"داعش" والجنوب الليبي.. عودة لموطئ قدم قطعها الجيش
ما إن بدأ الليبيون يتنفسون نسائم الاستقرار بعد سنوات عجاف، حتى عادت الرمال المتحركة تنذر بخطر كامن في الجنوب هذه المرة.
خطرٌ حركه تفجير انتحاري نفذه تنظيم "داعش" الإرهابي، مستهدفا نقطة تفتيش بمدينة سبها، في هجوم يسلط الضوء على التهديد الذي تواجهه ليبيا من بوابتها الجنوبية.
فرغم جهود الجيش الليبي في تأمين جنوب البلاد، ومحاربة جرائم التهريب عبر الصحراء والخطف والابتزاز وإيقاف المهاجرين، بعد سنوات من تغافل الحكومات المتعاقبة في طرابلس، فإن الجنوب –بحسب مراقبين- يعد أرضًا خصبة للتنظيمات المتطرفة، لمساحته الشاسعة وقربه من مناطق حدودية، ما يستلزم تعاونًا بين تلك الدول لتطهير تلك البقعة ودرء أي أخطار تهددها.
إدانة حكومية
وكانت مديرية أمن سبها أكدت أن سيارة مفخخة يقودها إرهابي انفجرت فور وصولها إلى وسط بوابة المدينة بين الآليات والأفراد، ما أدى إلى مقتل رئيس قسم البحث الجنائي فرع سبها إبراهيم عبدالنبي مناع، والضابط بالجهاز عباس أبوبكر الشريف، بالإضافة إلى 3 مصابين، وتدمير عدد من سيارات مديرية الأمن بالمدينة.
الحادث أدانته الحكومة الليبية، حيث توعد رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة باستمرار الحرب ضد الإرهاب والضرب بقوة كل أوكاره أينما كانت.
ملاذ داعش
يقول المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي لـ"العين الإخبارية"، إن الجنوب الليبي لطالما كان ملاذًا لتنظيم داعش الإرهابي، نظرا للمساحة الشاسعة التي تساعد في نمو مثل هذا التنظيم المحاصر حاليًا في العراق والمتبعثر الأشلاء بين عدد من الدول.
ورغم أن التنظيم الإرهابي سيسعى لخلق مناخ مناسب له في الجنوب الليبي (مترامي الأطراف)، بحسب الأوجلي، فإنه أكد أن بيئة الجنوب في ليبيا والمساحات المفتوحة لن تساعد في جعل "داعش" يستقر في هذه المنطقة، بل إن تضاريس الجنوب ستجعله هدفا سهلا للقوات المسلحة التي نفذت عديد العمليات للقضاء على خلايا نائمة كانت تتخذ من المكان مقرات مؤقتة لها.
اتحاد عصابات مسلحة
وأشار المحلل السياسي الليبي إلى أن الجنوب الليبي شهد اتحادًا للعصابات المسلحة من الدول المجاورة والتنظيمات المتطرفة على شاكلة "داعش"، في مجالات توفير الأسلحة وأعمال تهريب الوقود وتجارة البشر، معتبرا أن ذلك التعاون كان سر بقاء التنظيم في الجنوب واستمراره، رغم العمليات المتتالية التي نفذتها القوات المسلحة.
وللقضاء على حركة تجارة وتهريب البشر والنفط، رأى الأوجلي أن هذا ملف ضخم يحتاج لتضافر مجهودات دول جوار ليبيا، مع الاستعانة بدول العالم كإيطاليا وفرنسا وغيرها المتضررة من حركة المهاجرين، مشيرًا إلى أن الجميع يعلم أن هذه الشبكة منتشرة على حدود الدول المجاورة وتعمل بشكل منظم وممنهج، رغم بعض المحاولات لوقف هذه العمليات المستمرة منذ سنوات.
دور تركي
تضاريس جنوبية غير بعيدة عن العبث التركي- كما يرى المحلل نفسه، قائلا إن أنقرة كانت سببًا في جلب عشرات الآلاف من المرتزقة الحاملين لأفكار متطرفة سواء من جلبتهم من سوريا أو المتطرفين التونسيين، والذين يستغلون الوضع الأمني الهش في غرب البلاد، للتحرك بكامل حريتهم.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي جمال الفلاح لـ"العين الإخبارية"، إن تنظيم داعش "الإرهابي" يحاول أن يثبت وجوده في الجنوب، مستغلا مساحته الشاسعة والمفتوحة وحالة الفوضى والصراع الموجودة في الشمال، لينمو والتنظيمات الإرهابية في تلك الأرض الخصبة.
