لم يكن يعرف سلمان رشدي، الروائي وكاتب المقالات البريطاني ذو الأصول الهندية أن كلماته قد تقتله حتى أصدر مرشد إيران فتوى بهدر دمه.
رواياته أثارت الإعجاب حتى حصل على البوكر، لكنها أثارت الجدل كذلك، حتى جاء اليوم، الذي تلقى فيه طعنة بسكين، نقل على إثرها للمستشفى بينما كان يستعدّ لإلقاء محاضرة بغرب ولاية نيويورك الأمريكية.
مولده ونشأته وحياته الشخصية
اسمه كاملا سلمان أنيس أحمد رشدي، وحصل على لقب "السير" أو "فارس" بأمر من ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية في العام 2007، وأثار ذلك حينها احتجاجات في إيران وباكستان.
وُلد رشدي في 19 يونيو/حزيران 1947، في مومباي بالهند، وتلقى تعليمه في مدرسة كاتدرائية جون كونن في مومباي، قبل أن ينتقل إلى مدرسة الرجبي الداخلية في إنجلترا.
أكمل رشدي دراسته الجامعية في جامعة كامبردج حيث درس التاريخ، وعمل لدى اثنين من وكالات الإعلان قبل أن يتفرغ للكتابة.
تزوج رشدي 4 مرات، أولى زوجاته كانت كلارسيا لوارد من الفترة 1976 إلى 1987 وأنجب منها ابنه زافار.
وزوجته الثانية هي ماريان ويجينز، الروائية الأمريكية، حيث تزوجا في عام 1988، وتم الطلاق في عام 1993.
أما زوجته الثالثة فقد كانت إليزابيث ويست والتي تزوجها من 1997 إلى 2004، وأنجبا ابناً يدعى ميلان.
في عام 2004 تزوج من الممثلة الهندية الأمريكية والموديل بادما لاكشمي، لكن الزواج انتهى في 2 يوليو/تموز 2007، وقالت لاكشمي حينها إن "نهاية الزواج كات نتيجة لرغبتها هي".
كتاباته الأدبية
ألف رشدي العديد من الأعماله الأدبية التي ارتكز الكثير منها على شبه القارة الهندية.
بدأها رشدي برواية "غريموس"، في عام 1975، تلاها رواية أطفال منتصف الليل في عام 1980، وتتناول الرواية مسيرة الهند من الاستعمار البريطاني إلى الاستقلال وما بعده.
وفازت الرواية بجائزة بوكر الأدبية في عام 1981، إذ اعتُبرت "أفضل رواية لجميع الفائزين" في مناسبتين منفصلتين احتفالًا بالذكرى الخامسة والعشرين والأربعين لجائزة بوكر الأدبية.
وعقب تلك الرواية في عام 1983، أصدر سلمان رواية "العار"، التي جسّد فيها الاضطرابات السياسية في باكستان، واستند في بناء شخصياتها إلى ذي الفقار علي بوتو والجنرال محمد ضياء الحق.
وفازت تلك الرواية بجائزة "أفضل كتاب أجنبي"، الفرنسية، وكان وصيفا لنيل جائزة بوكر الأدبية.
وبعدها ألّف رشدي كتابًا واقعيًا عن نيكاراجوا في عام 1987 تحت عنوان "ابتسامة جاكوار"، استند فيه إلى تجاربه المباشرة وأبحاثه عن الجبهة الساندينية للتحرير الوطني بتلك البلاد.
"آيات شيطانية".. باب الجحيم على الكاتب
وفي عام 1988، نشر رشدي كتابه "آيات شيطانية" الذي اعتُبر أكثر أعماله إثارةً للجدل، لتندلع بسببه احتجاجات في عدة دول.
وفجر كتابه ثورة عارمة في بريطانيا وقام محتجون بحرق نسخ منها، وواجه رشدي العديد من التهديدات بالقتل، حتى أصدر مرشد إيران، آنذاك، أيه الله الخميني، في 14 فبراير/شباط عام 1989 فتوى بقتله من خلال راديو طهران.
وفي 3 أغسطس/آب 1989 فشلت محاولة لاغتياله بواسطة كتاب مفخخ، حاول تمريره عنصر من "حزب الله"، يدعى مصطفى مازح.
وانفجر الكتاب بشكل مبكر مما أدى إلى مقتل الأخير وتدمير طابقين من فندق بادينجتون.
وأجبر رشدي الذي كان يعيش حياته متنقلا بين لندن ونيويورك، على الاختفاء عن الأنظار، والحياة العامة لمدة 10 سنوات.
ووضعت الحكومة البريطانية تحت حماية الشرطة، حيث كانت تقوم قوات خاصة بحراسته على مدار الساعة، كما أنه انتقل من مسكنه 30 مرة لضمان بقاء محل إقامته سرا، وعاش رشدي في الولايات المتّحدة منذ عام 2000.
وفي العام 2007، أعلن رجل الدين الإيراني أحمد خاتمي، أنّ الفتوى بهدر دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي، التي أصدرها الخميني في عام 1989 بسبب كتابه "آيات شيطانية"، لا تزال سارية، مؤكداً أنها "غير قابلة للتعديل".
لكن الحكومة الإيرانية قامت عام 1998 بسحب دعمها لفتوى قتل رشدي الذي عاد تدريجيا إلى الحياة العامة لدرجة أن ظهر بنفسه في فيلم "بريدجيت جونز ديري" عام 2001.
وفي عام 2013، نشر تنظيم القاعدة الإرهابي في عدد جديد من مجلة تابعة له لائحة تحمل عنوان "مطلوب حيًا أو ميتًا" ضمت سلمان رشدي.
وتلى تلك الرواية أعماله شملت "هارون وقصص البحر"، في 1990، و"أوطان تخيلية: مقالات ونقد"، في عام 1992، و"مشرد باختيار"، في 1992، و"شرق، غرب"، في عام 1994، و"زفرة العربي الأخيرة" في عام 1995.
إضافة إلى "الأرض تحت قدميها" في 1999، و"الغضب" في 2001، و"خطوات تقطع الخط" في 2002، و"شاليمار المهرج" في عام 2005، و"عرافة فلورنسا"، في 2008، و"جوزيف أنطون: مذكرات"، في عام 2012، و"سنتان وثمانية شهور وثماني وعشرون ليلة"، في عام 2015، و"البيت الذهبي" في 2017، و"كيشوت" في 2019.
كما حملت إحدى أغاني فرقة يو تو الموسيقية الأيرلندية اسم الرواية ذاته، إذ كانت هذه الأغنية واحدة من العديد من كلمات الأغاني المدرجة في الرواية؛ وبالتالي اعتُبر رشدي كاتب أغاني.
أبرز تكريماته
حصد رشدي جائزة الكتاب البريطانية للآداب حصل عليها سنة 1981 عن روايته "أطفال منتصف الليل".
وانتُخب رشدي بصفته عضوا للجمعية الملكية للأدب في عام 1983، وهي المنظمة الأدبية العليا على مستوى سائر المملكة المتّحدة.
كما حصل على منحة توجولوسكي للآداب السويدية في عام 1992، وحصد كذلك جائزة آريستون عن المفوضية الأوربية عام 1996.
كما قُلّد رشدي وسام الفنون والآداب الفرنسي في شهر يناير من عام 1999، كما مُنح لقب فارس على يد الملكة إليزابيث الثانية بسبب خدماته في الأدب في شهر يونيو من عام 2007.
وصنّفته صحيفة "ذا تايمز" في المرتبة الثالثة عشر ضمن قائمتها لأفضل 50 كاتبًا بريطانيًا منذ عام 1945 خلال عام 2008.
حصل على لقب الكاتب المتميّز المقيم في معهد آرثر إل. كارتر للصحافة ضمن جامعة نيويورك في عام 2015، كما أنه انتُخب عضوًا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب.