"مصائب قوم عند قوم فوائد".. حال مزارعي العراق مع توقف بضائع إيران وتركيا
إيران تحقق أرباحاً بنحو 3 مليارات دولار، وتركيا 2,2 مليار سنوياً، عن طريق تصدير المنتجات الزراعية والغذائية إلى العراق.
"مصائب قوم عند قوم فوائد".. مثل يصلح في العراق هذه الأيام، بالتحديد للمزارعين، الذين طالما عانوا الأمرين من إغراق المحاصيل الإيرانية والتركية لأسواقهم المحلية وكساد منتجاتهم في منافسة تكاد تكون محسومة بسبب الدعم الذي يقدمه البلدان لصادراتهما الزراعية للقضاء على نظيرتها العراقية، في محاولة لاستمرار إرهاق بلد يعيش نصف سكانه على إيرادات الزراعة.
لكن حدث ما لم يكن متوقعا، فبعد تفشي فيروس كوفيد- 19 والإجراءات المصاحبه للحد من انتشاره، ومنها إغلاق المنافذ الحدودية، تمكن المزراعون من طرح منتجاتهم بقوة وإنهاء سطوة البضائع الإيرانية والتركية على الأسواق.
- "خليها تخيس".. العراقيون يوجهون ضربة كبيرة لمنتجات إيران
- مليشيات إيران تحرق الأراضي الزراعية العراقية لإنقاذ اقتصاد طهران
ويحمل المزارع العراقي أحمد محسن كيساً ويجمع البطيخ مع شقيقه وأبنائه من مزرعتهم في محافظة الديوانية جنوب بغداد لطرحها بوفرة في السوق التي تغيب عنها البضائع الإيرانية والتركية بفعل إغلاق المنافذ الحدودية، جراء فيروس كوفيد-19.
ويمتلك العراق أكثر من 32 منفذا حدودياً مع دول الجوار، منها على الجانب الإيراني والتركي وسوريا والأردن، ولكن المنافذ والبضاعة الإيرانية كانت هي الأقل سعراً والأكثر انتشاراً في الأسواق المحلية العراقية، والتي أدت إلى خسائر كبيرة للبضائع المحلية.
وفي بلد يعيش ثلث سكانه على إيرادات الزراعة، فإن الواردات تغطي 50 % من الاحتياجات الغذائية.
ويقول محسن، وهو مهندس زراعي يبلغ من العمر 32 عاماً، لوكالة فرانس برس إن "الزراعة في العراق باءت بالفشل والخسارة للمزارعين العراقيين خلال السنوات الماضية بسبب انعدام الدعم" من الدولة.
أما على الجانب الآخر من الحدود، فإن إيران تحقق أرباحاً بنحو 3 مليارات دولار، وتركيا 2,2 مليار سنوياً، عن طريق تصدير المنتجات الزراعية والغذائية إلى العراق.
لكن مع تفشي وباء كوفيد-19، كان على السلطات إغلاق الحدود.
لذا، يشير محسن إلى أن الحكومة "كانت مجبرة وليس دعماً للفلاح. وهذا ما جعلنا أمام تحد لإثبات أن المزارع العراقي يستطيع أن يوفر السلة الغذائية للعائلة العراقية".
- سيطرة الدولة
وتمتاز مدينة عفك بمحافظة الديوانية، التي يتحدر منها محسن، بزراعة البطيخ ذات الرائحة والطعم الجيد، ويعرف في العراق باسم "شوجي عفك" والذي يسوق إلى جميع المحافظات العراقية بآلاف الأطنان يومياً خلال الصيف.
وتعدُ محافظة الديوانية من المدن الزراعية، وحققت الاكتفاء الذاتي للمحاصيل الاستراتيجية من الحنطة والشعير خلال الموسم الزراعي الحالي، وتتميز بزراعة أرز "العنبر"، الذي يعدُ من أجود أنواع الأرز في العالم.
لكن المناطق الزراعية أو الحرجية في العراق، لا تشكل سوى 9,3 مليون هكتار فقط. وهي مساحة قليلة مقارنة بإيران مع 45,9 مليون هكتار، أو سوريا 13,9 مليون هكتار.
ويكشف رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية العراقية في الديوانية محمد كشاش لفرانس برس أنه في العام 2020 تمكن العراق للمرة الأولى منذ زمن، من تحقيق اكتفاء ذاتي في 28 منتجاً.
فعلى سبيل المثال، ارتفع إنتاج البيض من 11 مليوناً في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى 17 مليوناً في أبريل/ نيسان ومايو/ أيار ويونيو/ حزيران من العام الجاري، وفقاً لوزارة الزراعة.
وليس ببعيد عن محسن، يقول المزارع هاني شعير لفرانس برس إن "غلق الحدود هذا الموسم وفر فرصة ذهبية للفلاح العراقي بتسويق المنتج المحلي" من الخضار والفواكه كالبطيخ والشمام والباذنجان والخيار والطماطم وغيرها.
ويضيف "لا نطلب من الدولة الكثير، بل أموراً بسيطة لدعم العملية الزراعية والمنتوج المحلي الذي يعد أجود من المستورد وأقل سعراً" بسبب انعدام المنافسة.
يُعرف الفلاح خشان كريز (70 عاماً) في محافظة الديوانية بامتلاكه لمئات الدونمات التي يزرعها بأجود أنواع الحبوب.
وعادة، في بلد لا يزال إرث نظام صدام حسين حاضراً فيه، مع اقتصاد تسيطر عليه الدولة بالكامل تقريباً، يبيع كريز إنتاجه بسعر أعلى من السوق إلى تعاونيات الدولة، التي تبيع بدورها تلك المحاصيل.
لكن كريز يوضح أن "الحكومة العراقية لا تدعم المزارع العراقي (...) ويقدم المزارع خلال الموسم الكثير من الجهد والوقت وبالنتيجة عند التسويق يبقى ينتظر لأيام أمام مراكز التسويق وبعدها لا يعطى يحقه وتتأخر الدولة بدفع مستحقاته المالية لأشهر وبعض الأحيان لسنوات، ما يسبب لنا خسائر".
- دعم مادي ومعنوي
باع كريز محصوله هذا العام مباشرة في أسواق الجملة للمرة الأولى. بسعر أقل، ولكن أسرع والدفع مباشر.
ليس فقط لأن المزارعين يراكمون حقوقاً غير مدفوعة، بل أيضاً لأن الواردات المنخفضة التكلفة من الدولة تغرق السوق وتعيق فعلياً تسويق منتجاتهم التي اشترتها الدولة.
وفي مواجهة هذه الفوائض، يفضل العديد من المزارعين ترك أراضيهم بدلاً من العمل بخسارة، بحسب ما يؤكد خبراء من مجلة "ساستاينبلتي" البيئية.
ويؤكد مسؤول حكومي أن آخرين يفضلون تهريب الحبوب من سوريا أو إيران أو تركيا، ثم إعادة بيعها للدولة، ممزوجة بإنتاجهم، لزيادة دخلهم.
والآن يأمل كريز أن "تمنع بغداد الواردات لدعم المزارعين العراقيين مالياً ومعنوياً".
وقد سبق لوزارة الزراعة أن حظرت بالفعل استيراد 25 نوعاً من الفاكهة والخضار. وفي الوقت نفسه، توقفت سوريا عن تصدير منتجات الألبان والبقول والحبوب بسبب كوفيد-19، بينما توقفت أنقرة عن تصدير الليمون.
ولكن مع انهيار سعر صرف العملتين التركية والإيرانية، تستمر منتجات الجيران في شق طريقها إلى الطاولات العراقية بأسعار مخفضة.
وهنا تتعارض سعادة المزارع مع أسوأ عقبة أمامه، وهي شح الأموال الذي يزداد يومياً لدى 40 مليون عراقي، من الذين أوقف كوفيد-19 مصادر رزقهم.
aXA6IDMuMTM1LjIxNC4xNzUg جزيرة ام اند امز