تجديد الخطاب الديني.. رهان السيسي لمواجهة التطرف
تجديد الخطاب الديني بات دعوة متكررة يعول عليها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لمواجهة التطرف بمصر، والدعوة جاءت هذه المرة من شرم الشيخ
في نداء بات متكرراً أخيراً، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على أهمية تصويب الخطاب الديني "كأحد أهم المطالب التي تحتاجها المنطقة والعالم الإسلامي على الإطلاق"، مستنكراً في كلمة له، الأحد، على هامش "منتدى شباب العالم" بشرم الشيخ، أن "تكون مفردات وأفكار كان يتم التعامل بها من ألف سنة، صالحة للتطبيق بنفس الكيفية في هذا العصر".
وسبق أن وجه السيسي دعوات مماثلة في أكثر من مناسبة، لمواجهة تمدد التنظيمات المتطرفة وأفكارها. وقال مراقبون وخبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية" إن "السيسي بحديثه المتكرر يظهر جدية وحسما أكبر"، مشيرين إلى "الاتجاه الواضح للدولة المصرية ومؤسساتها الدينية، في إحداث تنقية شاملة للأفكار المغلوطة، المنسوبة للإسلام، وبناء رؤية جديدة تتواكب مع العصر".
وتواجه مصر منذ عام 2013، تنامياً في وتيرة العمليات الإرهابية، تتبناها جماعات دينية متشددة، إلى جانب ما تشهده المنطقة العربية على وجه العموم من تمدد للتنظيمات الإرهابية، متمثلة في أذرع لتنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش".
وتحدث السيسي عن تجديد الخطاب الديني للمرة الأولى، قبل نحو 3 سنوات، لكن يبدو أن مستوى التقدم المأمول في الأمر لا يرقى لطموحه، الأمر الذي يدفعه للتأكيد عليه، بحسب مراقبين.
وفي كلمته، الأحد، قال السيسي: "حين أطلقنا في مصر تصحيحا أو تصويبا للخطاب الديني تكلمت على أن الصراعات كلها متمركزة في هذه المنطقة، بغض النظر عن فكرة المؤامرة، لا بد من أن نتوقف عن هذا الحجم الضخم من الصراعات في المنطقة وأكبر نسبة للاجئين والضحايا"، مضيفا أن "الرؤية ومشاهدة الواقع بدون أي غرض وراء إطلاق مبادرة تصويب الخطاب الديني".
وتابع: "لا نتحدث عن تغيير دين ولكن عن كيفية إقناع أصحاب العقول والرأي والمعنيين بهذا الأمر بأن هناك مشكلة حقيقية في خطابه وفهمه للدين الذي يتعامل به في هذا العصر، لا بد من إيجاد مفردات لخطاب ديني تتناسب مع هذا العصر، ويمكن بعد مرور 50 عاما نحتاج إلى تطويرها أيضا بتطور المجتمعات".
علي بكر، الخبير المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، يرى أن الرئيس السيسي لديه رؤية واضحة لمشروع ديني تنويري يتوافق مع ثوابت الدين الإسلامي، وتطورات العصر الحديث بشكل كبير، مشيرا لـ"العين الإخبارية" إلى أن تلك الرؤية التي يسعى السيسي إلى تطبيقها تستوعب كافة قطاعات المجتمع المصري، وكذلك المنطقة العربية والعالم الإسلامي، بهدف تنمية عقول المجتمع الإسلامي بما يصعب على تلك الجماعات المتطرفة النفاذ لتلك العقول.
وأوضح الخبير المصري أن تجديد الخطاب الديني، وفقا لما سبق أن أفصح عنه السيسي، يقدم صورة جيدة عن الدين الإسلامي، ويمحو المغالطات التي أصبحت تعمم عنه الآن، وتتخذ ذريعة لتنفيذ عمليات إرهابية باسم الدين، كما أن المشروع يتضمن إزالة الشوائب التي لحقت بالمفاهيم الدينية على مر العصور السابقة.
وأشار بكر إلى أن الاستياء الذي بدا عليه السيسي في حديثه، الأحد، يعود إلى عدم وجود خطاب ديني عصري حتى الآن يستطيع أن يجذب الشباب في مواجهة الخطابات المتطرفة، التي تمتلك أساليب مؤثرة تحشد بعض الشباب إليها، مؤكدا أن تكراره يأتي بهدف حشد همة المؤسسات الدينية والمعنيين في التنفيذ في أسرع وقت، حتى ينعكس أثره على المجتمع.
وشهدت مصر في الآونة الأخيرة تحركات من مؤسسات دينية، لتجديد الخطاب الديني بناء على دعوة الرئيس السيسي لتقديم خطاب ديني عصري يتفاعل مع احتياجات المجتمع، ويصحح المفاهيم الدينية المغلوطة.
وتشير الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب المصري، إلى أن تجديد الخطاب الديني أمر يحتاج إلى وقت وتدرج، مضيفة أن التجديد لا بد أن يبدأ بمراجعة المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، وعلى رأسها الأزهرية.
وأضافت نصير لـ"العين الإخبارية" أن "الأصعب في عملية تجديد الخطاب الديني هي مواجهة بعض القيادات الدينية المتشددة، الذين يقفون حجر عثرة ضد التجديد أو أي اجتهاد في قضايا العصر، ويرفضون إعمال العقل"، داعية إلى "مساندة كافة مؤسسات الدولة المصرية الثقافية والعلمية الأزهر في القيام بهذه المهمة، لإحداث مواجهة فكرية فيما ألصق زورا بالإسلام".
وكان أسامة الأزهري، مستشار الرئيس المصري للشؤون الدينية، أكد أن قضية تجديد الخطاب الديني أضحت ضرورة ملحة لمواجهة الفكر المتطرف، يفرضها الشرع، غير أنها بحاجة إلى عدة مراحل أبرزها؛ إطفاء نيران الفكر المتطرف، وسرعة العمل على تفنيدها.
وأشار الأزهري، في ندوة له قبل أيام، إلى أن التيارات المتطرفة تستند إلى عدد من المفاهيم تختطف بها العقول وتخترقها، أهمها الحاكمية أو التكفير، الجاهلية، الولاء والبراء. وشدد الأزهري على رفض أى فكر يؤدي إلى الصدام سواء من مدخل ديني أو فلسفي.
وأضاف أن "تجديد الخطاب الديني، هو دعوة وصرخة للخروج من الفرض الضيق المتمثل في محاربة الإرهاب والتطرف، وإنجاز هذه المهمة حتى ننطلق إلى صناعة الحضارة".
aXA6IDMuMTQ0LjEyMi4yMCA= جزيرة ام اند امز