رسالة إرهابية
وأوضح الفلاح، أن ما حدث أمس من تفجير سيارة تابعة للشرطة في مدينة سبها، هو رسالة فقط بأن التنظيم موجود ولديه القدرة على القيام بعمليات إرهابية، إلا أنه أكد أن "داعش" ليس لديه القدرة على القيام بعمليات أكبر.
وأشار إلى أن التنظيم الإرهابي يحاول أن يثبت وجوده من خلال مثل هذه العمليات، التي عدها رسالة وإشارة لمحاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من التنظيمات التكفيرية إلى هذه المنطقة، بالإشارة إلى أنها منطقة آمنة.
استقطاب التكفيريين
وتوقع المحلل السياسي الليبي أن ينجح داعش في استقطاب التكفيريين وأنصاره إلى الجنوب، بسبب حالة التشتت الموجودة على الساحة الليبية، وكذلك الانقسام الحاصل، بالإضافة إلى عجز الدولة عن بسط أمنها على الجنوب.
وذكر أن الجنوب الليبي يعج منذ فترة طويلة بالعصابات والمقاتلين الأفارقة وغيرهم، إلا أنه لم يستبعد تسريب عناصر من المرتزقة الذين جلبتهم تركيا إلى الغرب الليبي، للانضمام إلى تلك التنظيمات الإرهابية في الجنوب.
في المقابل، أشار الفلاح إلى دور وصفه بـ"المميز" للجيش الليبي في دحر تلك العصابات، مدللا على ذلك بعمليات "ناجحة" جدًا للجيش في هذه المناطق، نجحت في رصد تحركاتهم والقضاء على بعض الخلايا منهم وكذلك قادة لهذا التنظيم الإرهابي.
تحييد الخطر
وحول الحلول المناسبة لتحييد خطر الجنوب والقضاء على داعش، قال المحلل السياسي جمال الفلاح، إن المسألة تحتاج إلى دعم كبير جدا، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، مؤكدًا ضرورة توحيد وإنهاء الانقسام الحاصل في المؤسسة العسكرية، ودعهما لتطهير الجنوب والسيطرة على حدوده.
العربي الورفلي المحلل السياسي الليبي، وافق الفلاح والأوجلي في رؤيتيهما حول الجنوب والخطر الذي يهدده جراء تلك التنظيمات، مضيفًا أن "داعش" يتحرك في المناطق التي تعاني من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية، مثل منطقة الشمال الأفريقي وصولا لدول الصحراء الأفريقية والتي وجد فيها البيئة المناسبة لنموه.
خلايا نائمة
وأشار إلى أن التنظيم الإرهابي والذي هزم في الشرق اللييي على يد الجيش، تفرق أعضاؤه في الجنوب بعد هزيمتهم الثانية في سرت، وشكلوا خلايا نائمة تنهض بين الحين والآخر للقيام بعمليات انتحارية محدودة.
وأوضح أن رسالة التنظيم من عملية سبها الإرهابية كانت بمثابة إثبات لتواجده، وزعزعة الاستقرار وجر الجيش الليبي إلى حرب لإفشال المساعي الرامية للانتخابات القادمة.
إلا أنه أكد أن الجيش الليبي لا زال في حالة حرب مع تلك التنظيمات الإرهابية (القاعدة وداعش وغيرها)، وفق الأهداف المعلنة، مشيرًا إلى إعلان حالة الطوارئ بمنطقة سبها منذ أمس، في الجنوب، ليتم ملاحقة التنظيم والحد من قوته واقتلاع جذوره.
والأربعاء الماضي، تمكنت قوات الجيش الوطني الليبي من إلقاء القبض على 3 قيادات بارزة بتنظيم القاعدة الإرهابي، عبر عملية نوعية ضد خلية إرهابية بمنطقة "تاروت"، 30 كيلومترا من مدينة براك الشاطئ بالجنوب الليبي.
ويواصل الجيش الليبي جهوده لتأمين جنوب البلاد؛ ففي يناير/كانون الثاني 2019، أطلق عملية فرض القانون، وقوض آمال الجماعات الإرهابية وتجار البشر والمحروقات وطرد عناصر المرتزقة التشاديين.
لكن التنظيمات الإرهابية عادت للظهور مرة أخرى في مناطق أقصى الجنوب الليبي، حيث اتخذت بعضها من حوض مرزق ومناطق أم الأرانب وتجرهي، مرتكزات لها، وحاولت الانقضاض على بعض الحقول النفطية الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني.