الأعمال الصبيانية التي تحرّض طهرانُ مليشياتها على ارتكابها في العراق، ليست مما يصنع أي تأثير حقيقي على خيارات الولايات المتحدة.
مَنْ يقرأ بيانات المليشيات التابعة لإيران في العراق، التي تتبرأ من الهجمات ضد البعثات الأجنبية والقوات الأمريكية، سرعان ما يراوده الشعور بأن كائنات فضائية قادمة من كواكب أخرى، هي المسؤولة عن تلك الهجمات.
ما من فسل من فسائل هذه الشجرة المتعفنة بالفساد والجرائم والانتهاكات، إلا وندد بتلك الهجمات، حتى أن بعضها تجرأ بدعوة الأجهزة الأمنية إلى الضرب بيد من حديد على مرتكبيها، بينما طالب البعض الآخر بتشكيل لجان تحقيق. وليس مما يثير العجب، لو أنها قررت أن ترفع مطلبا إلى الأمم المتحدة من أجل مطاردة تلك الكائنات في الفضاء الخارجي، لكي تُبعد العراق عن أن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى "الغامضة" التي تخوض معاركها في هذا البلد.
وتلك الجماعات، كما تشهد بيانتها هي، لا الوقائع ولا ما يعرفه العراقيون، تدعي أنها بريئة من كل شيء آخر. لا فساد، ولا أعمال خطف، ولا اغتيالات، ولا سجون سرية، ولا تعذيب لعشرات الآلاف من السجناء، ولا حرائق، ولا سبي نساء، ولا أي شيء آخر مما أغرق العراق بالمأساة الراهنة. ذلك أن هذه المليشيات المؤمنة بطهارة يد الولي الفقيه من دم العراقيين والإيرانيين على حد سواء، تؤمن أيضا بأنها تستطيع أن تفلت من العقاب مهما فعلت.
ولئن كانت تعتقد أنها تستطيع أن تستغبي الناس، فلأنها هي ذاتها من الغباء بحيث لا تعرف أن الناس يعرفون المقاصد المستجدة لتلك البيانات.
هناك ثلاثة أسباب على الأقل تدفع فسائل الشر تلك إلى أن تُدلي بقولٍ مختلف.
الأول، هو أن إيران تسعى إلى فتح أبواب المفاوضات مع الإدارة الأمريكية، قبل أو بعد الانتخابات. وهي تعرف أن الولايات المتحدة يمكن أن تضرب، ولكنها لا تتفاوض تحت التهديد. والأعمال الصبيانية التي تحرّض طهران مليشياتها على ارتكابها في العراق، ليست مما يصنع أي تأثير حقيقي على خيارات الولايات المتحدة أو استراتيجياتها. والرسائل التي تلقتها إيران في هذا الصدد، شديدة الوضوح أيضا.
والثاني، هو أن العراق مقبل على انتخابات برلمانية منتصف العام المقبل، وهو ما يعني أنها يجب أن تقدم وجها آخر، لا يبدو فاقع القبح، لكي تحفظ لنفسها الفرصة للفوز من جديد. وبياناتها الأخيرة في إدانة الهجمات على القوات الأمريكية، وأعمال الاغتيالات والترويع التي تمارسها "الكائنات الفضائية"، تعني أن هذه الفسائل تعتقد أنها عندما تنزع ثوب الجريمة الملوث بالدماء، وتلبس ثوب الطهارة، فإن الناس سوف يبرؤونها من كل ما فعلت.
أما الثالث، فهو أن اقتصاد العراق الذي أقعدته تلك الفسائل "على الحديدة"، بما قامت به من أعمال فساد، لم يُبق متسعا للمزيد. وذلك بعد أن أدت إلى نهب وتهريب عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات على مر الأعوام الـ 17 الماضية. وهو ما يعني أن نوعا من "الهدنة" المؤقتة بات ضروريا ريثما يعود بعض الريش لينبت على أجنحة العراق قبل أن تعود لنتفه من جديد.
الباطنية الصفوية التي تتخذ تلك الفسائل منها منهجا، في تدبير شؤون النفاق والخداع والدجل، تُجيز لها أن تقول شيئا وتفعل آخر. كما تُجيز لها أن تنحني للعاصفة. وذلك جزء من طبيعتها أصلا.
وهذا هو ذاته سلوك الجمهورية الخمينية منذ أن قامت إلى يومنا هذا. فهي تميل إلى المهادنة وإظهار القدرة على المساومة وتقديم التنازلات الوهمية، عندما تضعف، قبل أن تعود لتمارس أعمال الشر ذاتها، بل أسوأ، عندما تشعر ببعض القوة.
ولقد تمكنت تلك الباطنية، من خداع إدارة الرئيس باراك أوباما، حتى انتهت إلى اتفاق نووي هزيل، وفر لإيران الفرصة لكي تتحول إلى قوة عدوان صريح، وأن تزرع فسائل الشر أينما أتيح لها.
وفي الواقع، فإن ذلك لم يحدث إلا لأن إدارة الرئيس أوباما أرادت أن تنخدع، وقبلت عواقبه، وليس لأنها انخدعت بالكلام المدهون بزبدة العفن.
وحتى يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فكل ما سوف يراه الناس من أعمال تلك الفسائل، هو أنها صارت تلبس ثوب الطهارة الدنِس، لينخدع به مَنْ شاء أن ينخدع.
ما هو واقعٌ على أي حال، إن "الكائنات الفضائية"، ستعود لممارسة ما دأبت عليه، عندما لا تنطلي الخدعة من جديد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة