كلما فتح مقر الأمم المتحدة أبوابه للعشرات من زعماء العالم كل شهر سبتمبر/أيلول تشرئب الأنظار إلى نيويورك بحثا عن تغيير في السياسات الدولية واتجاهاتها لمعالجة القضايا الراهنة
كلما فتح مقر الأمم المتحدة أبوابه للعشرات من زعماء العالم كل شهر سبتمبر/أيلول تشرئب الأنظار إلى نيويورك بحثا عن تغيير في السياسات الدولية واتجاهاتها لمعالجة القضايا الراهنة، ولم تختلف الدورة الحادية والسبعون المنعقدة حالياً عن سابقاتها، بل أكدت الانقسامات الخطيرة في المشهد الدولي، وأعطت مؤشرات عالية الوضوح ترسخ القناعة بأن النظام العالمي الساري قد تجاوزه الزمن.
في نحو عشرة أيام يعقد ضيوف نيويورك أكثر من ألف لقاء ثنائي وجماعي، فضلاً عن خطابات ومؤتمرات ومحاضرات أمام الجمعية العامة، وكلها ينصب على قضايا محددة أخطرها مكافحة الإرهاب وملف اللاجئين والحرب في سوريا وصراعات أخرى بينها القضية الفلسطينية التي لم تعد في صدارة الاهتمامات، كما تراجعت ملفات التنمية وإصلاح النظام الدولي، وبرزت بدلها نذر أزمات دولية كبيرة لن تحقق شيئاً غير الفشل في معالجة المعضلات الراهنة، مثلما هو الحال في الخلاف الأمريكي الروسي حول المعارضة والجماعات الإرهابية في سوريا. وبدأ من خلال الكلمات والمداخلات والتصريحات الجانبية أن تباين وجهات النظر قد بلغ أقصاه في الاتجاهين، وأكد أن الدعوات المطروحة للتوافق على استراتيجيات دولية لمعالجة كل هذه القضايا أشبه بالمستحيل، وأن الوضع سيبقى على ما هو عليه إن لم يشهد مزيداً من التدهور. ولكن العرف والعادة في الأمم المتحدة يقضيان بأن يطلق الزعماء تعهدات ووعوداً يجري تسجيلها لأرشيف المنظمة الدولية، أما الالتزام بالتنفيذ فليس وارداً على الإطلاق. وللمتابع أن يسأل عن روح ميثاق الأمم المتحدة الذي رأى النور بعد الحرب العالمية الثانية، حين التزمت دول العالم بإحلال السلام وإنصاف الشعوب المقهورة والحد من التسلح وتحقيق العدالة الإنسانية ومحاربة الفقر والأوبئة والمجاعات ونشر التنمية، وأثبتت التطورات اللاحقة أن كل تلك التعهدات سقطت ضحية استبداد بعض القوى وظلت حبراً على ورق حين انقسم العالم إلى معسكرين، وفي ظل ذلك الانقسام تحقق تقدم في كثير من المجالات الإنسانية، ولكنه تقدم ظل مشروطاً بمصالح عليا لدول بعينها وليس عملا إنسانياً صرفاً مثلما تؤكد ديباجة الأمم المتحدة.
بالتزامن مع انعقاد الدورة الحالية تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا. ورغم أن عنوان الخلاف يشير إلى الأزمة السورية، إلا أنه في العمق أوسع من ذلك بكثير، وعلى هامش صراع القوتين العظميين، بدأ يتضح حجم الاحتقان الدولي في أكثر من منطقة كاشفا عن خرائط جديدة للصراع تتعارض مع كل ما يقوله الزعماء من شعارات أمام الجمعية العامة، فالحرب على الإرهاب ستظل تراوح مكانها والأزمات المشتعلة ستبقى على حالها مع تغييب أي إرادة حقيقية لحلها، وحتى إذا توفر حل فيوظف لتفجير أزمات وصراعات جديدة لأن مبدأ المعالجة الدولية مازال يقوم على المصلحة وليس على مبدأ العدالة والسلام وروح القانون الإنساني.
هناك أزمة خطيرة في النظام الدولي تتعلق بانعدام الثقة والميل إلى منطق القوة والتآمر أكثر من الاحتكام إلى قيم التعايش والتعاون. وسيكون الداعون إلى إصلاح الأمم المتحدة وإعادة النظر في تركيبة مجلس الأمن على حق تماما، فهذا الهيكل الذي عمر أكثر من سبعين عاماً قد شاخ ولم يعد يعبر عن هذا العصر بكل ما في الكلمة من معنى.
نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة