف عنها، فكان تحركها ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن هدفه الرئيسي التصدي للتوغل الإيراني والتخلص من انقلاب المليشيات الحوثية الإيرانية، ومن هنا فإن مطالبة الإمارات بتوحيد الموقف الدولي تجاه طهران وما تقوم به من تطوير للصواريخ الباليستية ودعم الجماعات الإرهابية واستخدام الحروب بالوكالة، هو موقف يقوم على المواجهة وحل الأزمات وليس التعامل مع تداعياتها كما تفضل أطراف دولية، بل إن موقفها كان حازما دائما بالوقوف مع المملكة العربية السعودية، فأمن المملكة هو أمن الإمارات ولا يمكن السماح بالتهديد الإيراني للمملكة.
وفي 2015 رفضت الإمارات خطاب روحاني والحديث عن أن سجل إيران لا يسمح لها أن تتحدث عن تأمين الحجاج والاستقرار في الشرق الأوسط، والوقوف مع المملكة السعودية ضد أي محاولة إيرانية للتدخل في الشؤون العربية.. وفي 2016، كان تركيز الشيخ عبدالله على نقد أساس تدخل إيران في المنطقة، حيث انتقد بصورة واضحة تدخلات إيران وتبنيها سياسة "تصدير الثورة" والنص عليها في دستورها، وفي الكلمة نفسها تحدث عن أن إيران تدفع المنطقة إلى شفا "المصيبة" والانتهاك الفاضح لمبدأ السيادة لدول المنطقة ودورها في استمرار الاحتقان وعدم الاستقرار في المنطقة، وعدم نجاح الاتفاق النووي في دفع إيران للتخلي عن سياساتها في المنطقة، والمطالبة بكف إيران عن دعم التنظيمات الإرهابية.
وعاد في 2017، ليفصل أن إيران لا تكتفي بالانتهاكات الفاضحة لمبادئ السيادة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والبحرين والكويت، بل تستغل أزمات العالم العربي لتقويض أمنه عبر زرع الفتنة وتأجيج النزاعات.
ومع استمرار التدخلات الإيرانية، وضع الشيخ عبدالله بن زايد التدخلات الخارجية في شؤون العالم العربي في مقدمة التحديات التي تواجهها المنطقة، فهنا يجب أن يضع العالم حدا لهذه التدخلات ولا يستمر في التعاطي مع المسكنات التي أثبتت أنها غير قادرة على مواجهة "الشر" الإيراني الذي يهدد استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
ففي ملف الإرهاب كانت الإمارات تتقدم في كافة أشكال التطرف وتعلن للعالم خطواتها وتدعوه لتنظيم الصفوف في مواجهة تنظيمات الموت.
وفي كلمة 2014، تصدرت مكافحة الإرهاب والتطرف والتفتيت الطائفي خطاب الإمارات للعالم في وقت صعود تنظيم "داعش" الإرهابي واحتلال الموصل من قبل الجماعات الإرهابية وانتشار المليشيات المسلحة في ليبيا وسوريا، وبعثت الإمارات وقتها رسالة واضحة مفادها أن تركيز جهودها لمكافحة الإرهاب والتطرف يمثل أولوية لها عبر عضوية المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب وإنشاء مركز "هداية" ودعوتها للعالم لتنسيق الجهود في مكافحة هذه "الآفة الخطيرة".
وفي 2015، كان التحذير من تصاعد الجرائم الإرهابية على يد "داعش" و"حزب الله" و"الحوثيين" ورفض الربط بين هذه التنظيمات والدين الإسلامي الحنيف، والتحذير من انتشار التنظيمات الإرهابية في سوريا، والمطالبة بإجراءات صارمة لردع التنظيمات المتطرفة.
وفي 2016، ركز الشيخ عبدالله على انتقال الإرهاب من المنطقة إلى العالم وتحول العالم إلى مسرح لجرائمه والمطالبة بضرورة التفكير في كيفية مواجهة الإرهاب العالمي، معتبرا أنها "حق وواجب"، وكان التعبير عن دور الإجراءات والتدابير المشتركة التي اتخذتها دولة الإمارات مع الأشقاء في السعودية ومصر والبحرين بهدف وقف دعم دولة قطر للتطرف والإرهاب مركزا رئيسيا لخطاب الشيخ عبدالله بن زايد أمام الأمم المتحدة في 2017، وعاد ليحذر من خطورة استمرار تسخير بعض الدول منصات إعلامية تحرض على الكراهية وتشكل منابر للجماعات المتطرفة والإرهابية وضرورة مواجهة الفكر المتطرف في خطاب 2018، واعتبار الخطوات التي اتخذتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب تجاه دولة قطر بمثابة تدابير سيادية محورية وفاصلة في مواجهة التطرف والإرهاب.
إن الإمارات في دعوتها للعالم لمكافحة الإرهاب لم تكتف بالتحذير، بل أعطت المثل والمبادرة فكانت المشاركة في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب وإنشاء مركز هداية ومجلس حكماء المسلمين ومنتدى تعزيز السلم ومركز صواب، فالإمارات تعرف أن المبادرة لحل الأزمات ومواجهة الفكر المتطرف هي السبيل الوحيد لإنهاء ظاهرة الإرهاب.
في النهاية، الرسالة واضحة لا يمكن القبول أو الاكتفاء الكسول بإدارة الأزمات دون السعي لحلها ويجب على الجميع الانخراط في المواجهة؛ فتأجيل المواجهة ليس حلاً بل كارثة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة