أين وصلت مباحثات السلام في جنوب السودان؟
أثارت المباحثات بين حكومة جوبا وحركتين معارضتين لاتفاق السلام، في كينيا، الكثير من التساؤلات الممزوجة بالأمل في التوصل لسلام شامل.
ومنذ الإثنين الماضي، تخوض الحكومة جولة جديدة من مباحثات السلام مع فصائل رافضة للتوقيع على اتفاق السلام، وهي الحركة الشعبية الأصل بقيادة باقان أموم أوكيج، والجبهة المتحدة بقيادة فول ملونق أوان.
وبعد يوم من المحادثات، وقعت حكومة جوبا والفصيلان المعارضان وثيقة التزام بوقف أعمال العنف ضد المدنيين.
وقال بيان صادر عن الطرفين الثلاثاء الماضي: "لقد اتفقت الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية الأصل إلى جانب الجبهة الشعبية المتحدة على الالتزام بإعلان روما الموقع في يناير/كانون الثاني 2020 إلى جانب وثيقة إعلان المبادئ الموقعة في فبراير/شباط 2020، وتعهدوا بالابتعاد عن جميع أشكال العنف ضد المدنيين".
ورأى مراقبون في هذه الخطوة محاولة لبث بعض التطمينات للشارع في جنوب السودان والمجتمع الدولي، خاصة بعد فشل الأطراف الموقعة على الوثيقة خلال الفترة الماضية في احترام وثيقة وقف العدائيات بينهما، بل إن القتال لا يزال مستمرا في مناطق عديدة بإقليم الاستوائية الواقع جنوبي البلاد.
اتفاق قريب
واليوم، أعلن برنابا مريال بنجامين، رئيس وفد الحكومة لمباحثات السلام، "التزام الحكومة بوقف الحرب والاقتتال وتحقيق السلام لشعب جنوب السودان"، في ظل ضغوط دولية للتوصل لاتفاق سلام شامل.
وتابع، في تصريحات صحفية من مقر المفاوضات في كينيا، "سنبذل قصارى جهدنا من أجل تحقيق السلام ووقف معاناة شعب جنوب السودان".
والشهر الماضي، طالبت مجموعة الأزمات الدولية، المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة والمعارضة المسلحة في جنوب السودان للجلوس على طاولة التفاوض ووقف أعمال العنف والقتال التي يشهدها إقليم الاستوائية، محذرة في الوقت نفسه من أن عدم استقرار الأوضاع في الاستوائية سيقود إلى انهيار عملية السلام برمتها.
بدوره، قال باقان أموم أوكيج في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إن الأطراف المجتمعة في كينيا "اتفقت على تحديد معظم القضايا الخلافية التي سيتم تضمينها في إعلان مبادئ" جديد، موضحا أن "المباحثات مع الحكومة تشهد تقدما كبيرا".
وأوضح "أنا سعيد لأني أبلغكم بأننا أحرزنا تقدما كبيرا، حيث اتفقنا على 95% من الأجندة والقضايا التي قمنا بطرحها على مائدة التفاوض"، مضيفا "لقد وعدنا شعبنا بتحقيق السلام والاستقرار، وأؤكد لكم أننا لن نتوانى في القيام بذلك".
من جهتها، أكدت جمعية سانت إيغيدو التابعة للكنيسة الكاثوليكية والتي تتوسط في مباحثات السلام بين الحكومة والمعارضة أن أطراف المباحثات "توافقت على معظم القضايا السياسية التي تم طرحها منذ انطلاق جولة نيفاشا الإثنين الماضي"، موضحة أن الأطراف "ستوقع على وثيقة إعلان المبادئ في القريب العاجل".
وقال باولو امباغليازو السكرتير العام للجمعية في تصريحات لوسائل الإعلام بمقر المفاوضات: "نحن نعمل الآن على صياغة وثيقة إعلان المبادئ؛ فقد اتفقنا على جميع المسائل والقضايا الخلافية والتي سيتم تضمينها في هذه الوثيقة".
وفي هذا الإطار، يرى أجو لول، الكاتب والمحلل السياسي في جنوب السودان، أن "مباحثات نيفاشا بين الحكومة وفصيلي باقان أموم وملونق أوان، تأتي في توقيت مناسب خاصة في ظل الضغوط الأخيرة التي تمارسها جهات دولية مثل الاتحاد الأوروبي ومجموعة الأزمات الدولية".
