عيادة العمّال الصامتين.. مشفى مجاني للحمير في أديس أبابا (صور)

في أحد الأزقة المجاورة لسوق "ميركاتو" الشعبي وسط أديس أبابا، تقف عيادة غير تقليدية تُعرف باسم "ملجأ الحمير".في هذه العيادة لا يستقبل الأطباء فيها مرضى من البشر، بل حميراً تُعد عماداً أساسياً للاقتصاد المحلي الأثيوبي.
تمثل هذه العيادة المجانية نموذجاً استثنائياً ضمن شبكة واسعة من المبادرات التي تديرها المنظمة في عدة دول، وتخدم تحديداً الحمير العاملة في بلد يُعد موطناً لأكبر تجمع لهذه الحيوانات على مستوى العالم. فوفقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تحتضن إثيوبيا نحو تسعة ملايين حمار، أي ما يعادل حماراً من كل خمسة موجودين على وجه الأرض.
قفص الانتظار... وعلاج الإصابات
وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية ، كانت الساحة الرئيسية مكتظة بعدة عشرات من الحمير داخل الأقفاص المعدنية. بعضها بدت عليه علامات التململ والقلق، يرفس الأرض بأقدامه، بينما انهمك بعضها الآخر في التهام الطعام بنهم. الأطباء البيطريون والمساعدون تبادلوا الأدوار في معالجة الإصابات، والتعامل مع حالات المغص ومشكلات العيون، وسط طقسٍ حار وجو مشبع بصوت النهيق المستمر.
غولومة بايي وحماريه
غولومة بايي، البالغ من العمر 38 عاماً، قطع أكثر من ساعة ونصف سيراً على قدميه برفقة حماريه ليصل إلى العيادة. يقول بنبرة مثقلة بالتعب: "مرّت ثلاثة أسابيع منذ أن مرضا. أحدهما مصاب في رجله، والآخر يعاني من مشكلات في المعدة".
يعتمد غولومة بشكل كلي على حميرِه في تأمين معيشته، إذ يستخدمهما لنقل عبوات المياه وبيعها لقرويين آخرين. ويضيف بأسى: "بعد مرضهما، عجزت حتى عن شراء الخبز لأطفالي. توسلت إلى أحدهم كي يحضرني إلى هنا".
وبعد أن تلقى حميرُه العلاج المناسب، غادر العيادة برفقة حيواناته وقد استعادت عافيتها، ليعود مجدداً إلى رحلته اليومية الشاقة.
"إذا لم تملك حماراً، فأنت حمار"
هذا المثل الشعبي الإثيوبي يعكس مكانة الحمار في المجتمع المحلي، حسب ما أوضحه تيسفاي ميغرا، منسق مشروع "ملجأ الحمير". ويقول: "هناك مثل شائع في إثيوبيا: إذا لم تكن تملك حماراً، فأنت حمار"، مضيفاً بابتسامة عريضة: "هذه الحيوانات لا تُقدّر بثمن، لكنها تعاني أثناء تقديم خدماتها اليومية للناس".
ويؤكد ميغرا أن ملجأ الحمير في أديس أبابا تأسس عام 2007، وتوسعت نشاطاته لتشمل عدة مناطق في إثيوبيا، بهدف توفير الرعاية البيطرية المجانية وتحسين ظروف حياة هذه الحيوانات.
معاناة يومية وسط التوسع العمراني
لكن واقع الحمير في أديس أبابا لا يخلو من التحديات. فالتوسع العمراني المستمر قلّص من المساحات الخضراء التي يمكنها أن ترعى فيها، بينما تُجبر على حمل أوزان ثقيلة، وغالباً ما تتعرض للضرب وسوء المعاملة.
تشاني بايي، رجل يبلغ من العمر 61 عاماً، يستخدم حميرَه لنقل أكياس الحبوب داخل العاصمة، ويكسب ما يتراوح بين 200 إلى 400 بير يومياً (أي ما يعادل نحو 1.50 إلى 3 دولارات أمريكية). ويقول: "آتي إلى هنا كل ثلاثة أشهر تقريباً، كلما لاحظت أنهم يعرجون أو يصابون بمشاكل في المعدة".
ويتابع حديثه قائلاً: "قبل افتتاح هذه العيادة، كنا نعتمد على طرق تقليدية للعلاج، مثل نزع المسامير من أرجل الحمير باستخدام السكاكين".
واليوم، يشعر بالامتنان لأن حميره تتلقى علاجاً مهنياً يضمن لها الشفاء والرعاية المناسبة.
من البلاستيك إلى أمعاء الحمار
في غرفة أخرى داخل العيادة، كان الطبيب البيطري ديريغي تسيغاي يؤدي مهمة لا تُحسد عليها، إذ كان يُدخل ذراعه المغطى بقفاز مطاطي داخل مستقيم أحد الحمير، ليُخرج كتلة ضخمة من الفضلات المتراكمة.
ويشرح الطبيب: "هذا يحدث كثيراً. بسبب نقص الطعام، تأكل الحمير أي شيء تجده أمامها، بما في ذلك البلاستيك الذي قد يعيق عملية الهضم".
ثم يضيف بابتسامة خفيفة: "قد لا يكون الأمر ممتعاً، لكني فخور بعملي... لأنني أساعد أصحاب هذه الحيوانات الذين يعتمدون عليها بشكل كبير في حياتهم اليومية".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTUwIA== جزيرة ام اند امز