ليس تفصيلا أن قائد قوة القدس قتلته طائرات أمريكية من بيروت إلى بغداد، ولا يخطر على بال أحد طرح سؤال: ماذا يفعل بين لبنان والعراق؟
هو إعلان تأخر قليلاً، إعلان عن نهاية مرحلة كاملة في منطقة الشرق الأوسط، إعلان عن تحول كبير في الولايات المتحدة وفي الغرب عموماً، تحول يريد أن يختم الجرح الإيراني في الدول العربية، وقد بدأ في مسيرة إعادتها إلى داخل حدودها.
ليس تفصيلاً أن قائد قوة القدس في "الحرس الثوري الإيراني" قتلته طائرات أمريكية في طريقه من بيروت إلى بغداد، ولا يخطر على بال أحد طرح سؤال: ماذا يفعل جنرال إيراني بين لبنان والعراق؟ ماذا يفعل جنرال يقود قوة "القدس" بين بيروت وبغداد؟ ما شأنه بدولتين غير إيرانيتين؟ ما مبرر وجوده؟
الأكيد أن إيران لن تستطيع رد هذا الصاع، فقد تم تسويق اسم قاسم سليماني على أنه رجل إيران الأول، وما يشبه "جيفارا" الفرس، الجاهز لتصدير الثورة الإيرانية ورعاية مناصريها ومرتزقتها هنا وهناك وهنالك. وتحول إلى "أسطورة" الرجل الذي لا يُقهَر.
بات العرب معتادين على ذلك، حتى جنرالات الدول العظمى لا يجرؤون على الوصول إلى هذه الدرجة من العلنية، وإلى إشهار الإمعان في خرق سيادة الدول التي تهيمن بلادهم عليها.
لكن السيطرة الإيرانية لبعض الدول العربية باتت وقحة إلى درجة مخيفة.
منذ إعلان تمتين التحالف العابر للقارّات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية كان واضحاً أن المنطقة تتجه إلى فجر جديد، إلى مرحلة مختلفة تماماً عن سنوات "سيطرة إيران على 4 دول عربية"، حسب تصريحات قادة عسكريين وسياسيين في إيران.
جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واتفق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على تقليم أظافر إيران في دنيا العرب، صحيح أن الاتفاق كلّف دول الخليج أموالاً طائلة، لكنّه، على المدى البعيد، سيعود بأرباح سياسية وعسكرية واقتصادية ومالية أكبر بكثير، إنه زمن خروج إيران من الدول العربية.
لا أحد يقول إن هذا الخروج سيكون سهلاً، ولا أحد ينكر أن مخاضه سيكون متعباً ومكلفاً، لكنه ما عاد مستحيلاً، وبدأنا نشهد أفول الزمن الإيراني في العراق ولبنان، على سبيل المثال خرجت أفواج كبيرة من الشعبين في ثورتين متشابهتين ضدّ "الحكم"، الذي هو إيراني منذ عقد على الأقل.
واليمن ما عاد مسرحاً إيرانياً، وعلى الرغم من أن الحرب بين الموالين لإيران وقوات التحالف العربي لم تصل إلى نقطة حاسمة، إلا أن اليمن تحول من "باحة إيرانية" إلى "فوضى"، إيران ليست الطرف الأقوى فيها.
وبعد ما يشبه "التحالف" بين المليشيات الإيرانية والقوات الأمريكية في مواجهة تنظيم "داعش"، في العراق وسوريا، جاء اغتيال قاسم سليماني كإعلان حاسم على الانتقال إلى مرحلة أخرى، هي مرحلة "تصفية" النفوذ الإيراني في سوريا والعراق.
ستشهر إيران مخالبها كلّها، الأمنية والسياسية والعسكرية والإعلامية، لمنع هذا الانتقال، ولمنع هذا الإعلان من أخذ مداه، لكن ما وقع قد وقع، والرئيس ترامب ليس من النوع الذي يتراجع، ولا من النوع الذي يقبل الهزيمة، خصوصاً أن المواجهة لم تكلفه قرشاً واحداً، ولا جندياً واحداً، حتى الآن.
خصوم إيران يعيشون نشوة قد لا تستمر طويلاً؛ لأن الإيرانيين اعتادوا على ضرب العرب بالعرب، وتحريض المذاهب على بعضها بعضاً، ردا على الولايات المتحدة.
لكن الأكيد أن إيران لن تستطيع رد هذا الصاع، فقد تم تسويق اسم قاسم سليماني على أنه رجل إيران الأول، وما يشبه "جيفارا" الفرس، الجاهز لتصدير الثورة الإيرانية ورعاية مناصريها ومرتزقتها هنا وهناك وهنالك. وتحول إلى "أسطورة" الرجل الذي لا يُقهَر.
لكن الولايات المتحدة تعاملت معه بالطريقة نفسها التي تعاملت بها مع جيفارا، بالنار والبارود.
إنه إعلان تأخر قليلاً، لكنه حظي بالاستعراض الأكثر سطوعاً؛ قتل قاسم سليماني. ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، أكثر دموية، لكنّها تبشر بزمن أقل إيرانية وأكثر عروبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة