"الوفاق الليبية".. حكومة "تفخيخ ونسف" من أين تستمد شرعيتها؟
ترديد اسم "حكومة الوفاق الوطني" يتضمن مغالطات منطقية بفرض أنها حكومة، وأن عليها توافقا، وأنها وطنية.
ليست مصادفة أن يتم ترديد اسم "حكومة الوفاق الوطني" وإطلاقه على كيان يعتمد على المليشيات الإرهابية وقيادات مصنفة على قوائم الإرهاب الدولي ويترأسه "فايز السراج" مصحوبا بصفة "المعترف بها دوليا".
فالأمر يتضمن مغالطات كبرى وشراكا عقلية تم العمل عليها بعناية للإيقاع بالليبيين والمتابعين والمهتمين والفاعلين في حل الأزمة الليبية في فرضيات أنها حكومة (أولا)، ثم أن عليها توافق (ثانيا)، وأنها وطنية (ثالثا)، وعلاوة على كل ذلك أنها (معترف بها دوليا).
تلك المغالطات وبجانبها وساطات دولية اعتبرت هذا الكيان طرفا طبيعيا في معركة بين تيارين مختلفين (بعضها حسن النية) وفي الخلفية قصف المدافع وأزيز الرصاص ودوي المفخخات منح هذا الكيان شرعية بقوة الأمر الواقع على المشهد الليبي وزادته تأزيما وتعقيدا.
ولكن الخبراء القانونيين والدستوريين الليبيين أكدوا لـ"العين الإخبارية" أن لا شرعية لما يطلق عليها حكومة الوفاق بطرابلس، إلا شرعية الأمر الواقع المفروض دوليا.
اتفاق سياسي غير قانوني ولا دستوري
من يفترضون شرعية حكومة الوفاق يستندون في الغالب إلى الاتفاق السياسي بمدينة الصخيرات المغربية باعتبارها السند التشريعي الذي أسس هذه الحكومة، إلا أن الدكتور راقي المسماري أستاذ القانون الدولي بجامعات ليبيا يرى أن هذا الاتفاق نفسه يؤكد عدم شرعية الوفاق.
وقال المسماري في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية": إن توقيع الاتفاق السياسي بتاريخ الـ17 من ديسمبر/كانون الأول من العام 2015، تم بعد مفاوضات ماراثونية طويلة بين رئيس لجنة المفاوضات بمجلس النواب، محمد شعيب، وعضو المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، صالح المخزوم، يثبت عدم شرعية هذا الاتفاق.
وأوضح المسماري أن فكرة المفاوضات كانت تستهدف بالأساس أعضاء مجلس النواب المجتمعين والأعضاء المقاطعين لتوقيع اتفاق سياسي بينهم، في حين أصر المبعوث الأممي حينها برناردينو ليون على ضم مجموعة المؤتمر الوطني المنتهية ولايته بحجة أنهم طرف في الإشكالية بإطلاقهم عملية فجر ليبيا الانقلابية الإرهابية 2014.
يذكر أن مجموعة من المليشيات الإجرامية والجماعات الإرهابية أعلنت عام 2014 عملية انقلابية بالعاصمة طرابلس عرفت بفجر ليبيا، وشاركت في عدة معارك دمر فيها مقدرات الدولة في طرابلس وطردت الحكومة الشرعية "الحكومة المؤقتة" وشكلت حكومة حرب تحت مسمى حكومة الإنقاذ تتضمن العديد من العناصر المتطرفة .
وكشف المسماري عن أن المؤتمر الوطني العام وكذلك مجلس النواب سحبا تكليف ممثليهما صالح المخزوم والنائب محمد شعيب قبل توقيع الاتفاق السياسي بأكثر من أسبوع، ما يجعل العضوين ممثلين لأنفسهما دون الكيانين المنتمين لهما.
وشدد أستاذ القانون بالجامعات الليبية على أن عدم إدخال الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الوطني الانتقالي 3 أغسطس/آب 2011 ينسف أي شرعية مزعومة لحكومة الوفاق ورفض مجلس النواب لذلك بسبب عراقيل قانونية كثيرة، منها احتواء المجلس الرئاسي على شخصيات مسار جدل حول انتماءاتهم، وإهمال شخصيات رمزية بالنسبة لليبيين خاصة القائد العام للجيش الليبي المكلف من مجلس النواب بالتغاضي عن اختيارات المواطنين الليبيين.
فرض حكومة غير شرعية
واتفق السياسي الليبي فرج ياسين المبري المشارك في مفاوضات بروكسل وجنيف بين الجيش الليبي والبرلمان من جهة وبين الانقلابيين من قيادات فجر ليبيا يقول: إن المسؤول عن خلق هذا الكيان غير الشرعي هو المبعوث الأممي السابق برنارد ليون.
وقال المبري في مذكرة أرسلها إلى الأمين العام للأمم المتحدة 2018 اطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها: إن المجلس الرئاسي الذي أفرزه اتفاق الصخيرات برعاية أممية يضم قيادات إخوانية إرهابية حولت ليبيا إلى بؤرة ومركز لتصدير الإرهاب إقليميا ودوليا ومسرح للجريمة وتهريب البشر وسرقة وتهريب النفط وغيره.
