صورية قريشي لـ"العين الإخبارية": المجتمع الجزائري همّش الفن التشكيلي
الفنانة التشكيلية الجزائرية صورية قريشي تدعو إلى التوعية بقيمة الفن التشكيلي لدى الأطفال للخروج بأجيال ذواقة للفن
انطلق الفن التشكيلي الجزائري مع استقلال الجزائر، ما يعني أن عمره يقارب 60 عاماً، وضع أسسه المتينة مجموعة من الفنانين التشكيليين ممثلين في الجيل الأول والثاني، كانت لهم اتجاهات مختلفة ومدارس مختلف، من بينها التجريدي والواقعي والمنمنمات وفن الخط والنحت، وغيرها من التقنيات التي أبدع بها الفنانون التشكيليون الجزائريون، حتى مع الأجيال الجديدة.
- بالصور.. معرض لبيع الأوراق النقدية العربية القديمة بالجزائر
- "التراث التصويري".. معرض للوحات مؤسسي الفن التشكيلي الجزائري الحديث
صورية قريشي، فنانة تشكيلية تمثل جيلاً جديداً من الفنانين الجزائريين، الذين اختاروا هذا الفن النبيل، وسطروا طريقهم بالريشة الملونة، معلنين عن عهد جديد للفن التشكيلي الجزائري، برؤى مختلفة، وهدف واحد، وهو تطويره.
تخرجت الفنانة التشكيلية صورية قريشي، في المعهد العالي للفنون الجميلة بالجزائر العاصمة عام 2009، وتعمل اليوم أستاذة مكونة للفنون التشكيلية في معهد إطارات الشباب بمحافظة ورقلة الواقعة جنوب الجزائر.
صورية قريشي جاءت إلى العاصمة الجزائرية لتشارك في معرض لوحات لـ 10 فنانين تشكيليين، هم في الأصل زملاء درسوا وتخرجوا في المعهد العالي للفنون الجميلة، وقرروا الالتقاء من جديد، وجاؤوا بلوحات فنية، للمشاركة في معرض "الهمة".
"العين الإخبارية" التقت الفنانة التشكيلية صورية قريشي، وأجرت معها حواراً عن مشاركتها في المعرض، وواقع الفن التشكيلي في الجزائر، مع مقارنة بين الأجيال المؤسسة للفن التشكيلي الجزائري والأجيال الحالية.
معرض "الهِمَّة"
تقول صورية قريشي عن مشاركتها في هذا المعرض: "أطلقنا تسمية الهمة على هذا المعرض، الذي يضم مجموعة من الفنانين التشكيليين الجزائريين خريجي المعهد العالي للفنون الجميلة، غالبيتهم من دفعة واحدة، وبعد تخرجهم بقي ذلك الحنين، الذي زاده التواصل غير الكافي عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
وتضيف: "لذا قررنا رفع مستوى التواصل بيننا ولو رمزياً من خلال هذا المعرض، وكان لهذه المبادرة ترحيب كبير من قبل زملاء لنا، كل واحد منا شارك من 3 إلى 6 لوحات، ولكل واحد تقنيته الخاصة".
الفرق بين الأجيال الأولى والحالية
تقول قريشي عن الاختلافات بين زملائها ومدارسهم: "نحن نقرأ عن المدارس، لكن عند التطبيق لكل واحد منا ذوقه الخاص، وهناك من يعتمد على كثير من المدارس في لوحاته ولا يقيد أعماله الفنية بمدرسة واحدة".
وأضافت: "في هذا المعرض مثلاً، هناك من يميل إلى الواقعية، ومنهم إلى التجريد، أو الانطباعي، وهناك من يعتمد عليها جميعها، والأهم في أعمال الفن التشكيلي هي بصمة الفنان التي يجب أن يتركها في كل لوحة، حيث إن كل من يشاهدها يعرف صاحبها".
صورية قريشي أقرت أنها "لا تقيد رسوماتها بنوع أو مدرسة واحدة"، وتقول: "أتبع إحساسي في رسوماتي الذي أعبر عنه باللون الذي يلعب دوراً كبيراً في ترجمة الأحاسيس، وهو لغة من لغات الفن التشكيلي، أعتمد كثيراً على تقنية الرسم المائي، أما المواضيع فأرسم عادة الوجوه لكنها وجوه غير محددة لأشخاص أعرفهم، بل ذلك الوجه الذي أراه في ذاكرتي وليس خيالي".
وتابعت قائلة: "أعتمد على تقنية تبقى غير مألوفة عند الكثيرين مثل تقنية الرسم بالقهوة، فهي ليست مادة تشكيلية لكنها تعتبر أسلوباً من أساليب الرسم الحديث، ويمكن أن نقول إن اللوحات المرسومة بالقهوة بمثابة طعم يُنظر إليه".
وعن البعد النظري للقهوة في الرسومات، تقول الفنانة التشكيلية "نترك تلك النكهة للناظر، لذلك الإنسان الذي يتأملها، خاصة بالنسبة لمحبي القهوة أو حب اللون الأسمر، وهذا ما لا نجده عند جميع الناس".
وشاركت الفنانة صورية قريشي في المعرض بأربع لوحات، اثنتين منهما بالقهوة وواحدة بالألوان المائية وأخرى بلغة التجريد.
واقع ومستقبل الفن التشكيلي في الجزائر
عن واقع الفن التشكيلي في الجزائر، تقول صورية قريشي "غالبية الفنانين ما بعد 2009 لا يعتمدون على مدرسة أو نوع واحد في رسوماتهم، ولم يعد الأمر كما كان في بداياته، لكن علينا أن نقول إن الفن التشكيلي في الجزائر لم يعد كما كان، والاهتمام بالفن التشكيلي في الجزائر قل عما كان عليه، والمجتمع هو أول من همشه".
- بالصور.. انطلاق تصوير فيلم عن الشخصية التاريخية الجزائرية أحمد باي
- بالصور.. الفنان الجزائري أحمد طالبي يختصر مراحل التشكيل ببلاده
وعن أسباب ذلك تقول صورية قريشي "يعود ذلك إلى قلة الوعي، في المدارس لا يُدرس الفن التشكيلي كما يجب، لا توجد توعية بقيمة الفن التشكيلي، لهذا ينشأ الطفل جاهلاً لما تعبر عنه اللوحة وماهية الفنان التشكيلي، رغم توفر وسائل جديدة كالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي لم تؤد واجبها كما يجب، فالفن شيء نبيل، حظي باهتمام كبير في الماضي وكان للفنان التشكيلي وزنه في المجتمع، واليوم أصبحت أعمال الفنان التشكيلي من أجل الفرجة لا أكثر".
وتابعت قائلة "حتى الإعلام ساهم في تهميش الفن التشكيلي الجزائري رغم وجود عدد كبير من المهتمين والدارسين للفن التشكيلي، وهذا المعرض لعب دور الإعلام، لأنه وجه من أوجه الدعاية، ونفتح هذه المعارض أمام مختلف الأذواق عند الجمهور، وهناك من الجمهور الذين تجدهم لا يعرفون الرسم لكن لديهم ذوق، وهناك من لا يحس بأي شيء عندما يرى أي لوحة مهما كانت معبرة".
وعن مستقبل الفن التشكيلي في الجزائر، قالت صورية قريشي "نحن نتفاءل دائماً، ونحن من نتحكم في مستقبلنا، رغم أن هناك سوء فهم للثقافة رسمياً وشعبياً، والمجتمع الجزائري الذي لا يهتم غالباً اليوم بالفن يعود بالدرجة الأولى إلى الضغوطات التي يعيشها وانشغالات أخرى أهم كالبحث عن لقمة العيش، وبالتالي فنحن اليوم أمام عزوف جماهيري عن الفن التشكيلي في الجزائر".
