أكد وزير الدفاع التركي فكري أشيق عدم استخدام المشاة في عمليات جيشه في شمال سورية، وأن الجيش السوري الحر سيتولى القتال على الأرض.
أكد وزير الدفاع التركي فكري أشيق عدم استخدام المشاة في عمليات جيشه في شمال سورية، وأن الجيش السوري الحر سيتولى القتال على الأرض.
ويأتي قرار الوزير للوهلة الأولى من باب الحرص على حياة الجندي التركي من عدويه الكردي و «الداعشي»، ولكن، عندما نسمع جندياً في الجيش الحر يقول أثناء طرد جنود أميركيين من بلدة الراعي: نحن مسلمون لا نريد التعاون مع كفّار، نتأكد أن أمثال هذا الجندي سيشكلون خطراً على عسكريين أتراك يحالفونهم، فالجيش في تركيا وطني وليس دينياً، حتى الآن، وهو بالتالي يضم جنوداً علويين قد يتعرضون للقتل بأيدي «جهاديين» ضد «الحكم النصيري» لا ضد ديكتاتورية الأسد، ويريدون لسورية نظاماً إسلامياً مفتوحاً، بعدما أخلت الثورة مكانها لتنظيمات دينية متشددة. واللافت هنا أن قادة هذه التنظيمات لا يشاركون رجب طيب أردوغان اتهامه جماعة فتح الله غولن بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل، إنما يعزونه إلى «العناصر النصيرية» في الجيش التركي.
الدخول العسكري على الأرض هو المرحلة الثالثة من الانخراط التركي في سورية، بعد المرحلة الأولى التي استدعى خلالها بشار الأسد صديقه أردوغان ليملأ الفراغ الناجم عن القطيعة مع المملكة العربية السعودية التي حفظت استقرار سورية السياسي منذ سبعينات القرن الماضي.
هنا دخل التركي من باب الاقتصاد، لكنه فشل في الدخول السياسي لأن الأسد رفض اقتراحاً بحكومة يرأسها قيادي من «الإخوان المسلمين». هكذا خسر النظام سقفاً سعودياً كان يحميه ولم يربح السقف التركي الذي ارتد على دمشق في المرحلة الثانية بإرسال متشددين يدمرون النظام والثورة معاً ويتسيّدون الجبهات.
تركيا بعد روسيا وإيران فوق صفيح سورية الساخن، ولن تجد هذه الدول من يحالفها أو حتى من يحاورها. إنها واقعة في زلزال ثقافي اجتماعي سياسي أمني تتوالى تردداته مدمرة وقاتلة، وليس من تشظّ اجتماعي كحال الحروب الأهلية بل نوع من انكشاف مرعب، كأن يفاجأ السوري بأنه لم يكن موجوداً قط وبالتالي لا معنى لآلامه، أو كأن يكتشف النازح إلى بلاد قريبة أو بعيدة أنه غير متأكد تماماً من وجود وطن اسمه سورية.
تركيا بعد روسيا وإيران ليست دولاً في نظر متشددين ورثوا الثورة السورية، أنها على التوالي: «الإخوان المسلمون» التركمان والمسكوب الأرثوذكس والفرس الشيعة الصفويون. ولن تكون تركيا أفضل حالاً من روسيا «الكافرة» وإيران «الرافضة» لأنها المنافس في الإسلام السياسي، وسوف تخيّر بين المبايعة أو القتل بتهمة الردة.
تحضر سورية في عالم افتراضي تشغله الأخبار، وحيرة المضطرين إلى الإقامة تحت سطوتي النظام المستبد والمسلحين المتشددين، وكتابات من بلاد بعيدة تلهث خلف تحليل سياسي مقنع أو تلجأ إلى الحنين عبر أعمال فنية مكتوبة ومسموعة ومرئية، وهنا تبدو تجمعات النخب السورية في الخارج أشبه بتجمعات الروس البيض في أوروبا وأميركا أوائل القرن الماضي.
لكن سورية الافتراضية لن تشكل بديلاً لوطن لم يستطع أبناؤه الاتفاق على هويته حتى قبل اشتعال حرب أعقبت ثورة قصيرة العمر.
كانت سورية عثمانية الهوى أو إسلامية العقيدة أو عروبيتها أو كل ذلك في وقت واحد، ولم تأبه النخب، حتى قبل متواليات الاستبداد العسكري، ببلورة هوية جامعة قوامها دولة ومواطن. من هنا تسمية «القطر»
لتفادي تسمية «الوطن» والانتفاخ الواهم بأن سورية قلب العروبة النابض تتوحد حولها أطراف العرب. أو أنها مرحلة لاستكمال سورية الكبرى، أو أنها أرض إسلامية شهدت خلافة الفتوحات الكبرى من عاصمتها دمشق. هذه الهويات المفروضة على سوري لم تكتمل مواطنته، أثقلت ظهره ودفعته إلى إحباط لا يستحقه، هو الذي يمتلك كفرد مواصفات حضارية من حيث الإقبال على العمل والقدرة على المبادرة.
السوريون يحترقون حتى التبخر، ومعهم المتدخلون في الحريق السوري. والمصير مرهون بانكشاف بؤس الإسلام السياسي واستعادة الإيمان الإسلامي المنفتح.
*نقلا عن جريدة "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة