"أنا فهمتكم".. الغنوشي يقترب من عتبة الرحيل السياسي
الأزمات التي تحاصر الغنوشي شعبيا وسياسيا تنذر بنهاية وشيكة لعجوز إخوان تونس.
قفز على الدبلوماسية التونسية، عجِز عن القيادة، طُرد من مسقط رأسه في مدينة الحامّة، ثار عليه الشعب، لفظه البرلمان، صُنف أسوأ شخصية في بلاده.
الأزمات لا تأتي فرادى، هذا هو حال زعيم إخوان تونس راشد الغنوشي، الذي باتت مطالبات الرحيل شعبيا وسياسيا تحاصره حتى بين أبناء حركته "النهضة"، في مشهد يعيد للأذهان الكلمات الأخيرة التي توجه بها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، قبل تنحيه عن الحكم عام 2011، مخاطبا شعبه "أنا فهمتكم".
فالرجل الذي بات هزيلا ومرتبكًا ومتذبذبًا في قراراته حسب العديد من المتابعين، يواجه أسوأ أيامه وأكبر امتحان في تاريخه السياسي المليء بكل الألوان القاتمة.
أوقات عسيرة تتحدث هذه الأيام عن مطالبة نحو 100 من أعضاء النهضة، الغنوشي بعدم الترشح لرئاسة الحركة، في المؤتمر القادم المقرر عقده نهاية العام الجاري، واعتزال السياسة.
ووفق ما كشفت عنه مصادر مقربة من الحركة لـ"العين الإخبارية"، فإن قائمة الرافضين تضم أعضاءً في المكتب التنفيذي ومجلس الشورى والكتلة البرلمانية للنهضة، إضافة إلى قيادات محلية ببعض المناطق.
ووجه الرافضون للغنوشي لائحة موقعة طالبوه فيها بـ"إعلان عدم تجديد ترشحه لرئاسة الحركة"، من أجل تكريس مبدأ التداول القيادي وتوفير شروط نجاح المؤتمر القادم.
بل إن بعض القيادات هددت بالاستقالة الجماعية في حال استمرار الغنوشي على رأس الحركة.
وينص الفصل 31 من النظام الداخلي للحركة الإخوانية على أنه "لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحركة لأكثر من دورتين متتاليتين".
ويترأس الغنوشي حركة النهضة منذ عام 1981، عبر مؤتمرات انتخابية يري العديد من المتابعين أنها كانت صورية لا تخضع لمقاييس الانتخابات الديمقراطية.
عزلة "الثمانيني"
وزادت عزلة الغنوشي في الأيام الأخيرة، وتكثفت تجلياتها من البرلمان الذي يترأسه "عنوة" حسب أكثر من مراقب، أو وسط حركته التي دخلت في سياق المعارك من أجل المواقع والمناصب والخطط الوزارية، وخاصة من أجل العوائد الخارجية لتمويلات تركيا وقطر.
أكثر من جلسة مساءلة برلمانية خضع لها الغنوشي منذ انتخابه رئيسا للمؤسسة التشريعية، وأكثر من عريضة تطالب بعزله قدمها نواب لمكتب البرلمان، بسبب أدائه المخيب للآمال.
كما يجد الغنوشي نفسه مرفوضًا بشكل لافت في كل تحركاته الشعبية، وصلت في الأيام الماضية مسقط رأسه في مدينة "الحامة" من محافظة قابس (جنوب)، وذلك أثناء جنازة ضحية العملية الإرهابية التي ضربت مدينة سوسة مطلع الشهر.
وشيع أهالي مدينة "المكنين" من محافظة المنستير الساحلية بتونس ضابط الأمن الذي سقط في عملية إرهابية بمدينة سوسة، بهتاف "يا غنوشي يا سفاح.. يا قاتل الأرواح".
هتافات المشيعين حمّلت حركة النهضة الإخوانية والغنوشي، المسؤولية عن الهجوم الإرهابي الذي استهدف رجلي أمن، سقط أحدهما قتيلا وأصيب الآخر، بمدينة سوسة التونسية.
ورفع المشيعون في جنازة المقدم سامي المرابط، شعارات منددة باحتضان حركة النهضة الإخوانية للإرهاب وتشجيع الأعمال الإجرامية في تونس منذ سنة 2011.
عبء ثقيل
الباحثة التونسية في العلوم السياسية، نرجس بن قمرة، قالت إن فترة الغنوشي السياسية وصلت نهايتها، وهناك شعور داخل حركته بأنه أصبح عبئا ثقيلا وجب التخلص منه.
وأضافت بن قمرة، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن قدرة الغنوشي على المناورة أصبحت عنيفة بعد سلسلة من الانتكاسات، أولها عجزه عن اختراق حكومة هشام المشيشي بتعيين شخصيات إخوانية، وتنامي الأصوات المخالفة له داخل البرلمان.
وأوضحت أن الملف السري المثقل بالدماء والصناديق السوداء، وتعدد الجرائم الإرهابية في تونس، جعله شخصية "منبوذة"من كل الشرائح الاجتماعية.
وتؤكد في هذا السياق شركة "سيغما كونساي "لاستطلاعات الرأي أن الغنوشي هو أسوأ شخصية سياسية في عيون التونسيين على امتداد 6 أشهر.
وقد عبّر 72 بالمائة حسب نتائج الشركة عن رفضهم لوجود الغنوشي على رأس البرلمان.
وتابعت بن قمرة قائلة: "زمن الغنوشي السياسي انتهى، ومغادرته للمشهد هي مسألة وقت"، مؤكدة أن حالة الاحتقان الاجتماعي وتدهور الوضع الاقتصادي يجعله يوما بعد يوم محل رفض شعبي وسياسي وبرلماني.
وكان راشد الغنوشي قد عاد إلى تونس في 20 يناير/كانون الثاني عام 2011 بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ليحول الصراع السياسي إلى صراع ديني بهدف تفتيت الوحدة التونسية واختراق أجهزة الدولة وتصفية الخصوم السياسيين.
ورغم أن ماضيه كان خاليًا من أي نشاط اقتصادي أو تجاري؛ إلا أن رئيس حركة النهضة الإخوانية، أصبح يتربع على أكبر الثروات المالية في تونس في غضون سنوات قليلة.
وتضاعفت ثروات الكهل الإخواني بمعجزة لا يعرف سرها إلا التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي جعل من مدرس للفلسفة في المعاهد الثانوية التونسية لملياردير.
ويرى العديد من المتابعين أن ثروة الغنوشي متأتية أيضا من التمويل الأجنبي عبر جمعيات ومنظمات إسلامية (جمعية قطر الخيرية وفرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس) وهي منظمات ناشطة تحت يافطة العمل الخيري، ظهرت جميعها بعد 2011، تعمل على اختراق النسيج الاجتماعي وتقديم نفسها سندا للمواطنين.