التكيّف في الصومال.. خطوة أرحم من لعنة الطبيعة
"كل ما كان بإمكاننا القيام به هو إجلاء أطفالنا وإنقاذهم. لم نأخذ أيا من أغراضنا"، هكذا يصف إيمان بدال عمر، آثار الفيضان.
"إيمان" هو أحد السكان المحليين في بلدوين الصومالية الذي أصاب الفيضان مدينته مخلفا فوضى عارمة، وليس تداعيات تغير المناخ منها ببعيد.
قبل الفيضان بشهرين في مارس/آذار المنصرم دعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" في تقرير لها إلى إجراءات تحويلية تهدف إلى تحسين الأمن الغذائي وأمن المياه بصورة مستدامة في الصومال.
كما دعت المنظمة إلى الحد من ضعف السكان أمام الصدمات وحالات الإجهاد وتحسين قدرتهم على التكيّف مع تغير المناخ.
ويقول جابر عبد الله حسين ، باحث المناخ في وزارة البيئة الصومالية، إنه "لو كان هناك أموال للتواصل قبل الكارثة، فلربما كان المزارعون والرعاة الذين يشكلون غالبية القوى العاملة في الصومال قادرين على الاستعداد للجفاف".
ويضيف حسين: "كان بإمكانهم زراعة محاصيل أساسية أكثر مقاومة للجفاف أو بيع قطعان ماشيتهم قبل أن تبدأ الحيوانات في الجوع".
ما بين الجفاف القاسي الذي يقود للمجاعة، وفيضانات تقود السكان إلى النزوح والهروب من منازلهم لمناطق وبلدات أخرى ليست افضل حالا، تأتي الدعوات الدولية لإنقاذ الصومال ومساعدته على التكيف مع تداعيات تغير المناخ.
الإنقاذ والإجراءات الاستباقية
في أجزاء أخرى من العالم، جربت منظمات الإغاثة ما يسمى بـ "الإجراءات الاستباقية" ، وكانت النتائج مشجعة.
ففي 2022 أرسلت منظمة "GiveDet" غير الربحية مدفوعات نقدية إلى السكان المعرضين للفيضانات في موزمبيق قبل وقوع إعصار كبير مباشرة، ووجدت أن المستفيدين استخدموا الأموال في ضروريات البقاء على قيد الحياة ، وتخزين الطعام وتعزيز دفاعات منازلهم أو دفع تكاليف النقل للإخلاء.
وحقق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة نتائج مشجعة بالمثل من خلال تقديم مدفوعات نقدية مسبقة لسكان بنغلاديش قبل أربعة أيام من حدوث فيضان شديد.
كانت الصومال على حافة المجاعة خلال الأشهر الأخيرة بسبب موجة الجفاف غير المسبوقة الناجمة عن خمسة مواسم متتالية من الأمطار الشحيحة، في بلد يعاني من الصراع السياسي والأمني والقدرة المحدودة على الوصول إلى المياه وخدمات الصرف الصحي والخدمات الصحية.
وعقب موجة جفاف قياسية نزح حوالى 200 ألف شخص بسبب كارثة فيضانات في مدينة بلدوين وسط الصومال، منتصف مايو/آيار الماضي، وأصبحت الصومال الضعيفة تختطفها موجات من الجفاف أو فيضانات لا يستطيع السكان مواجهتها، ويبدو أن تلك الحدية في المناخ ما بين جفاف وأمطار غير مسبوقة، أحد تداعيات تغير المناخ.
وخلافا للجفاف، تساهم الفيضانات في انتشار الجراد الصحراوي الذي يتسبب في تلف المحاصيل.
وتعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع الحكومة الصومالية والشركاء الآخرين لتعزيز قدرة المجتمعات من أجل تحمل الصدمات المتعلقة بالمناخ بشكل أفضل عند حدوثها.
دعم مستدام
يستلزم دعم التكيف مع تغير المناخ في الصومال إيجاد طرق تمكّن الصوماليين من تكثيف عملهم باستخدام قدر أقلّ من الموارد، في خضمّ تزاحم الأولويات على المستوى العالمي وتزايد وتيرة الصدمات المناخية.
ولمواجهة مواسم متتالية من الجفاف فإن الصومال الذي يعاني من أوضاع عنف في بعض مناطقه ومواجهات بين الجيش والتنظيمات الإرهابية يظل بحاجة ماسة إلى النهوض بالاستثمارات والسياسات على نطاق واسع بغية الحد من خطر الكوارث وبناء القدرة على الصمود.
الموقف يزداد سوءًا بسبب الظروف المناخية الشديدة القسوة الناجمة عن تغير المناخ، وعدم الاستقرار السياسي، والتوترات العرقية، وانعدام الأمن، وهي عوامل تفاقِم شواغل الصحة العامة والتغذية.
خطوات وجهود دولية لكنها ليست بكافية لمواجهة الأوضاع المناخية في الصومال، ففي 2020 عينت الأمم المتحدة كريستوف هودر، مستشار المناخ والأمن، في بعثة حفظ السلام الصومالية، في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم.
وتمثل دور هودر في جعل تحليل النزاعات والأنشطة أكثر "ذكاءً من الناحية المناخية" مع ضمان أن تكون طرق التعاطي مع تغير المناخ أكثر مراعاة لظروف النزاعات.
وقال هودر إن مثل هذه الأساليب تتطلب إجراءات وحلول طويلة المدى بينما "يركز الجميع على إجراءات قصيرة المدى".
وتشمل برامج التكيف مع تغير المناخ برامج كسب العيش والتعليم، والرصد والاستجابة المبكرة وتوفير التمويل لتجنب تداعيات تغير المناخ نقل الأشخاص من الفئات الضعيفة من مخيمات النازحين داخلياً والمعرضة لخطر الفيضانات إلى موقع آمن يتم تزويدهم فيه بمأوى انتقالي.
وتنطبق ديناميكية المواجهة الاستباقية والتكيف على تمويل التكيف الموجه نحو المستقبل ، والذي يمكن أن يساعد في جعل سبل العيش مثل الزراعة والثروة الحيوانية أكثر مرونة في مواجهة تغير المناخ.
ويمكن أن تساعد مرافق تخزين المياه الجديدة الرعاة على ضمان عدم موت قطعانهم بسبب الجفاف.
وأدت مبادرة للأمم المتحدة في الصومال عام 2015 إلى بناء "سد رملي" جديد يحبس المياه العذبة ويخزنها تحت طبقات من الرمال ، مما يضمن عدم اضطرار المزارعين إلى الاعتماد على الأمطار غير المنتظمة.
لكن أفريقيا بشكل عام لم تتلق سوى 4 في المائة من تمويل التكيف مع المناخ حتى الآن ، على الرغم من كونها موطنًا لما يقرب من خمس سكان العالم.
ووجد تقرير حديث للأمم المتحدة أن الإنفاق على التكيف في البلدان النامية يتراوح بين 10 و 20 في المائة من الاحتياجات الحالية.
مأزق الصومال
تقول وزارة البيئة الصومالية إن المجتمعات المحلية ، لا تعرف في الواقع أن الجفاف قادم وهم يحصلون على المعلومات المطلوبة حول متى وكيف وأين وماذا يزرعون بسبب عدم وجود تمويل وبرامج كافية، وفجأة تبين أن المطر لا يأتي، والمزارعون يفقدون محاصيلهم وكل شيء.
الحكومة الوطنية الصومالية ليس لديها القدرة على تحذير الرعاة في جميع أنحاء البلاد من احتمال فشل موسم الأمطار؛ و إذا كانت الحكومة قد تلقت مساعدة من منظمات خارجية ، فربما قد تكون قادرة على منع العديد من الوفيات.
وجدت دراسة حديثة من منظمة الأرصاد الجوية (World Weather Attribution) أن تغير المناخ زاد من احتمالية حدوث الجفاف 100 مرة.
وتأرجحت منطقة القرن الأفريقي خاصة في الصومال وإثيوبيا وكينيا بين الفترتين الرطبة والجافة ، لكن درجات الحرارة المرتفعة زادت مما يسميه العلماء "الطلب التبخيري" فوق الصحراء ، مما تسبب في اختفاء الرطوبة بشكل أسرع من أي وقت مضى وجعل كل جفاف أكثر حدة نتيجة لذلك.
ووجد الباحثون أن نمط المطر الحالي "لم يكن ليؤدي إلى الجفاف على الإطلاق" في عالم ما قبل الصناعة.
وفي مواجهة هذا المناخ فإن المساعدات الدولية التي غالبا ما تصل متأخرة لهذا البلد الأفريقي لا تجعل من الناحية العملية المنطقة أكثر قدرة على مقاومة الصدمات المناخية في المستقبل.
ويمكن القول إن المانحين الدوليين لم يفلحوا في توفير الأموال لتطوير البنية التحتية والتكيف مع المناخ ، مما ساعد على ضمان بقاء المنطقة عرضة للجفاف الحالي.
ويقول الخبراء إن الأزمة في القرن الأفريقي تسلط الضوء على الحاجة إلى نقلة نوعية في نظام المساعدات الإنسانية ، الذي تم بناؤه لمعالجة الكوارث المفاجئة والنادرة. الآن.
الكوارث قصيرة العمر مثل الأعاصير وحرائق الغابات تحدث في كثير من الأحيان ، كما يتسبب تغير المناخ أيضًا في حدوث أزمات بطيئة الظهور مثل الجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر. هذا يعني أن أفضل طريقة للحماية من التأثيرات المناخية هي إنفاق الأموال قبل حدوثها.
