"التراث التصويري".. معرض للوحات مؤسسي الفن التشكيلي الجزائري الحديث
"التراث التصويري" معرض أعاد بعث لوحات مؤسسي الفن التشكيلي الجزائري الحديث جمع أعمال 17 فناناً تشكيليا
"قمة لقادة الفن التشكيلي الجزائري".. كان هذا التوصيف الأقرب لمعرض "التراث التصويري" المقام حاليا بمتحف الفن المعاصر والحديث بالعاصمة الجزائرية الذي يضم للمرة الأولى لوحات مؤسسي الفن التشكيلي الجزائري الحديث، من أجيال عشرينيات إلى خمسينيات القرن الماضي.
- "مقام الشهيد".. أطول نصب تذكاري يخلد ثورة الجزائر
- "فاي" الجزائرية.. حركة تبحث عن القيم الجمالية في الشعر العربي
17 فناناً تشكيلياً تركوا بصمتهم في كل تفاصيل الفن التشكيلي الجزائري الحديث، وكانت أعمالهم حاضرة بقوة في معرض "التراث التصويري" لتمثيل الجيليْن المؤسسيْن للفن التشكيلي الجزائري الحديث وهم: محمد إسياخم، لزهر حكار، كمال نزار، رشيد جمعي، عبدالوهاب مقراني، جمال جاب الله بلاخ، سليمان ولد محند، صالح محمد هيون، محمد أكسوح، موسى بوردين، محمد خدة، محمد بوزيد، محمد لوعيل، محمد شكري مسلي، علي علي خوجة، رشيد قريشي، وزوبير هلال.
"العين الإخبارية" تجولت في معرض "التراث التصويري" لتشكيليين وضعوا التقنيات الأولى والصحيحة للفن التشكيلي الجزائري، الذي ذاع صيته حتى قبل استقلال الجزائر، بلوحات صُنفت ضمن التراث العالمي كلوحات الفنان التشكيلي الراحل محمد إيسياخم، كما أكد ذلك محمد معروف المستشار في وزارة الثقافة الجزائرية في حديث لـ "العين الإخبارية".
اللوحات المعروضة لقيت إقبالاً كبيراً من قبل عشاق الفن التشكيلي، وأكد محمد معراف في حديثه مع "العين الإخبارية" أن المعارض التي ينظمها متحف الفن المعاصر والحديث، أثبتت أن للفن التشكيلي جمهور واسع في الجزائر، تجلى ذلك في إقبال الجزائريين الكبير واهتمامهم أيضا بالمعارض الدولية التي تعرض لوحات لفنانين عالميين.
تستعرض "العين الإخبارية" حياة فنانين تشيكليين يمثلان الجيل الأول والثاني من مؤسسي الفن التشكيلي الجزائري الحديث، وهما محمد إيسياخم (الجيل الأول) ولزهر حكار (الجيل الثاني).
الفنان التشكيلي محمد إيسياخم
"الفنان التشكيلي الثائر" كما يلقبه كثيرون، أو صاحب رسومات "الحقد المقدس" محمد إيسياخم، كان حاضرا بقوة في معرض "التراث التصويري" بـ 14 لوحة أثارت اهتمام زوار المعرض، فضل الفنان الراحل في غلبيتها تركها "من دون عنوان"، وإن كان العنوان الأبرز والمشترك فيها "حزن دفين بداخل الفنان".
- بروفايل.. الفنان الجزائري محمد إيسياخم صاحب فلسفة "الحقد المقدس"
- جوجل يحتفل بميلاد التشكيلي الجزائري محمد ايسياخم
"العين الإخبارية" بحثت عن خبايا ذلك الحزن وتلك الشخصية الثائرة الملتصقة بلوحات الفنان محمد إيسياخم، ووجدت مجموعة من الإجابات في كتاب أعدته وزارة الثقافة الجزائرية عن حياة إيسياخم.
بداية الحزن كان عام 1943، وهي السنة التي بقيت أحداثها تعيش بداخل الفنان حتى وفاته، ترجمها في لوحات فنية راقية ومعبرة، وتحولت معها القصة المأساوية إلى تراث عالمي.
ورد في كتاب السيرة الذاتية لمحمد إسياخم، أنه في 27 يوليو 1943، "سرق محمد ورفقائه في اللعب صندوق قنابل يدوية من مخيم أمريكي مقام في المدرسة، وأخذ معه واحدة خبأها في منزله، وصباح اليوم التالي، عندما كان يلعب بتلك القنبلة اليدوية، انفجرت، فأصيبت اثنتان من أخواته (سعيدة وياسمين) وابن أخيه (طارق) بجروح قاتلة، كما جُرح 3 أفراد آخرين من عائلته".
وجاء فيها أيضا "دخل محمد في غيبوبة، وبعد عامين من الاستشفاء في عدة مستشفيات من منطقة وهران، أجريت له عملية لعلاج التهاب بذارعه الأيسر وقدمه اليسرى، بترت الإصبع الأول لسبابته اليمنى".