وقال لول في حديث لـ"العين الاخبارية": "ما يحدث في نيفاشا الكينية ليس خطوة جديدة؛ لكنها خطوة متوقعة خاصة في ظل الاتصالات المكثفة بين الحكومة وفصيلي باقان أموم، وبول ملونق".
وتابع "هناك تفاهمات كبيرة حدثت على الأرض وجلسات سرية أفضت في نهاية المطاف للتوقيع على مسودة روما لوقف إطلاق النار وتجميد العدائيات وخارطة طريق، وربما سيتم التوقيع على اتفاق سلام نهائي في أي وقت من الآن".
"عقبات خطيرة"
لكن كواجوك لاكو، الصحفي والمحلل السياسي، تحدث عن وجود بعض التحديات التي قد تواجه مباحثات نيفاشا بين الحكومة والفصائل الرافضة لاتفاق السلام، تتمثل في عقبة المشاركة في السلطة، لأن المباحثات جاءت في وقت فرغت فيه الأطراف بالداخل من تقسيم السلطة ولم يتبق إلا البرلمان ومجالس الولايات.
وتابع في حديث لـ"العين الإخبارية": "قد تمثل مشاركة فصيلي المعارضة في السلطة، العقبة الوحيدة التي ربما تعترض طريق التفاوض بين الحكومة وحركتي باقان أموم وبول ملونق؛ فالحكومة الانتقالية تقريبا تقترب من آخر خطواتها النهائية وهي تشكيل البرلمان القومي ومجالس الولايات".
وتابع "الحديث عن انضمام فصيلي المعارضة لعملية السلام مبكر وسابق لأوانه، ولا بد أن تسبق هذه العملية تفاهمات عميقة وسريعة قبل موعد تكملة الأجهزة الانتقالية، وهو أمر ليس سهلا مقارنة بحجم مطالب القوى المعارضة في مباحثات نيفاشا".
ورأى لاكو أن "المباحثات لن تقود لتحقيق السلام الشامل بسبب غياب الجنرال توماس سريلو الذي يقود فصيل جبهة الخلاص الوطني، لأن هذه المجموعة تتمتع بثقل عسكري كبير" عن الجلسات الجارية في كينيا.
وتابع أن غياب هذا الرجل "يمكن أن يقود لفشل أي جهود للتسوية السلمية بسبب ضعف فصيلي باقان وملونق، وافتقادهما للقوة العسكرية التي يمكن أن تجبر النظام في جوبا على تقديم تنازلات سياسية".
واستؤنفت الإثنين جولة جديدة من مباحثات السلام بين الحكومة الانتقالية بدولة جنوب السودان وفصائل رافضة لاتفاق السلام المنشط بمدينة نيفاشا الكينية بعد أن تم تأجيل الجولة التفاوضية لعدة مرات خلال الأشهر الثلاث الماضية.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، اقترح مسؤول أفريقي نقل مباحثات روما بين الحكومة الانتقالية بجنوب السودان والفصائل الرافضة لاتفاق السلام لواحدة من الدول الأفريقية.
وفي 2019، انطلقت في العاصمة الإيطالية روما مباحثات للسلام بين الحكومة ومجموعة من الفصائل الرافضة لاتفاق السلام في جنوب السودان بقيادة توماس سريلو رئيس حركة جبهة الخلاص وفول ملونق أوان رئيس الجبهة المتحدة، وفاقان أموم أوكيج رئيس الحركة الشعبية.
وجرت المباحثات بوساطة من جمعية سانت أيديغو التابعة للكنيسة الكاثوليكية، بهدف إلحاق تلك المجموعات بعملية السلام.
وكانت معظم الأطراف المتحاربة بدولة جنوب السودان وقعت في سبتمبر/أيلول 2018، اتفاق السلام بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الذي تم بموجبه تشكيل حكومة انتقالية ممثلة لجميع الأطراف الموقعة في فبراير/شباط الماضي، دون إكمال بقية هياكلها على مستوى الجهاز التشريعي.
ولم تتبق إلا ثلاث حركات خارج عملية السلام وتقاسم السلطة.