تمثال الملك شيشنق يشعل مواقع التواصل بالجزائر.. فرعوني أم أمازيغي؟
أثار رفع تمثال للملك الفرعوني الأمازيغي "شيشنق" بمحافظة تيزيوزو ضجة واسعة اتسعت رقعة لهيبها عبر منصات التواصل.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحتفل فيه ولاية تيزوزو، إحدى مدن منطقة القبائل الأمازيغية، برأس السنة الأمازيغية 2971، والذي يوافق 12 يناير/كانون الثاني.
- .رأس السنة الأمازيغية بالجزائر.. احتفالات تتحدى كورونا وتتمسك بالهوية
- سحر "إث يني".. قرية جزائرية تعانق السماء وتحتضن عادات الأمازيغ
وبمجرد الكشف عن مجسم التمثال، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين مرحب بالفكرة ورافض لها.
"صدمة" تاريخية
معظم ردود فعل الجزائريين عبر منصات التواصل اتفقت على عبارات "الصدمة" في تعليقاتها، وهي تحاول أن تستوعب أسباب رفع تمثال تدور حوله "خرافات تاريخية" توصف بأنها "مسيئة لتاريخ الجزائر وأهلها الأمازيغ" كما اعتبرها البعض "خروجا عن سياق الاحتفال الثقافي والشعبي المحض وصبغه برسائل سياسية".
كما اعتبر مغردون أن رفع تمثال لشخصية تاريخية فرعونية "سطو واضح على تاريخ بلد آخر وتزييف مفضوح للحقائق" وأن للثقافة والتاريخ الأمازيغي خصوصياته وشخصياته التي يعتز بها كل الجزائريين، وأن فكرة التمثال "محاولة من أطراف مندسة لطمس التاريخ الأمازيغي الحقيقي الضارب منذ مئات السنين" وفق آراء كثير من الأكاديميين والمؤرخين.
وقال الباحث والمؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث: "لا يمكن لفرد واحد أن يؤرخ لكل الإنسانية"، ووصف ربط التاريخ الأمازيغي بالملك شيشنق بـ"الأسطورة"، وأن التاريخ "تأسس على الأساطير".
واتهم مغردون "أطرافاً مشبوهة مرتبطة بحركة الماك الانفصالية" بالوقوف وراء ما وصفوه بـ"التمثال المشبوه" بهدف "إثارة الفتنة".
وأخذ النقاش بين الجزائريين أبعادا مختلفة، خصوصاً التاريخية منها رغم اتفاق معظم التعليقات على وصف رفع تمثال الملك "شيشنق" بالإساءة لتاريخ الجزائر وطبيعة الاحتفالات الرسمية بالسنة الأمازيغية التي قالوا إنها من المفترض أن توحدهم وتجمعهم مثل بقية الأعياد.
كما اندهش رواد مواقع التواصل الاجتماعي من شكل التمثال، ومنهم من وصفه بـ"الكوكتيل بين الفرعوني والروماني" وكذا "حمله عصا موسى وقبعة فرعون وغيرها" على حد وصفهم.
فيما دافع آخرون عن التمثال الجديد، مستدلين على ذلك بالتماثيل المنتشرة بالجزائر لشخصيات جزائرية تاريخية، بينها تمثال "الأمير عبدالقادر" بالعاصمة، وآخر للعلامة "بن باديس" بقسنطينة (شرق)، وكذا تماثيل أخرى مثل "مريم العذراء" و"العتال" و"ماسينيسا".
وتتعدد الروايات التاريخية والشعبية حول بداية التقويم الأمازيغي، لكنها تشترك في شخصية الملك الأمازيغي "شيشنق" الذي يعد من أهم الشخصيات التاريخية في منطقة شمال أفريقيا.
بعض الروايات الأمازيغية ربطت بداية التقويم الأمازيغي بما تقول إنه "انتصار الملك على الملك الفرعوني رمسيس الثالث سنة 950 قبل الميلاد، في معركة بمنطقة تلمسان الجزائرية، ومن ثم انتقل الملك شيشنق إلى مصر واحتلها".
نقاش تاريخي
لكن دراسات تاريخية من الجزائر والمغرب ومصر أكدت أن شيشنق لم يعاصر فترة رمسيس الثالث بالكامل، إذ تشير أن "الملك رمسيس الثالث حكم مصر من 1186 إلى 1155 قبل الميلاد خلال عصر الأسرة الـ20".
بينما الملك الأمازيغي شيشنق أسس الأسرة الـ22 سنة 950 قبل الميلاد، ما يعني أن رمسيس الثالث بعيد زمنيا بـ200 سنة عن شيشنق.
وتؤكد تلك الدراسات التاريخية أن الملك الأمازيغي شيشنق من "مصر" وأن أصوله من "ليبيا"، كون جده الثامن ليبي الأصل، إضافة إلى أنه كان من جنود الجيش الفرعوني الذين تدرجوا في المناصب، إلى أن أصبح مستشارا عسكرياً في عصر الملك المصري "بسوسنس الثاني"، وهو آخر ملوك الأسرة الـ21، لينتقل الحكم إلى شيشنق بعد زواجه من ابنة الملك المصري.
ورغم التباين في الدراسات والروايات التاريخية السابقة، إلا أنها أجمعت على ربط الحضارة الأمازيغية بالفرعونية، وأن بداية التقويم الأمازيغي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحضارة الفرعونية.
بينما تنفي دراسات أخرى علاقة التقويم الأمازيغي بالحضارة الفرعونية، حيث تربطه بالإرث الروماني، وأن بداية التقويم الأمازيغي مرتبط بالزراعة وببداية السنة الفلاحية.
ويستند مؤرخو هذه الدراسات إلى مسميات الشهور عند الأمازيغ مع التقويم "الجولياني"، مثل شهر يناير الذي يسمى بالأمازيغية "يَنَّار أو يَنَّايَر"، وفبراير يسمى "فورار".