وأضافت "علينا أن نغرس في أطفالنا والأجيال القادمة بذرة تقدير الجمال، فمادة التربية الفنية في المدارس الجزائرية مادة مهمشة بالمقارنة مع بقية المواد، ويعتبرونها مادة للترفيه عن النفس أو مادة إضافية فقط، لكنها المادة الأساسية في التكوين الذاتي للطفل، من بينها تنمية التذوق، والإنسان صاحب الذوق تجده إنساناً صالحاً غير مؤذ في مجتمعه، تجده يحب الجمال والنظافة ووطنه، وهي من بين الأهداف التي ترسخها الفنون بصفة عامة".
وأردفت قائلة "كل الفنون تعمل على غرس القيم النبيلة عند الإنسان، لكن علينا أن نعرف جيداً أن مصطلح إنسان لا يطلق على كل البشر، لأن كلمة إنسان مرتبطة بالإنسانية، وليس مجرد هيكل أو روح فقط، ولا يمكن أن نجد فناناً حقيقياً عدوانياً أو يحب العنف، بل يحب العدل والمساواة بين الناس".
لغة الفنان التشكيلي
"العين الإخبارية" سألت الفنانة التشكيلية الجزائرية صورية قريشي عن رفض بعض الفنانين التشكيليين شرح لوحاتهم، في وقت يفضل البعض الآخر ترجمة لوحاتهم للمهتمين، وهنا تقول "لكل فنان تشكيلي لغته الخاصة، حرفها الريشة مثل الشاعر والموسيقي، والحقيقة أن هناك كثيرا من الأمور لا يمكن للفنان التشكيلي أن يعبر عنها بالكلام، فيترجم ذلك الكلام في لوحة فنية، فهي قصة خاصة بالفنان التشكيلي وإسقاط على شخصية إنسان، ورغم أنه عاجز عن التعبير لغوياً، لكن كل ما أراد قوله معبر عنه ضمنياً في تلك اللوحات".
وتضيف "يمكننا المقارنة بين المصور الفوتوغرافي والفنان التشكيلي في صورة وجه شخص ما، هناك تشابه بينهما، لكن الفرق بينهما يكمن في أن صورة الفنان التشكيلي يسقط عليها شخصيته وفيها جزء من تخيل الفنان".
وأثناء حديثها عن هذه النقطة، انتبهت "العين الإخبارية" لإحدى اللوحات التي شاركت بها الفنانة صورية قريشي، وتمثلت في وجه فتاة "تشبهها إلى حد كبير"، وهنا قالت الفنانة التشكيلية "كل من يشاهد هذه اللوحة يقول إنني رسمت نفسي، لكن الحقيقة عكس ذلك، والأكثر من هذا، في رسوماتي لا أعتمد على رسم أشياء موجودة أمامي بل كلها من ذاكرتي وبشكل تلقائي ومن دون قصد، وهذا ما يؤكد أن هناك تقاربا كبيرا بين شخصية الفنان ولوحاته لكن بشكل غير مقصود، وهذا ما يؤكد أيضا أن الفن التشكيلي هو عبارة عن إسقاط بلا وعي الفنان".
"العين الإخبارية" سألت كذلك الفنانة التشكيلية إن كان الفنان التشكيلي الجزائري اليوم يرسم ما يريده وما يحس به أم ما يريده الجمهور، فكانت إجابتها "بأن الفنان الحقيقي يرسم ما يريده هو، لكن علينا أن نتوقف عند نقطة مهمة، وهي أن الفنان هو وليد الجمهور، يعيش في بيئة ومجتمع معينين، لهذا تجد قواسم مشتركة بينه وبين بقية أفراد ذلك المجتمع، لهذا فإن الفنان التشكيلي يكون قد عبر عن أحاسيسه وأحاسيس عدد من أفراد مجتمعة في لوحة واحدة يرون فيها أنفسهم، ولا ننسى أيضاً أن الفن هو مرآة الشعوب، وهو ما نسميه الشعور الجمعي في الفن".