نفترض في عالم اليوم المتطور تقنياً، والمتصل عالمياً، أنه قد تمت إعادة ابتكار الحياة، بشكل تام. لكن الحياة، وفي الحقيقة، لم تتغير كثيرا من تلك الناحية.
نفترض في عالم اليوم المتطور تقنياً، والمتصل عالمياً، أنه قد تمت إعادة ابتكار الحياة، بشكل تام. لكن الحياة، وفي الحقيقة، لم تتغير كثيرا من تلك الناحية. ربما تكون مواقع مثل «فيسبوك» و«غوغل» قد عمدت لإعادة معايرة أساليب حياتنا، إلا أن الطبيعة البشرية والجغرافيا والثقافة أمور لا تقدر بثمن.
وحتى عندما تتعاقب الحكومات والأيديولوجيات وتختفي مجددا، فإن المشكلات القديمة والتحديات ذاتها تبقى.
لنقارن الأمور التي هيمنت على ساحة الأخبار في عام 1966، أي قبل خمسين سنة.
في الخارج، كانت إسرائيل تقاتل، ميدانياً، في الضفة الغربية ضد الجماعات الفلسطينية، وفي الجو فوق سوريا. ومن المحتمل أنه في غضون خمسين سنة أخرى ستبقى القصة هي ذاتها.
لقد كان الشرق الأوسط في عام 1966 مترعاً بالصراعات، على غرار اليوم، وفي كثير من الأماكن المتشابهة، أما أفريقيا، شأنها شأن اليوم، فقط دمرتها الحروب والانقلابات في أماكن مثل تشاد وغانا ونيجيريا والسودان.
وفي تلك الفترة، شاب التوتر العلاقات الأميركية الروسية. وفرضت موسكو الخناق على المعارضين، ناهيك عن معارضتها جميع المبادرات الأميركية في الخارج.
وكانت حكومة فيدل كاسترو في كوبا تقف ضد أميركا، وتجرم حرية التعبير عن الرأي، وتزعم أن أميركا تتدخل في شؤون كوبا.
يتمثل الفرق الوحيد اليوم بأن الديكتاتور الكوبي فيدل كاسترو، كان شخصاً يفتعل المشكلات في عمر الأربعين عاما، حينها، وليس كما هو عليه اليوم، عجوز بعمر الـ 90 عاما تقريبا.
وكذلك، لم تتغير الكثير من الأمور في أماكن أخرى في العالم، حينها، وبما أن قبرص ما زالت تشكل اليوم نقطة خلاف بين تركيا واليونان، كانت كل من اليونان وتركيا، قبل خمسين سنة خلت، تجتمعان لحل التوترات حول الجزيرة المنقسمة.
وينطبق الشيء ذاته على الخلاف المستمر بين الهند وباكستان، اللذين اجتمع قادتهما، بشكل متكرر، خلال عام 1966، في أعقاب حرب صريحة في عام 1965.
وكان هناك أيضا أشكال من الانقسامات داخل حلف «ناتو»، حلف شمال الأطلسي، والتي أصبحت مسائل مألوفة للغاية. وحالياً، تخشى أميركا من أن يتداعى الحلف بسبب المشاحنات وعدم رغبة الدول الأوروبية في زيادة ميزانيات الدفاع. وقبل خمسين عاما، كانت فرنسا هي المشكلة.
ففي عام 1966 خرجت فرنسا من الحلف، الذي أضطر فجأة لنقل مقاره في باريس إلى بروكسل ببلجيكا. ولم تكن الأمور مختلفة إلى ذلك الحد في الوطن عما هي عليه اليوم.
قبل خمسين عاما، توفي والت ديزني بينما كان يعمل على نسخة متحركة لمجموعة قصص الكاتب البريطاني روديارد كيبلينغ، «كتاب الأدغال»، الذي حققت طبعته الجديدة هذا العام ضربة جديدة.
فضلا عنه أنه في عام 1966، تم عرض سلسلة جديدة من أفلام الخيال العلمي على التلفاز، ألا وهي «ستار ترك».
وبالمثل، في شهر يوليو 2016، تم عرض سلسلة جديدة لأفلام «ستار ترك».
وبالنسبة إلى كافة أجهزة الكمبيوتر والفيديو الجديدة التي في جعبتنا، فإن ملايين الأميركيين الشبان لا يزالون يشاهدون «كتاب الأدغال» و«ستار ترك»، بصورة لا تختلف كثيرا عن الطريقة التي تابع فيها أجدادنا تلك الحلقات قبل نصف قرن.
أغاني البوب المتصدرة حالياً لا تختلف كثيرا عن تلك التي اجتاحت أميركا عام 1966، والتي قام بأدائها فرق مثل «رولنغ ستونز»، و«البيتلز».
حتى صرعات الموضة يبدو أنها تسير في الدائرة ذاتها. فقد كان الرجل يلبس خلال العمل بدلة وربطة عنق كما هي الحال اليوم. وفي عام 1966 شابهت النساء بالتنانير القصيرة نظيراتهن اليوم في عام 2016.
غالبا ما نبدي قلقنا من أن تصبح أميركا في عام 2016 مجتمعا عدائيا، بنسب غير مسبوقة للقتل الجماعي في المدارس. ولكن للأسف لم يتغير الكثير في هذا السياق أيضا. ففي شهر يوليو من عام 1966 اعتقل قاتل بسبب ذبحه 8 طلاب في شيكاغو. وفي الشهر الذي تلاه، تسلق تشارلز ويتمان برجاً في جامعة «تكساس» أوستن، ليقتل بالرصاص 14 شخصا بريئا، ويسفر عن إصابة 32 شخص آخر (وذلك بعد أن قتل أمه وزوجته).
وبالمقابل، تعاملت أميركا مع الاضطرابات العنصرية هذا العام، بدءاً بـ «دالاس» ووصولا إلى ميلووكي، وذلك عقب أعمال الشغب في فيرجسون بولاية ميسوري عام 2014، وفي بالتيمور العام الماضي.
وفي شيكاغو عام 1966، كان هناك مظاهرات في لانسينغ وميشيغان في السنة التي أتبعت مظاهرات الشغب في عام 1965.
وبلغت أميركا وبقية العالم تقدما كبيرا في مجال التكنولوجيا والعلوم والعلاقات الاجتماعية. ولكن ما يقبع تحت قشرة عام 2016 الطبيعة البشرية ذاتها، لتجري الحياة في كثير من الأحيان على مبادئ مشابهة لتلك التي كانت قبل نصف قرن، وقبل ذلك حتى.
*نقلا عن جريدة "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة