«شيخ محمود» في أديس أبابا.. محاولة لإعادة ضبط العلاقات بالقرن الأفريقي

في خضم توترات سياسية داخلية أجرى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود زيارة إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيث التقى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في مباحثات وُصفت بأنها استراتيجية ومباشرة.
الزيارة تأتي بعد أسبوع من اختتام المرحلة الأولى لمحادثات كيسمايو بين الحكومة الفيدرالية وإدارة ولاية غوبالاند، التي انتهت دون اتفاق نهائي رغم إرادة مشتركة لكسر الجمود وإعادة ضبط العلاقة بين المركز والولاية وحل الخلاف حول الانتخابات الجديدة.
وتعكس اللقاءات التي عقدها شيخ محمود في أديس أبابا سعي مقديشو إلى تعزيز التعاون الثنائي مع إثيوبيا ودعم الحوار الداخلي مع غوبالاند، بالاستفادة من النفوذ الإقليمي لأديس أبابا في تهيئة أجواء سياسية مواتية لتجاوز الخلافات وضمان مشاركة جميع الأطراف، بما فيها قيادة ولاية غوبالاند.
ورغم الطابع الهادئ للزيارة، فإن توقيتها وسياقها الإقليمي يعكسان تحولات استراتيجية ومحاولة مشتركة لإعادة ضبط العلاقات مع أثيوبيا.
الباحث والمحلل السياسي بالقرن الأفريقي، آدم جبريل، قال لـ"العين الإخبارية" إن زيارة الرئيس حسن شيخ محمود لأديس أبابا، تعكس محاولته الاستفادة من النفوذ الإثيوبي التقليدي داخل بعض التكوينات السياسية والقبلية في الجنوب الصومالي خاصة غوبالاند.
وأضاف أنه "لطالما امتلكت أديس أبابا قدرة على التأثير في ديناميات الحوار بين الحكومة الفيدرالية وقيادة غوبالاند، ونظرا إلى علاقاتها الممتدة مع نخب محلية ومجموعات أمنية فإن دورها سيكون مهما في المرحلة الحالية التي يمر بها الصومال".
وأضاف أن الدور الأثيوبي كان قد تراجع في الأعوام الأخيرة بعد توتر العلاقات مع مقديشو بسبب إبرام أديس أبابا لاتفاق مع أرض الصومال تحصل بموجبه على منفذ بحري وهو ما اعتبرته مقديشو انتهاكا لسيادة ووحدة الصومال، ما أتاح لبروز نيروبي كلاعب مواز، مستفيدة من تقاربها مع رئيس غوبالاند أحمد مدوبي، ودعمها المتواصل لعمليات الأمن الحدودي ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي.
واعتبر أن "زيارة الرئيس شيخ محمود أديس أبابا تمثل محاولة لإعادة التوازن بين الدورين الكيني والإثيوبي في المشهد الصومالي، خاصة أن كليهما يسعى لتأمين حدوده وضمان عدم تحول الصومال إلى ساحة نفوذ متبادل أو إلى مصدر تهديد مباشر للأمن والاستقرار في المنطقة".
بدوره عدّ المحلل السياسي بشؤون شرق أفريقيا، سلمون يوهانس، أن مقديشو تحاول الاستفادة من التنافس الإيجابي بين أديس أبابا ونيروبي لتوسيع هامش المناورة، وتحقيق مكاسب في ملف الحوار الداخلي مع الولايات الفيدرالية.
وقال يوهانس لـ"العين الإخبارية"، إنه "من جهة، أخرى تظهر الزيارة رغبة صومالية في طي صفحة التوتر مع إثيوبيا، وإعادة توظيف علاقتها بها في خدمة المصالحة الداخلية".
وأضاف أنه "بالتالي فإن دور إثيوبيا في الخلاف الحالي بين حسن شيخ محمود وأحمد محمد مدوبي سيكون مؤثرا وربما سيدفع إلى استئناف الحوار مجدد بهدف الوصول إلى توافقات حول القضايا الخلافية بينهما".
واعتبر أن "أديس أبابا تدرك أن استقرار الجنوب الصومالي، لا سيما غوبالاند وغدو وجوبا السفلى، يمثل امتدادا مباشرا لأمنها الحدودي، وبالتالي فهي حريصة على دعم أي ترتيبات حكومية في مقديشو تُسهم في ضبط الأوضاع هناك ".
وكانت المحادثات التي جرت بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس ولاية غوبالاند أحمد محمد مدوبي في كيسمايو الأسبوع الماضي قد تعثرت بسبب خلافات حول نية إعادة الحكومة الفيدرالية تنظيم انتخابات جديدة في الولاية، مع تأكيد مشاركة جميع الناخبين والمرشحين، بمن فيهم مدوبي نفسه.
وفي المقابل، تمسك رئيس غوبالاند، بشرعية الانتخابات التي أجراها البرلمان الإقليمي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، مشددا على أن أي محاولة لإلغائها يجب أن تراعي الشرعية الدستورية للولاية ومصالحها.
وشهدت المحادثات، بحسب مصادر مطلعة، حضور وسطاء من أجهزة المخابرات الكينية والإثيوبية، الذين لعبوا دورا مهما في فتح قنوات تواصل وتخفيف حدة التوتر بين الطرفين.
ورغم أن المحادثات لم تسفر عن اتفاق نهائي، يرى مراقبون أن التعثر الحالي يمكن اعتباره فرصة لكسر الجمود وتحديد الأسس لإعادة التوازن بين المركز والأقاليم، مما يمهد الطريق لجولات قادمة أكثر فاعلية وبناءً على تفاهم مشترك.