الصومال 2018.. تصاعد الأزمات والإخفاقات في عهد فرماجو
بوصول فرماجو إلى الحكم منذ فبراير من عام 2017 تفاقمت الأزمات السياسية والأمنية بشكل غير مسبوق وازدادت تدخلات المحور القطري التركي
واجه الصومال في عام 2018 انفجار وتصاعد الأزمات والإخفاقات في جميع المجالات خاصة الأمنية، وتفاقمت الأزمات السياسية إلى أن وصلت الأزمة بين الفرقاء الصوماليين إلى حد القطيعة السياسية.
- تقرير دولي: حكومة فرماجو زورت انتخابات ولاية جنوب غرب الصومال
- انتفاضة برلمانية ضد فرماجو.. 92 نائبا يطلبون عزله
فلم يكن أسوأ المتشائمين منذ وصول محمد عبدالله فرماجو للحكم في فبراير/شباط 2017 يتوقع أن تزداد عثرة الصومال المنهك بالصراعات الأمنية والقبلية المميتة وتصاعد موجات الإرهاب، خلافاً للتدهور الذي طال جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية.
وأخفق فرماجو في علاج مختلف الملفات الشائكة في الصومال، ووصل الأمر بين الفرقاء إلى وقف التنسيق الذي أعلنه مجلس تنسيق الولايات كحل أخير لقضية التدخلات الرئاسية من مقديشو في الشؤون السياسية والأمنية لبقية الولايات.
وحسب خبراء ومحللين سياسيين في الشأن الصومالي، فإنه مع وصول فرماجو للحكم تفاقمت الأزمات السياسية والأمنية بشكل غير مسبوق، وزادت تدخلات المحور القطري التركي، إضافة إلى صعود عملاء قطر في قيادة المؤسسات العسكرية الأمنية، مما أسهم في تفاقم حدة الاستقطابات السياسية بشكل غير مسبوق.
ويؤكد محللون سياسيون وخبراء استطلعت "العين الإخبارية" آراءهم أن شبح التشرذم وتمزق البلاد يلوح في الأفق، بسبب الانقسامات السياسية في أوساط البرلمان والأحزاب السياسية، خاصة مع تصاعد وتيرة الفساد والنهب لمؤسسات الدولة، وتواصل تمدد حركة الشباب الإرهابية وتنظيم داعش الإرهابي، الذي بات يجد موطئ قدم بسبب حالة السيولة والفراغ الأمني وتفكك الدولة, وعدم وجود جيش قوي قادر على حماية البلاد.
وألمح خبراء سياسيون إلى أن الأوضاع الأمنية ستزداد سوءاً مع اقتراب انسحاب قوة الاتحاد الأفريقي في 2021، إضافة إلى تصاعد حالة الاستقطاب السياسي بين موالين لفرماجو ورئيس مجلس الوزراء حسن علي خيري وسياسته الإقصائية، ومعارضين لمجمل تلك السياسات التي ستسهم حسب رؤيتهم في إضعاف البلاد.
التدخلات القطرية.. بداية الأزمة
لم تكن قطر بمنأى عن الأزمات التي حلت بالصومال في عام 2018، حيث اتضحت بشكل جلي أيادي "تنظيم الحمدين" الخبيثة وتدخلاتها ودعمها للإرهاب في الصومال وعلاقاتها بحركة الشباب الإرهابية، لإيصال فرماجو إلى السلطة عبر مستشاره السابق ونائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات الحالي فهد الياسين، الذي يمثل اليد الفعلية لتنظيم الحمدين في الصومال، إضافة إلى رئيس الوزراء الصومالي حسن خيري.
ودخل الصومال أول أزمة حقيقية بإقالة رئيس البرلمان الصومالي المخضرم محمد عثمان جواري من منصبه كرئيس لمجلس الشعب الصومالي (البرلمان)، بعد خلافات حادة مع رئيس الوزراء حسن خيري.
ويؤكد متابعون ومحللون سياسيون أن موقف فرماجو المنحاز لرئيس وزرائه وتعمده تهميش دور المؤسسة التشريعية، وإضعاف سلطاته بشراء ذمم النواب، ما هو إلا مخطط قطري لإضعاف النظام الفيدرالي للسيطرة على مفاصل الحكم في البلاد.
ويرى المحلل السياسي الصومالي محمد نور سيدو أن قطر تحاول تخريب الوضع السياسي بالصومال عبر زرع حلفائها في الأجهزة السياسية الحساسة وصولاً إلى رئيس البلاد.
وأضاف سيدو، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن قطر قامت ببناء شبكة واسعة من العملاء السياسيين والأمنيين، أبرزهم فهد الياسين تحت ستار تقديم الدعم السياسي تارة وتحت لافتات خيرية وإنسانية تارة أخرى، للتغلغل في الداخل الصومالي لتنفيذ مخططات الدوحة، للضغط على أمن دول الرباعي الداعي لمكافحة الإرهاب من ناحية خليج عدن وبث القلاقل في منطقة القرن الأفريقي.
وأضاف المحلل السياسي أن تركيا بدورها تحاول اتخاذ الصومال كموطئ قدم أيضاً في أفريقيا عبر خلق تحالفات جديدة وتوازنات تحت الذرائع ذاتها, لافتاً إلى أن سياسة قطر والنظام التركي برئاسة أردوغان تحمل الصبغة نفسها وتستخدم مناورات سياسية مفضوحة، لاستخدام الصومال كقاعدة للانطلاق في القرن الأفريقي، وخلق مزيد من الأزمات.
بدوره أكد الأكاديمي السوداني المتخصص في شؤون القرن الأفريقي الأنور محمد عبدالله أن التحركات القطرية في الصومال عمدت لإيصال المتطرفين والإرهابيين للسلطة، من أجل تنفيذ أهداف وأجندة تنظيم الحمدين وتخريب المؤسسات الصومالية، مثل الأجهزة الأمنية الشرطة والجيش والقضاء وزرعها بالإرهابيين.
ويرى عبدالله أن من يدفع ثمن تلك المؤامرات القطرية هو الشعب الصومالي، واعتبرها خصماً على أولويات البلاد في تحقيق الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية.
وأضاف أن قطر تريد خلخلة المنطقة باستخدام عملائها من المتطرفين الموجودين في الصومال بأموالها, والالتفاف على مبادرات السلام والاستقرار في القرن كجزء من سياستها الاستراتيجية، وهي مد الأذرع الإرهابية وتقويض السلم والأمن.
وأوضح الأكاديمي السوداني أن هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية أسهمت في إيصال عملاء قطر إلى السلطة في ظل قيادة فرماجو الضعيفة, مؤكداً أن عام 2018 هو عام الأزمات للصومال، بسبب رضوخ فرماجو للإملاءات القطرية، وتنصله من الالتزامات السياسة التي قطعها بتحقيق الأمن والاستقرار، وهي الوعود التي أعلنها في خطاب ترشحه وعقب وصوله للحكم في 2017.
2018.. فشل في مكافحة الإرهاب
في تحول درامي في الأزمة الصومالية، فضحت تقارير متعددة شبكة العلاقات الخفية بين حكومة فرماجو وحركة الشباب الإرهابية، كاشفة عن وجود تنسيق بين قيادات عليا في الأجهزة الأمنية الرسمية مع قيادات حركة الشباب، تضمنت بيع أسلحة للحركة الإرهابية.
وأكدت تلك التقارير علم كثير من المسؤولين بتاريخ هجمات حركة الشباب ومكان الاستهداف.
وحسب خبراء أمنيين فإن وتيرة هجمات حركة الشباب تصاعدت خصيصاً مع وصول فرماجو، حيث زادت شدة هجماتها على المدن والمؤسسات الحكومية وأماكن التجمعات بضراوة.
واعترفت تقارير رسمية أمريكية بصعوبة القضاء على الحركة الإرهابية قائلة "رغم كل هذه المجهودات فإن حركة الشباب لا تزال قادرة على الضرب بقوة في أماكن عدة داخل العاصمة، وفي وسط البلاد وجنوبها".
