في ذكرى «غيرت مجرى التاريخ الأمريكي».. من هو الفلسطيني الذي اغتال كينيدي؟
لم تشهد أمريكا في تاريخها الحديث انتخابات رئاسية حصدت كل ذلك الانتباه والاهتمام مثلما فعل اقتراع جرى قبل أكثر من 5 عقود وسبقه اغتيال مرشح رئاسي.
ولا يزال الخامس من يونيو/حزيران 1968 ماثلا في أذهان الكثير من الأمريكيين، عندما اغتال فلسطيني مرشح الرئاسة الأمريكية روبرت كينيدي.
الذكرى تأتي في وقت تشتعل فيه أجواء الانتخابات الأمريكية وسط نشاط غير عادي للمرشحين وجولات لا تتوقف لكسب تأييد الناخبين قبل ملحمة 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويقال إن اغتيال روبرت كينيدي "غيّر مجرى التاريخ"، إذ كان أبرز المرشحين للرئاسة، وشكلت وفاته خسارة للأصوات الداعمة للسياسات الليبرالية التقليدية، وجعلت الساحة تخلو أمام ناقدين لها مثل ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان.
لكن الغريب أن يتم اغتيال روبرت كينيدي على يد الفلسطيني سرحان بشارة سرحان، الذي هاجر في خمسينيات القرن الماضي مع عائلته إلى الولايات المتحدة واستقروا في النهاية في مدينة باسادينا، بولاية كاليفورنيا.
فمن هو سرحان؟
ولد سرحان في 19 مارس/آذار 1944 لعائلة عربية مسيحية في مدينة القدس، التي انتقلت لاحقاً إلى الأردن عام 1948، وهو ما مكّن سرحان وأفراد أسرته من الحصول على الجنسية الأردنية.
ثم هاجر سرحان مع عائلته إلى الولايات المتحدة، واستقرت العائلة بولاية كاليفورنيا، إذ التحق هناك بكلية مدينة باسادينا وشغل فيما بعد وظائف بسيطة، كعامل في إسطبل للخيول وبعد ذلك في متجر للأطعمة.
خلال هذه الفترة، أصبح سرحان يجاهر بمعارضته لإسرائيل، خصوصاً بعد حرب الأيام الستة في يونيو/حزيران 1967، حين سيطرت إسرائيل على مناطق مختلفة من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية ومدينة القدس القديمة.
بدأ سرحان في توجيه غضبه إلى السيناتور روبرت كينيدي، الذي أعرب عن دعمه لإسرائيل في أثناء حملته الانتخابية لترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 1968، بحسب "بريتانيكا".
وفي 4 يونيو/حزيران من العام ذاته، فاز كينيدي في الانتخابات التمهيدية في كاليفورنيا، وبعد منتصف الليل بفترة وجيزة، ألقى خطاباً في فندق السفير (الإمباسدور أوتيل) بلوس أنجلوس. هناك، كان سرحان ينتظر كينيدي قرب مصعد أمام مطبخ الفندق.
بعد نهاية الخطاب، توجه كينيدي نحو المطبخ من أجل مصافحة العاملين، فتعرض لإطلاق النار وسقط على الأرض وهو ينزف، فيما أصيب 5 آخرون في الحادث.
لائحة اتهام:
اعتقل سرحان في مكان الحادث، وبدأ سيل من الأدلة والاتهامات توجه إليه. وذكر تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) عن الحادث أن سرحان قال بعد إطلاق النار للموجودين في المطبخ: "يمكنني أن أشرح ما حدث. لقد فعلت هذا من أجل بلدي".
وأشار التقرير إلى أن سرحان اشترى في الثالث من يونيو/حزيران 1968، أي قبيل يومين من الحادث، مسدساً من أحد متاجر السلاح، وسجل في اليوم التالي في نادي "سان جابراييل فالي" للرماية، وتدرب في اليوم ذاته على استخدام السلاح بشكل مكثف.
وفي مساء ذلك اليوم توجه سرحان إلى فندق السفير، إذ سيلقي روبرت كينيدي خطابه، ووقف أمام مصعد مقابل لباب المطبخ. وأكد أحد العمال في المطبخ أمام المحكمة، أن سرحان سأله إن كان يعلم ما إذا كان كينيدي سيعود إلى المطبخ، فأجابه بأنه لا يدري، بحسب التقرير.
كما عثر المحققون على مذكرة بخط يد سرحان في شقته، كشفت عن تصاعد غضبه ضد من وصفهم بـ"الصهاينة"، وورد اسم كينيدي بينهم، بل وحدد الخامس من يونيو/حزيران يوماً لقتله بالتزامن مع الذكرى الأولى لحرب الأيام الستة.
في عام 1969 حكم على سرحان بالإعدام، وتم تعديله في 1972 إلى السجن المؤبد، بسبب إلغاء كاليفورنيا لعقوبة الإعدام.
الحلقة المفقودة:
برزت شكوك إزاء ضلوع سرحان في اغتيال روبرت كينيدي خلال محاكمته، عندما عرض الادعاء الأمريكي تقريراً لنتائج التشريح أظهر إصابة كينيدي بطلقات من مسافة قريبة من الخلف.
وقال شهود عيان إن سرحان كان يقف أمامه، وهو ما عزز فرضية وجود مسلح ثانٍ في الفندق.
وخلال الجلسات التي شهدتها السنوات التالية، ظهرت حقائق تؤكد إطلاق ما يصل إلى 13 رصاصة تلك الليلة، بينما يتسع السلاح الذي عثر عليه بحوزة سرحان لـ8 رصاصات فقط.
وقال نجل كينيدي لصحيفة "واشنطن بوست" في 2018، إنه زار سرحان في سجنه في صحراء كاليفورنيا حيث يمضي عقوبته، وبات مقتنعاً بأن "هناك ظلماً تم ارتكابه". وقال للصحيفة: "ذهبت إلى هناك لشعوري بالفضول والانزعاج لما شاهدته في الأدلة".
وأضاف: "شعرت بالانزعاج لاحتمال أن يكون شخص آخر قد أدين بقتل والدي"، مشيراً إلى أن "والدي كان كبير مسؤولي تطبيق القانون في هذا البلد. وأعتقد أن سجن شخص لجريمة لم يرتكبها كان سيزعجه".
هل يمكن الإفراج عن أقدم سجين عربي؟
وخلال سنوات سجنه كان سرحان يتقدم كل 5 أعوام بالتماس للإفراج عنه، وفي آخر التماس له للإفراج المشروط عنه في أغسطس/آب عام 2021 كانت المفاجأة، وهو أن الادعاء الأمريكي لم يعلن ولأول مرة معارضته لإخلاء سبيله، كما اعتاد في 15 التماسا قدمها. ووجد مجلس الولاية، أن سرحان أصبح في ظروف مناسبة للإفراج عنه، لكن الحاكم نيوسوم رفض توصية المجلس، وفي يناير/كانون الثاني 2022 منع إطلاق سراحه.