صندوق مواجهة الكوارث
على الرغم من أن تغير المناخ جعل التنبؤ بالكارثة أسهل بكثير ، إلا أن الجهات المانحة للمساعدات الإنسانية لم تلتفت إلى تحذيراتها. مع تفشي الجفاف ، سارعت الدول الغنية ومنظمات الإغاثة لإيصال الإمدادات.
وشحنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ، أو USAID ، أكثر من مليار دولار من المواد الغذائية العام الماضي ، وحشدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ، أو الفاو ، حوالي 138 مليون دولار من النقد والغذاء.
وأعلن مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في نيويورك عقد 24 مايو/آيار المنصرم الأربعاء عن تعهدات بقيمة 2,4 مليار دولار لتقديم مساعدة منقذة للأرواح لملايين الأشخاص الذي يعانون من الجفاف في أنحاء إثيوبيا وكينيا والصومال.
المبلغ أقل بكثير من سبعة مليارات دولار تقول الامم المتحدة إن منطقة القرن الأفريقي بحاجة ماسة لها، غير أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) قال في بيان "تم تفادي مجاعة".
ويأمل الكثيرون في كسر مأزق التمويل عبر إنشاء صندوق يعالج ما يسميه المفاوضون "الخسائر والأضرار" من تغير المناخ الذي اتفقت عليه الدول خلال مؤتمر الأطراف بشرم الشيخ في مصر العام الماضي cop27.
ويعد الصندوق في الأساس بداية لبرنامج تعويضات المناخ ، حيث من المفترض أن ترسل الدول المتقدمة التي أصدرت معظم انبعاثات الكربون التاريخية نوعًا من التمويل إلى البلدان الأكثر فقراً الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ.
من الناحية النظرية ، يجب أن تكون دول مثل الصومال من بين أكبر المستفيدين من صندوق "الخسائر والأضرار" هذا، ولكن هناك القليل من التفاصيل حول نوع المساعدة التي ستقدمها الدول الغنية ، وفقًا لسوينجا سورمينسكي ، الأستاذة في كلية لندن للاقتصاد. الذي يدرس تمويل التكيف مع المناخ.
وسوف تتطلب الاستجابة لتأثيرات تغير المناخ أيضًا أن تعيد البلدان المتقدمة التفكير في المساعدة التي تقدمها بالفعل. على مدى عقود، ميزت المنظمات متعددة الأطراف بين المساعدات "الإنسانية" للكوارث ومساعدات "التنمية" المصممة للمساعدة في انتشال البلدان من الفقر - وهو تمييز يعكس تمايز مفاوضي المناخ بين تعويض الخسائر والأضرار وتمويل التكيف.
وأظهرت الوتيرة المتصاعدة لأزمة المناخ في بلدان مثل الصومال أن النظامين ليسا منفصلين، وأن تمويل التنمية طويل الأجل ضروري لمنع آثار الكوارث الشديدة مثل الجفاف.
تخضير الصومال
من المبادرات الجديرة بالإشادة التي يشهدها الصومال مبادرة "تخضير الصومال" بتمويل من مرفق البيئة العالمي ودعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تساهم الإجراءات المناخية القائمة على الطبيعة في بناء مستقبل قادر على مواجهة تغير المناخ لشعب بونت لاند.
وتعمل السدود التي أقامتها الحكومة بدعم وتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومرفق البيئة العالمي على توفير المياه لرعاة الإبل والمجتمعات المحلية في الأوقات التي يكونون في أمس الحاجة إليها
وتتعرض منطقة شاكسدا في بونت لاند على نحو خاص لموجات من الجفاف، حيث يشكل رعاة الإبل والمزارعين القوام الأساسي لسكان قرى المنطقة الذين يعتمدون بشكل كامل على المراعي ويكافحون من أجل الحصول على مياه الشرب النظيفة لمواشيهم ولمجتمعاتهم.
منذ العام 2013، وفرت مشاريع البنية التحتية للمياه التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي المياه لأكثر من 55000 أسرة في جميع أنحاء الصومال.
ويعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كذلك مع الحكومة لتحسين السياسات وتدريب المسؤولين بحيث يتم الحفاظ على هذه الموارد الثمينة بشكل أفضل في السنوات المقبلة.
يساعد مشروع "تخضير الصومال" رعاة الإبل في بونتلاند على حماية أراضيهم وماشيتهم من تآكل التربة والفيضانات المفاجئة
وقام المشروع ببناء حواجز حجرية تساعد على وقف تعرية التربة وتثبيت الأرض عن طريق حفظ التربة في مكانها.
تلك الحواجز التي تم مدها الآن في أكثر من عشرين موقعًا، ساهمت في استعادة النظام البيئي وإعادة التحريج، إذ تمكن النباتات والأشجار الجديدة من تنمو وتوفر لها الحماية
ويؤكد المشروع على إشراك المجتمعات بشكل مباشر في التخطيط والتنفيذ والرصد.