وأكد المبري أن ما يعرف بحكومة الوفاق الوطني عملت منذ بداية تكوينها على جلب الإرهابيين الدوليين وتحويل ليبيا إلى حاضنة لهم ودعم وتمويل مليشياتها الإرهابية وتقويتها في مواجهة المؤسسة العسكرية الشرعية.
ويقول المبري في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية": إن مجلس النواب المنتخب أدرك مبكرا انعدام شرعية وخبث نوايا المتطرفين في حكومة الوفاق ولم يمنحها ثقته، ولم تحصل على أي شرعية ليبية على "أي مستوى" في "أي وقت" منذ تشكيلها.
ولخص المبري أوضاع حكومة الوفاق "غير الشرعية" بأن هذا الكيان لا يعدو كونه تشكيلا فرض نفسه بالمفخخات والأحزمة الناسفة".
النواب: الوفاق لم تكن شرعية يوما ما
القضاء الليبي: لا حكومة تعرف بالوفاق في ليبيا
هذه التصريحات التي تأتي في إطار تأكيد انعدام شرعية حكومة الوفاق أعلنتها صراحة العديد من الأحكام القضائية النهائية مثل حكم الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف بنغازي التي أبطلت أعمال الرئاسي، وكذلك حكم الدائرة الإدارية بمحكمة استئناف البيضاء الجبل الأخضر التي أبطلت أعمال حكومة الوفاق.
واعتمد الحكمان على ذات السبب وهو عدم توافر الصفة القانونية لحكومة الوفاق لعدم اعتماد الاتفاق السياسي وتضمينه بالإعلان الدستوري من قبل مجلس النواب طبقا للاتفاق السياسي ذاته الذي اشترط ذلك في مادته الأولى.
وقضت محكمة استئناف البيضاء بالجبل الأخضر على الشرعية المزعومة لما يعرف بحكومة الوفاق، من خلال حكم نهائي صادر عنها بالدعوى الإدارية رقم 116 لسنة 2016 إذ اعتبرت المحكمة أن المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق لا صفة قانونية له حتى يتم رفع الدعاوى ضده على أنه رئاسة حكومة.
إذ قضت المحكمة في الدعوى المرفوعة من رئيس مجلس الوزراء بالحكومة الليبية المؤقتة يختصم فيها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بإنهاء الخصومة لعدم توافر الصفة القانونية لهذه الحكومة.
وشددت المحكمة على أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لم يكن يتمتع بالأهلية إلى أن تراعى الشروط والآليات المحددة بالإعلان الدستوري.
وقد أكدت المحكمة أن المجلس الرئاسي وحكومته بوضعهما غير القانوني الحالي أشبه "بحكومة الأمر الواقع".
حكومة تدافع عن شرعيتها الموهومة بالمفخخات
لا تزال حكومة الوفاق غير الشرعية تدافع عن شرعيتها المزعومة وتحاول صد تقدم الجيش الليبي في محاولته تطهير العاصمة طرابلس من المليشيات الإجرامية والجماعات الإرهابية التي تحتل العاصمة.
ورغم أن الجيش الوطني الليبي يتحرك باتجاه طرابلس مدفوعا بتكليف من مجلس النواب الليبي المنتخب للقضاء على الإرهاب، فإن حكومة السراج غير الشرعية قاومت تقدمهم واستقدمت إرهابيين من دول أخرى ومرتزقة واستعدت دولا داعمة للإرهاب على أبناء الشعب الليبي.
فاستقدمت حكومة السراج إرهابيي جبهة النصرة وصفقات سلاح تركية وإيرانية، التي وصلت إلى ليبيا لتشارك في المعارك عبر موانئ مصراتة وطرابلس الجوية والبحرية، إضافة إلى عشرات المرتزقة الأجانب في قاعدة مصراتة الجوية كطيارين وفنيين يشاركون في قصف المدنيين والأهداف المدنية، والمرتزقة التشادية التي تقاتل في المحاور.
فاعتمدت الحكومة المفروضة دوليا -وفقا للخبراء- على الإرهابيين والمطلوبين دوليا إلى جانب المليشيات التابعة لها لمحاولة صد تقدم الجيش الليبي، وارتكبت في سبيل ذلك عددا من جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية، إضافة إلى التلاعب غير المسبوق بالمال العام الليبي، وقد سبقت "العين الإخبارية" ونشرت هذه التفاصيل بالوثائق.
ومن أبرز الإرهابيين الذين تم رصدهم صلاح بادي زعيم مليشيا الصمود المطلوب أمميا، القيادي البارز بـ"مجلس شورى بنغازي" المتهم بمقتل السفير الأمريكي في بنغازي عام 2012، وأحمد الدباشي قائد مليشيا العمو الضالعة في تجارة البشر وتهريب الوقود، وإبراهيم الجضران المطلوب دوليا لمهاجمة المنشآت النفطية، وعادل الربيعي، وغيرهم.
إلى جانب عشرات من الإرهابيين الذين تم القضاء عليهم وأبرزهم محمد محمود بن دردف المعروف بـ"البابور" المطلوب دوليا في استهداف القنصلية الأمريكية في بنغازي، ومحمد إبراهيم اللافي، ومحمد نوري زكري المحجوبي، وغيرهم، إضافة إلى إرهابيين من دول أخرى.