بالصور.. متحف الشندغة.. إطلالة تاريخية متأصّلة على خور دبي
"العين الإخبارية" تجوب الأزمنة بين أرجائه
جولة إعلامية تجريها "العين الإخبارية" في صفحات ماضي وحاضر ومستقبل متحف "الشندغة"، الذي يطل إطلالة متميزة على خور دبي
دروب من الجمال تخطف الأبصار وتشدّ الحواس لتندفع دفعاً عبر أروقة الانبهار والاندهاش، عندما تقف أمام التاريخ الذي يسرد حكاياته وأساطيره عبر جدران منطقة الشندغة القديمة في مدينة دبي.
تعد تلك الواجهة التراثية جزءا من مشروع منطقة دبي التاريخية، الذي أطلقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والهادف إلى الترويج لخور دبي والأحياء التاريخية الممتدة على ضفافه، وتوظيفها في إحياء تراث الإمارة.
جولة إعلامية أجرتها "العين الإخبارية" عبر صفحات ماضي وحاضر ومستقبل متحف "الشندغة"، الذي يطل إطلالة متميزة على خور دبي، لننقل رائحة تاريخ مدينة بدأت من الصفر حتى خلقت لنفسها مكانة متفردة بين مدن العالم.
من هنا، من تلك القرية التي عمل أهلها بالصيد، تنطلق الحكاية لتتحول إلى ملحمة، ويكبر الحلم لِيغدو مأثرة تستحوذ على مخيلة العالم بأسره، من اللؤلؤ بكل مخاطره وبساطته إلى دانة الدنيا التي باتت تستقبل آلافاً مؤلفة من الوافدين.
متحف "الشندغة" يرقى إلى أن يكون صرحا حضاريا يوثق لتاريخ دبي، بل إنه تحوّل إلى جزء مهم من مبادرة ترمي إلى تحويل الخور لمركز إقليمي ثقافي وتراثي.
لا يمكن لك سوى أن تستسلم لصوت مرافقك الشاب الإماراتي، الذي لم يفارقنا طوال جولتنا عبر أروقة ودروب متحف "الشندغة"، فالمكان يجعلك تشعر بلذة ومتعة الشغف لمعرفة أصول وتفاصيل الثقافة الإماراتية الحقيقية.
صوت مرافقنا أعلن بداية الجولة، مشيراً إلى صورة المغفور له الشيخ سعيد آل مكتوم المعلقة في صدر المتحف، وتروي حكاية عائلة آل مكتوم التي حوّلت الإمارة على مدى أجيال من مجرد بلدة صغيرة إلى عاصمة عالمية.
تتأمل بحواسك كل الصور حتى تتعرف بسهولة إلى الحكام قادة القرن الـ19 وقراراتهم، وأهم الأحداث التاريخية المرتبطة بهم.
ومن الصور إلى المقتنيات، تستمر جولتنا عبر المحتويات التاريخية التي يحتفي بها متحف "الشندغة" فها هي "البشتختة"، أي صندوق حفظ اللؤلؤ الخاص بتجاره من أجل تخزين أمتعتهم، وزجاجة عطر للمغفور لها الشيخة شيخة بنت سعيد بن مكتوم آل مكتوم، وتتضمّن مزيجا من الدهون العطرية اليدوية النادرة.
ومن خلف الزجاج اللامع تستطيع أن تلمح تلك الوريقات الصفراء، تتأملها جيداً لتفاجأ بأنها العدد الثالث من مجلة "أخبار دبي" التي صدرت عام 1965، وتحمل تهنئة للشيخ راشد والأمة الإسلامية بحلول عيد الفطر المبارك.
ومن المقتنيات إلى تفاصيل حياة الآباء والأجداد، ينتقل بنا المتحف نحو القسم الأول الذي يوثق حياة الشاطئ والبحر من خلال صور كثيرة تجسّد حكايات الغوص لصيد اللؤلؤ، وبناء السفن التقليدية.
صور ما تزال، رغم قدمها، تحتفظ برونقها خاصة تلك التي توثّق لامتلاك الإمارة صناعة بحرية غنية ومتنوعة يعود تاريخها إلى نحو سبعة آلاف سنة.
وما إن تنهي جولتك في عوالم البحر تدرك مدى فضله في تشكيل الثقافة الإماراتية.
ولم ينسَ المتحف أن يجسد تفاصيل حياة الإماراتيين في البر، وتلك البيئة الغنية بالحيوانات النادرة، المحمية حتى الآن بمشاريع متطورة.
ومن البر والبحر إلى عالم الطب الشعبي نسافر عبر الزمن، لنعود إلى الوراء أزمنة، فنعيش تفاصيل ذلك العالم الإماراتي، نتعرف إلى طقوسه وأهميته المعاصرة من خلال "بيت الطب الشعبي" الذي يستعرض تاريخ الابتكار في الطب الإماراتي القديم، بما في ذلك استخدام أعشاب ونباتات مختلفة بغية علاج الأمراض.
ونكتشف دور "الحوّاج" و"العطّار" في هذه العلاجات التي كانت منتشرة في الماضي، بل نقف أمام أول صيدلية في دبي، التي افتتحها محمد حبيب الرضا في الثلاثينيات من القرن الـ20، ومستشفى آل مكتوم الذي دُشِّن في الخمسينات، وقد رسما معا مسار المستقبل في ميدان الرعاية الصحية.
وينجح مرافقنا في أن ينقلنا من عالم الطب الشعبي القديم إلى "بيت العطور" الذي يعرض الأساليب التقليدية في صناعة الزيوت العطرية والعطور، إذ يعود تاريخها إلى قرون مضت، تأصلت فيها الروائح التقليدية في ثنايا الثقافة الإماراتية.
ومن الماضي إلى الحاضر والمستقبل لا يمكن أن تغادر متحف "الشندغة" وتنهي رحلتك عبر أروقته دون أن تزور قسم المدينة الناشئة، حيث يعتبر شاهدا حيا على حركة التطور العمراني الذي شهدته دبي، وما تزال، وهي التي أسرت العالم ومخيلته بحضورها المادي، سواء من خلال مبانيها التقليدية الأنيقة، أو عبر ناطحات السحاب الحديثة.
نظرة متمهلة في هذا القسم تجعلك تتابع بشكل جيد كيفية التطور العمراني، وتدرك تشكيلها الطبيعي، إذ يظهر ذلك بوضوح من خلال "بيت جمعة وعبيد بن ثاني"، الذي يأخذنا في رحلة عوامل ثقافية واقتصادية وتاريخية وضعت الأساس لتطوير دبي؛ حيث يركز الطابق العلوي على أول طفرة نمو شهدتها الإمارة في القرنين الـ19و الـ20، وقد كانت فترة رائعة من التطور الاقتصادي والحضري للمدينة.
"ختامه مسك" قول يليق بركن الصغار الذي شهد نهاية رحلتنا بين أروقة المتحف، ذلك الجناح الذي أطلق عليه "بيت الأطفال للاستكشاف"، ويتلخص دوره في شرح كل الأمور التي يغطيها المتحف بأسلوب سلس وبسيط ومناسب للطلبة والتلاميذ، كي يفتح باب الماضي أمامهم بطريقة تحقق لهم المتعة والمعلومة على حد السواء.
ركن مريح وجذاب من المتحف يشجع الحوار بين الأجيال والتعليم المتبادل، ويعزز مهارات الملاحظة ويشجع على التجربة، يستمتع الأطفال فيه ببعض الألعاب الإماراتية التقليدية، ويكتشفون عجائب الطبيعة المحيطة برا وبحرا.
aXA6IDE4LjExNi4xNS4yMiA= جزيرة ام اند امز