وقالت مؤسسة "كنترول ريسكس" الأمريكية، المختصة في شؤون الحركات الإرهابية والمخاطر الأمنية حول العالم، إن حركة الشباب نفذت أكثر من 879 هجوماً في كل أنحاء الصومال، منها 216 هجوماً في العاصمة مقديشو وحدها.
يوضح الخبير الأمني في شؤون القرن الأفريقي سليمان محمد عبدالله أن تصاعد هجمات حركة الشباب يؤكد تلقيها دعماً داخلياً وخارجياً وحصولها على معلومات استخباراتية قوية.
وأضاف في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الحركة باتت تسيطر على المشهد الأمني، بفعل تمكنها من زرع عملائها داخل الأجهزة الأمنية الرسمية.
وأوضح أن هذا الوضع سيفاقم من احتمالات انهيار الصومال أمنياً وتحوله لبؤرة تجميع الإرهابيين، وهو ما يقود إلى زعزعة الأمن في منطقة القرن الأفريقي.
وتابع "حركة الشباب أصبحت تتحرك بسهولة داخل النسيج القبلي المرتبط مع دول عدة، مثل كينيا وإثيوبيا, في حين تمثل الحكومة الصومالية الحالية بقيادة فرماجو أرضية خصبة لتنفيذ أجندة المتطرفين الموالين لقطر حتى باتت عاجزة عن مواجهة إرهاب حركة الشباب، بسبب الارتباطات العضوية وتغلغل أصحاب التوجهات الداعمة للإرهاب والنظام القطري الممول للإرهاب في مفاصل الأجهزة الأمنية".
وقال الخبير السياسي إن فشل فرماجو في حماية أرواح الصوماليين وممتلكاتهم يعود لاستسلامه لأجندة قطر والإخوان، وانحيازه لمصالحهما الآنية في الصومال.
تعطيل التنمية.. أبرز إنجازات فرماجو
يرى متابعون للشأن الصومالي أن انجرار الصومال خلف محور قطر الإرهابي قاد إلى تعطيل مشاريع التنمية الاقتصادية، ومجهودات تدريب القوات المسلحة والأجهزة الشرطية، كما عطل تطوير خدمات الموانئ التي كانت تؤهل لتحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد.
أقدمت حكومة فرماجو بتحريض من مستشاره فهد الياسين (ذراع تنظيم الحمدين في الصومال) في مارس/آذار الماضي على إلغاء الشراكة الثلاثية بين شركة موانئ دبي وإثيوبيا والصومال، بتشغيل ميناء بربرة من جانب واحد.
كما قامت حكومة فرماجو في خطوة إرهابية بالاستيلاء على طائرة إماراتية تحمل 10 ملايين دولار، هي رواتب الجنود الذين تشرف على تدريبهم وتأهيلهم الإمارات في مقديشو وإقليم بونتلاند.
وأكد الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية الصومالي حسن شيخ عبدي لـ"العين الإخبارية" أن الصومال افتعل الأزمة مع الإمارات بتحريض من قطر.
وأوضح أن الأمر لا بد أن يثير التساؤلات حول حقيقة الأطراف الفعلية التي تقف وراء قرارات فرماجو، بالتنكر للدعم الإماراتي الإنساني والأمني المستمر للصومال لعقود.
وأضاف عبدي أن حملة تحريض واسعة ينخرط فيها مسؤولون صوماليون تم تجنيدهم وتصعيدهم للأجهزة الحساسة بالبلاد، تم دفعهم لاتخاذ مواقف معادية للإمارات والسعودية.
وأضاف أن التغلغل القطري وتمدد الإرهابيين في المؤسسات الصومالية يوضح حقيقة المواقف الأخيرة، ويفسر بطبيعة الحال تمدد حركة الشباب الإرهابية في نطاق واسع في الأقاليم الصومالية.
وقال الخبير الصومالي إنه لم يعد خافياً الارتباط العضوي بين حركة الشباب وأعضاء حكومة فرماجو، الذين يتعاونون مع الحركة الإرهابية بشكل وثيق، ويقومون بمدها بالمعلومات الحساسة عن الوضع الأمني.
واعتبر أن كل تلك المواقف تتم بالتنسيق مع أجهزة مخابرات تنظيم الحمدين، لتحويل الصومال إلى دولة راعية للإرهاب، وتمكين المتطرفين من حكم البلاد لنشر الإرهاب في أفريقيا، وزعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.
