"زعيم أوحد".. ديكتاتورية الغنوشي تشعل صراع إخوان تونس
يترأس الغنوشي حركة النهضة منذ عام 1981، عبر مؤتمرات انتخابية صورية لا تخضع لمقاييس الانتخابات الديمقراطية.
خطاب مطول بمضامين فضفاضة ومفاهيم، حاول زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي صياغتها على مقاييس ديكتاتورية حزبية بدأت تهترئ وتتآكل.
رسالة مطولة رد من خلالها الغنوشي على طلب 100 قيادي من حركة النهضة الإخوانية التي يتزعمها منذ تأسيسها، التنحي وإفساح المجال لتداول يمكن الشباب من تقديم رؤى جديدة للقيادة الحزبية.
رد ينضح تعجرفا رغم العبارات التي جاهد من أجل أن تكون على إيقاع يجمع بين التصعيد الكلامي حينا، والقصف عبر التذكير بأن «زعيما» مثله لا يخضع لمعادلة التداول السياسي للدولة، وأن «جلده الخشن» يجعل منه ما معناه أنه صمام أمان لاستمرار الحركة.
زلزال
يتفق مراقبون على أن مطالبة 100 قيادي من النهضة الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة، في المؤتمر القادم المقرر عقده نهاية العام الجاري، يعتبر أقسى ضربة يتلقاه الزعيم الإخواني.
فرغم جلسات المساءلة التي خضع لها بالبرلمان التونسي، ومطالب عزله من منصبه رئيسا للمؤسسة التشريعية، إلا أن عريضة القيادات الإخوانية شكلت زلزالا ترجمه رده العنيف، وإن بشكل مبطن.
ووفق نص الرسالة التي نشرها اليوم الخميس، بدا أن الغنوشي مصدوم من عريضة قيادات حركته شكلا ومضمونا، حيث استنكر الطريقة التي تم تسليم العريضة بها، والتي قال إنها "ذكرته بالزيارات المعتادة لنفر من قادة الجيوش في الهزيع الأخير من الليل لرؤساء بلادهم يبلغونهم الأمر بالتنحي".
أما مضمونا، فنضحت الرسالة، بين أسطرها، بمعاني تذكر بأنه "الزعيم الأوحد"، وأن لا كلمة ترد له، ولا إرادة تعصف بقراراته.
حاول الالتفاف على مفهوم الديمقراطية باختلاق مصطلح "الديمقراطية الحزبية" التي قال إنها لا تحتاج تغيير القيادات في مدد معينة، زاعما أن "الزعماء في الأحزاب الديمقراطية يمثلون الاستثناء من القاعدة، لقدرتهم على الصمود بحكم جلودهم الخشنة"، مستشهدا بحسن نصرالله قائد ميليشيات حزب الله اللبناني.
وبذلك، يكون الغنوشي بدد أي أمل بشأن تنحيه عن رئاسة النهضة بمؤتمرها المقبل، رغم أن الفصل 31 من النظام الداخلي للحركة الإخوانية ينص على أنه "لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحركة لأكثر من دورتين متتاليتين".
ويترأس الغنوشي حركة النهضة منذ عام 1981، عبر مؤتمرات انتخابية صورية لا تخضع لمقاييس الانتخابات الديمقراطية.
إعلان حرب
يرى متابعون أن خطاب الغنوشي يستبطن إعلان حرب على القيادات التي وقعت على طلب تنحيه، ما يعني أن الأيام المقبلة قد تحمل تصعيدا من شأنه أن يغير التوازنات الداخلية لحركة تعصف بها الانشقاقات منذ فترة طويلة.
فالرسالة تؤكد أن الغنوشي وعائلته اختاروا الحرب للبقاء على رأس النهضة والاستفراد بالتمويلات الخارجية، وهذا ما جعل النائب عن الحركة، سمير ديلوو يؤكد أن الأيام المقبلة ستكون "صعبة" بالنسبة للحركة.
في الأثناء، قالت مصادر من النهضة، فضلت عدم الكشف عن هويتها، لـ«العين الإخبارية أن هناك قرابة 60 قيادي من الحركة أكدوا استعدادهم للاستقالة في ظل تشبث الغنوشي بمواصلة الرئاسة.
وأضافت المصادر أن عائلة الغنوشي (صهره رفيق عبد السلام وابنه معاذ) جندوا مئات الصفحات بموقع التواصل "فيسبوك" لشتم كل من يدعو لإبعاد رئيس الحركة.
صراع قديم
محمد بوعود، الكاتب التونسي والمختص في العلوم السياسية، يرى أن الصراع بين الغنوشي وأنصاره "قديم".
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال بوعود: "قد يكون الصراع طفا الآن إلى السطح لكنه موجود منذ 2012".
وتابع أن الصراع تطور منذ المؤتمر السابق للحركة المنعقد في 2016، والذي كاد أن يطيح بالغنوشي من رئاسة الحركة، لولا انقلاب الموقف في الساعات الأخيرة لأعمال المؤتمر.
ووفق بوعود، فإن "الغنوشي يعرف جيدا أن معركته الرئيسية تجري داخل حركته، وليس في الساحة السياسية".
ولذلك، يضيف، "أراد أن يقوي مواقعه من خلال تحصين نفسه بموقع الرئاسة في البرلمان، لكنه أخطأ الحساب حيث أصبح في هذا الموقع الذي اعتقده منيعا، عرضة لقصف يومي مركز ومباشر من خصومه وحتى من حلفائه".
ولفت إلى أن الغنوشي ظهر طيلة العام الأول لتقلده منصبه بالبرلمان "ضعيفا، مهتزا، مخترقا، خصوصا يوم جلسة سحب الثقة" منه، مؤكدا أن الرجل بات "يثير الاشمئزاز"، نظرا لاهتزاز صورته لدى أنصاره والتونسيين عموما.
واعتبر المحلل السياسي أن ما يقال عن التداول والديمقراطية داخل النهضة لا معنى له، فـ"المعركة تتلخص في أن الرجل كان قويا ومتحكما في التمويل ويمتلك هالة كبيرة، إلا أن ضربات عبير موسي (رئيسة حزب الدستوري الحر) وقيس سعيد (الرئيس) أسقطتها».
وخلص إلى أن الغنوشي "لم يعد ذلك الزعيم الديني السياسي التاريخي الذي لا يناقش، بل حول نفسه بنفسه إلى نائب في برلمان يستطيع فيه أي نائب أن يجعله موضع سخرية أمام الشعب».
aXA6IDE4LjExOS4xMjIuNjkg
جزيرة ام اند امز