كيف تدعم قطر الإرهاب في الصومال؟
تعتمد قطر في تنفيذ مخططاتها بالصومال على أدوات عديدة، مثل تجنيد العملاء وإيصالهم لمراكز السلطة، ودعم التنظيمات الإرهابية.
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مضمون محادثة هاتفية مسربة، جمعت بين السفير القطري بالصومال، وضابط مخابرات قطري، يتخفى في دور رجل أعمال، تفيد بتورط قطر في التفجيرات التي ضربت ميناء بوصاصو الصومالي في 18 مايو/أيار الماضي، الأمر الذي يؤكد حقيقة الدور القطري المزدوج في هذه الدولة المنكوبة بالصراع منذ العام 1991.
كانت قطر قد تنبهت إلى أهمية موقع الصومال بإقليم القرن الأفريقي، وإمكانية اتخاذه كقاعدة للانطلاق لتنفيذ مخططاتها في الإقليم، مستغلة هشاشة الدولة، وضعف قياداتها، وحاجة الصوماليين للمساعدات الخارجية، حيث تتحرك قطر انطلاقاً من دوافع عدة أهمها، التخلص من عقدة الدولة الصغيرة، والانتقام من خصومها السياسيين، ودعم مخططات حلفائها الدوليين والإقليميين، وتعويض الإخفاق الذي منيت بها سياستها الخارجية على المستويين الخليجي والشرق أوسطي، وتعظيم فرص التجارة والاستثمار، بغية السيطرة على ثروات الصومال، وإعادة توجيهها لخدمة أجندتها السياسية.
أدوات قطرية مشبوهة
تعتمد قطر في تنفيذ مخططاتها بالصومال على أدوات عديدة، بداية من تبادل التمثيل الدبلوماسي، مروراً بتجنيد العملاء، وإيصالهم لمراكز السلطة، في الحكومة والبرلمان والقوات المسلحة، ودعم التنظيمات ذات التوجهات الإخوانية، وأهمها حركة الإصلاح الإسلامي، وصولاً إلى دعم الحركات الإرهابية المحلية والأجنبية، خاصة جماعة الشباب المجاهدين، المصنفة على اللائحة الأمريكية للتنظيمات الإرهابية منذ مارس/آذار 2008.
وبالرغم من حرص السياسة القطرية على إبراز الدوحة في ثوب ملائكي، كداعم لجهود إعمار الإعمار بالصومال، وكناشط في تقديم خدمات التعليم والرعاية الصحية؛ لكن ممارساتها الفعلية تؤكد أنها تمثل غالباً خصماً من رصيد الاستقرار والأمن والمصالحة الوطنية بالصومال. وقد تجلى ذلك بضلوعها في تفجيرات بوصاصو، والتي لم تستطع قطر أن تتبرأ منها، بعدما فضحتها التسريبات الهاتفية، مثلما لم تستطع أن تنفي عن نفسها تهم ممارسة الأنشطة التخريبية والهدامة، في العديد من الدول العربية، وهو ما يؤكد أن الدوحة قد تحولت إلى مخلب لضرب المصالح العربية، بما يفسر التظاهرات الشعبية التي خرجت ضدها في ربوع العالم العربي، ويبرر استمرار مقاطعتها وعزلها عن التفاعلات السياسية في محيطها الخليجي والعربي.
اختار العملاء القطريون موقع التفجير بعناية فائقة، فمدينة بوصاصو، الواقعة بإقليم بونت لاند، بشمال شرق الصومال تعد من أهم الموانئ على خليج عدن، كما أنها تمثل فرصاً واعدة أمام الاستثمارات الإماراتية، حيث تتولى هيئة موانئ دبي العالمية تطوير وإدارة الميناء، لذا سعت قطر من خلال تلك التفجيرات إلى تحقيق ثلاثة أهداف على الأقل هي:
- محاولة يائسة لتهديد الاستثمارات الإماراتية في بوصاصو، وتحويل عقود الاستثمار الجديدة إلى الشركات القطرية، بما يعرقل الاستراتيجية الإماراتية الناجحة، الرامية لتنويع مصادر دخلها القومي.
- الإيقاع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وحكومة مقديشيو، رغم أن الإمارات تأتى في المرتبة الأولى عربياً، قياساً بدورها في دعم جهود لإعادة الإعمار بالصومال، وتدعيم قواتها المسلحة، مالياً وتدريبياً، وتقديم المساعدات الإنسانية، وهو ما يعيد للأذهان الدور القطري في تدبير حادث احتجاز الطائرة الإماراتية بالصومال، ومصادرة الأموال التي كانت على متنها، رغم أنها كانت موجهة لدعم القوات المسلحة الصومالية بمقديشو، وكذا تحريض الدوحة لحكومة جيبوتي ضد شركة موانئ دبي، خلال أزمة ميناء دوارليه للحاويات.
- تهديد الملاحة بخليج عدن ومضيق باب المندب من جانبه الأفريقي، وذلك استكمالاً لدورها المشبوه باليمن، التي تقع على الضفة الآسيوية للمضيق، وقد سبق لقطر بالفعل أن دعمت أحد الفصائل الإرهابية المنشقة عن حركة الشباب المجاهدين، وهو فصيل عبدالقادر مؤمن، الذي يتمركز في "جبال جال جالا" في بونت لاند على خليج عدن، وذلك بعد مبايعته تنظيم داعش، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 تؤطئة للإعلان عن إنشاء فرع جديد للتنظيم باسم "ولاية القرن الأفريقي".
حجج واهية
الجديد في الأمر هو أن الإعلان عن التسريب الهاتفي بشأن تفجيرات بوصاصو لم يأت من دول المقاطعة العربية لقطر، وإنما جاء من صحيفة أمريكية، مقربة من البيت الأبيض، بما يوحي بأن الإدارة الأمريكية تسعى لاستخدام ورقة بوصاصو للضغط على النظام القطري، بما يؤكد خطيئة النظام القطري، الذي يعتمد على الدعم الأمريكي الخارجي كبديل لتآكل شرعيته السياسية الداخلية.
إزاء هذا الموقف، أصرت قطر على نفي تورطها في التفجيرات، مؤكدة أن سياستها الخارجية تركز على دعم الاستقرار والازدهار بجميع دول العالم، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن الصومال تعتبر شريكاً مهماً لقطر، وأن علاقات الدولتين تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وأن رجل الأعمال القطري الذي ورد اسمه بالقضية لا يمثلها، وبالتالي فليس له الحق في إصدار تعليق نيابة عن الحكومة، وأن وصفه لمنفذي التفجيرات بالأصدقاء إنما يأتي في سياق علاقة الصداقة التي تجمع الشعبين القطري والصومالي، كما شددت على أنها سوف تجري تحقيقاً نزيهاً في القضية.
وهنا يبدو أن الإدارة القطرية عندما أكدت أن الحديث الوراد في التسريب الصوتي لم يكن حديثاً رسمياً قد تناست أن السفير القطري بالصومال هو الممثل الرسمي للدوحة، وأنه لم يعرب عن استنكاره لتلك التفجيرات، وأن علاقة الصداقة التي تربط بين المسؤولين القطريين المقربين من حكام الدوحة والعناصر الإرهابية لا يمكن أن تثمر إلا عن أنشطة تخريبية هدامة، وقد سبق اتهام رجل الأعمال القطري الوارد اسمه بالتسريب الصوتي، والذي اصطحبه أمير قطر خلال جولته بإندونيسيا في يونيو/حزيران 2019، بدعم العناصر الإرهابية بليبيا، عبر تحويل الأموال إليهم، من خلال أحد البنوك التي تعمل في تونس.
كما أن رفض قطر لمقاضاة الصحيفة الأمريكية، بدعوى احترام سياستها التحريرية، وعدم التمسك بالحصول على نسخة من التسريب الهاتفي، يؤكد هشاشة هذه الحجج، ورغبتها في إغلاق ملف القضية، خشية وجود أدلة أخرى غير معلنة على التورط القطري في دعم الإرهاب بالصومال، فضلاً عن أن محاولة قطر إلصاق الاتهامات بخصومها السياسيين، خاصة دولة الإمارات، إنما يمثل سعياً بائساً لا يستند إلى منطق أو براهين.
من جانبها، حاولت إدارة الرئيس محمد عبدالله فرماجو أن تحفظ لقطر ماء وجهها، فأصدرت بياناً لتبرئتها، على لسان وزير الخارجية والتعاون الدولي أحمد عيسى عوض، الذي أشاد بدور الدوحة في دعم السلم والاستقرار بالصومال، وعدم تورطها في دعم الإرهاب بها، كما أصدر التحالف الوطني لمنظمات حقوق الإنسان بالصومال (NAHRS) ، وهي مظلة تضم 28 منظمة تعمل بالصومال، بياناً يزعم أن نشر التسريب الصوتي يمثل حلقة ضمن سلسلة الصراع الخليجي على المصالح بالصومال، متجاهلاً ما تضمنه التقرير من اعترافات موثقة، فشلت قطر ذاتها في نفيها.
لكن تلك البيانات الرسمية لم تبدد غضب الشعب الصومالي، الذي لم تستطع الأموال القطرية أن تطوعه أو تؤثر في قناعاته بشأن حقيقة الدور القطري في بلاده؛ إذ يتهم الصوماليون قطر بتوظيف المساعدات الإنسانية كسلاح لدعم الجماعات المؤيدة لسياستها، بالإضافة للهيمنة على نظام فرماجو، ووضعه في موضع الاتهام أمام شعبه، والوقيعة بين الحكومة الصومالية المركزية وحكومات الأقاليم، وذلك بالضغط على الرئيس الصومالي لعزل حكام الأقاليم الرافضين للتدخلات القطرية، وهنا تجدر الإشارة للدور القطري في تمويل العمليات الإرهابية وأحداث العنف بولاية جنوب غرب الصومال، بغية إقصاء حاكمها، وسعيها لعزل أحمد دعالي، حاكم ولاية غلدمج، وأحمد مدوبي حاكم جوبا لاند، عبر التدخل المباشر في العمليات الانتخابية، بما يعرض وحدة واستقرار البلاد للخطر.
في هذا السياق، وجه سعيد عبدالله دني، حاكم ولاية بونت لاند، الاتهام رسمياً لقطر بالمسؤولية عن تفجيرات بوصاصو، وطالبت أحزاب المعارضة الحكومة الصومالية بتعليق العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وعزل القيادات الصومالية الموالية للدوحة، وإجراء تحقيق عادل وشفاف في الواقعة على وجه السرعة، من خلال الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، في ظل الصمت المريب من جانب النظام الصومالي.
وختاماً، فإن الدعم القطري للإرهاب في الصومال وغيرها أضحى أمراً لا يمكن أن تخطئه العيون والعقول، وهو ما يوجب على المجتمع الدولي سرعة التحرك لمواجهة الممارسات القطرية المشبوهة، التي لن تفضي إلا إلى مزيد من الإرهاب والتخريب.
aXA6IDMuMTIuMzYuNDUg جزيرة ام اند امز