واعتبر عبدي أن عام 2018 شهد أسوأ موجات تقويض الدستور الفيدرالي وخرق الاتفاقات بخصوص علاقة السلطات المركزية مع باقي الأقاليم، والتدخل في عمل السلطات القضائية وتخريبها وإفسادها والتدخل في شؤون الولايات، وتعيين عملاء لقطر وإرهابيين في قيادة الجيش والشرطة، وهو يعد سابقة خطيرة في تجاوز الدستور والقانون وتقويض أدوار المؤسسات التي يحتكم عليها الشعب.
الإقصاء وانتفاضة الأقاليم
في خطوة مريبة تمثل ذروة التدخلات القطرية في الشؤون الصومالية، قام الرئيس محمد عبدالله فرماجو في أغسطس/آب الماضي بتعيين فهد الياسين الإرهابي المعروف بولائه لتنظيم الحمدين الحاكم في قطر، في منصب نائب رئيس جهاز الاستخبارات القومي، وإقالة النائب السابق عبدالله عبدالله من منصبه وتجريده من رتبته العسكرية.
وكشف عبدالله عبدالله في وقت لاحق في وثيقة رسمية ارتباط مسؤولين رفيعين في حكومة فرماجو بالتعاون مع حركة الشباب الإرهابية والتخطيط لتغيير رؤساء الأقاليم المناوئين لفرماجو، والتدخل بتعيين أفراد تابعين لمقديشو في الأجهزة الأمنية.
في سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد تصاعد الخلافات بين قادة الولايات وحكومة فرماجو بسبب سياسته الإقصائية واتخاذه قرارات عليا بدون التشاور مع الأجهزة التشريعية، اتخذ مجلس تعاون الولايات الإقليمي قراراً بإيقاف التنسيق مع حكومة فرماجو، وإعلان فشل فرماجو وحكومته في إدارة البلاد وحل الأزمة المالية، وتسليم البلاد لحركة الشباب الإرهابية.
ويقول مراقبون إن سبب الأزمة الحقيقية يعود إلى انفراد فرماجو باتخاذ قرارات مصيرية، وممارسة سياسات إقصائية، همشت دور الدستور والأجهزة التشريعية في اتخاذ القرار.
وحسب المحلل السياسي الصومالي عبدالرازق حسين جوهري فإن عام 2018 هو عام الفشل، حيث لم يتمكن فرماجو من إدارة جميع الملفات السياسية والأمنية بكفاءة، بل أدخل البلاد في أزمات سياسية متعددة.
وقال جوهري إن فرماجو فشل في محاربة الفساد المالي ومحاسبة المسؤولين الذين طالتهم الاتهامات، بل قام بحل اللجان المالية التي كشفت عن فساد مسؤولين بارزين.
وأضاف أن الملفات الأمنية أوكل فرماجو التعامل معها إلى مجموعات إخوانية متطرفة، تحمل أجندة خاصة موالية لتنظيم الحمدين، تريد أن تجعل الصومال حديقة إرهابية لقوى الشر مثل قطر.
وتابع "الأوضاع الأمنية بالصومال في عام 2018 أكثر هشاشة من ذي قبل، كما ازدادت التهديدات الأمنية للمواطنين في المدن وعمليات القتل والخطف وتفجير السيارات المفخخة والاعتداء على مقرات الحكومة".
واختتم جوهري بالقول إن مغادرة قوات الاتحاد الأفريقي للبلاد المنتظرة في 2021 ستزيد من تفاقم سوء الأوضاع الأمنية بالنسبة للمواطنين، بسبب ضعف قدرة الجيش الصومالي على حفظ الأمن، وتصاعد قوة حركة الشباب الإرهابية بفضل الدعم القطري.
وتوقع المحلل الصومالي عودة التسليح القبلي، معللاً ذلك بغياب الأمن وضعف قدرة الدولة الصومالية على فرض هيبتها.. فماذا سيحمل عام 2019 للصومال في ظل متوالية الفشل السياسي والأمني لحكومة فرماجو؟