وفي عام 1958 "خُلع مرفقه الأيسر"، وفي 1977 "أُدخل إلى المركز الاستشفائي بموسكو، وذكر في الفحص الطبي الاشعاعي أيضا، أنه بمستوى السرة الرئوية اليسرى، نلاحظ وجود شظية أخرى تتموضع في الأجزاء الرخوة تحت العظم الكتفي الأيسر، وشظيتين على مستوى الثلث الأوسط للذارع الأيسر".
وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان، بل هي الجزئية التي أثرت في نفسية إيسياخم أكثر من تأثير انفجار القنبلة، والتي رافقته في كثير من لوحاته الفنية التي أبدع فيها إيسياخم.
عند عودته إلى منزله بعد خروجه من المستشفى، وبحضور كل عائلته المجتمعة للمناسبة، "صرخت والدته لدى رؤيتها لابنها المبتور، وقالت له: لم ألدك هكذا.. أخرج من المنزل".
محمد إيسياخم قدَّم اعترافاً للكاتب أحمد أزقاغ ودونه في كتابه "الثورة الإفريقية لشهر ماي 1985"، جاء فيه: "كان محمد يقوم دائماً بالرسم"، وقال للكاتب "إن التي شجعتني، ليست أمي، إنها راهبة، أخت متدينة كما كنا نقول، كنت في المستشفى، وكانت هي ممرضة، كانت تحضر لي أقلاماً ملونة وصبغة مائية، وكانت تحتفظ بما كنت أعمله، لكن ذلك لم يكن له الكثير من الأهمية".
الحزن والثورة المعبرين عنه في لوحات إيسياخم، لم تكن لهذا السبب فقط، فقد كان للمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد دور كبير في ذلك "الحقد المقدس" الذي ترجمه الفنان في لوحات عدة انتقلت شهرتها إلى العالمية.
في عام 1958، نشر الفنان التشكيلي محمد إيسياخم في مجلة "محادثات عن الآداب والفنون" صوراً لتعذيب المناضلة جميلة بوحيرد رسمها بالحبر الصيني، ليتم نسخها فيما بعد من قبل جبهة التحرير الجزائرية في ألمانيا على شكل ملصقات وبطاقات بريدية.
ومنذ ذلك الوقت، بدأ إيسياخم في رسم المرأة كفنان تعبيري، وجاء في كتاب السيرة الذاتية لإيسياخم: "فكرة رسم المرأة.. يذكر الفنان، جاءتني عند تَذَكُّر جميلة بوحيرد، ومنذ ذلك الحين، لم أتطرق سوى إلى المرأة وإلى التعذيب إلى يومنا هذا".
وكان هذا الموضوع– بحسب الكتاب– الذي شغل المساحة الأكبر في إنتاجه الفني، يربطه بتاريخ بلاده، كل تلك النساء، تلك الأمهات اللواتي يتألمن، ذوات النظرات الحزينة، ومضى إلى ذاك من معرض إلى معرض يعبر عن كفاح بلده".
الفنان التشكيلي لزهر حكار
يقول كثير من عشاق لوحات الفنان التشكيلي الراحل لزهر حكار (1945 – 2013)، إن لوحاته أعادت بعث أهم مرحلتين في تاريخ الجزائر، وهما مرحلة الاستعمار الفرنسي والعشرية السوداء، ويطلق عليه فنانون جزائريون "فنان الذاكرة"، وهما الفترتان اللتان تركتا جرحاً عميقاً في نفس الفنان، وكان لهما الأثر الكبير في إنتاجه الفني.
- بالصور.. الفنان الجزائري أحمد طالبي يختصر مراحل التشكيل ببلاده
- بالصور.. الأمم المتحدة تتعرف على التراث الجزائري
وذكر عدد من أصدقائه، أن "الذاكرة والتراث كانا يشكلان مصدر إلهام بالنسبة للفنان حكار الذي كان يركز في أعماله على رسم ما يحس به الشعب".
واستند الفنان حكار في معظم لوحاته الفنية على تماثيل صغيرة، يقول العارفون بها "إن المراد بها هو تبليغ هذه الذاكرة والتعريف بتاريخ الجزائر خلال الفترة الاستعمارية".
ومن بين أشهر لوحات الفنان التشكيلي لزهر حكار "رقان .. حتى لا ننسى" التي صور فيها بشاعة التجارب النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري سنة 1960، وعبر فيها عن سخطه لرفض فرنسا الاعتذار عن جرائمها في الجزائر، ومن أبرز لوحاته كذلك "عبور الذاكرة" المستوحاة من التراث الجزائري.
الفنان التشكيلي لزهر حكار قال في تصريحات صحفية سابقة: "إنه يعالج في لوحاته سفراً عبر الذاكرة، ويتحدث فيها عن حيزية ورقان وفيضانات باب الوادي وغيرها من أحداث الذاكرة الجزائرية".