بالصور.. الأمراض في جنوب السودان تقتل كالحرب
اللجنة الدولية للصليب الأحمر تفيد بأن 70% من الوفيات الناجمة عن الأمراض سببها وباء الملاريا الذي يسهل معالجته والإسهال الحاد.
في وقت الحرب يظن الناس أن الرصاص والقذائف أكبر مصادر الخطر، لكن الطين يزيد بلّة في جنوب السودان، فإلى جانب الأهوال من عنف واغتصاب وجوع وحركات نزوح، يعد المدنيون الذين يعيشون في ظل النزاع أن الخطر الأكبر يكمن في نقص الخدمات الصحيّة سواء بسبب العنف أو عدم تنميّة المناطق النائية الشاسعة التي تشكل معظم أنحاء البلاد.
عند وصوله إلى العيادة البعيدة التي نُقِل إليها في شمال شرق جنوب السودان، كان نياشوات الطفل البالغ من العمر عامين يعاني تشنجات ناتجة عن الملاريا، وبعد تلقيه الدواء، غلبه النعاس سريعاً فيما كان عارياً ومحموماً، وتبدو والدته الجالسة على سرير مجاور لسريره قلقة على صحة ابنها.
إنقاذ نياشوات ممكن إلا أن الكثير غيره لا يحظون بهذه الفرصة، فجنوب السودان يعاني من نقص في الخدمات الصحية.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تدعم العيادة الصغيرة، حيث يتعافى نياشوات في قرية أودير النائية، تفيد بأنَّ 70% من الوفيات الناجمة عن الأمراض سببها وباء الملاريا الذي يسهل معالجته والإسهال الحاد والتهابات في الجهاز التنفسي.
وقالت والدة نياشوات بوك (22 عاماً) إنَّه في حال الإصابة بمرض أكثر خطورة "لا مكان" للذهاب إليه.
المسؤولة في المجال الصحي في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إيرين أوينيا، قالت إنَّ أكثر منطقة متأثرة هي منطقة أعالي النيل.
وأضافت: "كانت هناك منظمات توفر للمنطقة الرعاية الصحية الأولية ولكن بعد الحرب أجليت كل تلك المنظمات وخرجت من البلاد".
وأظهرت دراسة أجرتها كلية لندن للصحة والطب الاستوائي العام الماضي، أن 400 ألف شخص لقوا حتفهم نتيجة حرب جنوب السودان المستمرة منذ 6 سنوات تقريباً.
وأتى نصف هذه الوفيات نتيجة أعمال العنف ونصفها الآخر بسبب ارتفاع نسبة الأمراض وانخفاض إمكانية الحصول على الرعاية الصحية نتيجة النزاع.
أودير قرية صغيرة تضم مهبطاً رملياً للطائرات الذي يتحول إلى ملعب لكرة القدم عندما لا تستخدمه اللجنة الدولية للصليب الأحمر في رحلاتها التي تحمل الأدوية والإمدادات مرتين أسبوعياً.
هذا المدرج يشكل أيضاً طريقاً مختصراً يسلكه الأشخاص الذين يأتون مشياً من أماكن نائية إلى السوق لبيع المنتجات أو شرائها.
وفي السوق الصغيرة، هناك القليل من المواد الغذائية الطازجة. فيمكن للقرويين شراء البصل الأحمر أو الجلوس لتناول قهوة سودانية بالزنجبيل، بينما في فصل الجفاف تبيع نساء بدويات بفساتين فضفاضة حليب مواشيهن.
وفي القرى المحيطة، تعمل النساء بجد في ترميم أكواخهن وإعادة تطيين السقف تحسباً للأمطار المقبلة.
ومع حلول موسم الأمطار، يرتفع منسوب المياه وتتضخم المستنقعات والأنهار وتصبح الطرق غير سالكة. وقالت أوينيا "يصبح من الصعب على الأطفال السباحة وعلى النساء والرجال حمل المرضى للوصول إلى هنا".
وعانى جنوب السودان من التهميش لعقود قبل الاستقلال عن السودان في عام 2011 ليقع في حرب أهلية منذ عام 2013. وهو لم يشهد إلا القليل من التطور والإنماء. ويعد قطاع الرعاية الصحية أحد القطاعات التي تدعمها منظمات الإغاثة الدولية.
إلا أن هذه الدولة تعد الأخطر على العاملين في المجال الإنساني مع نحو 100 قتيل على مدى السنوات الـ5 الماضية، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.
وأجبرت العشرات من المنظمات على الانسحاب من المناطق التي قدمت لها الإعانات بسبب النزاع.
وأصبحت منطقة أعالي النيل، حيث تقع أودير قرب الحدود السودانية - الإثيوبية جزءا من النزاع في عام 2017 عندما شنت القوات الحكومية هجوماً كبيراً على مدينة باغاك التي تسيطر عليها المعارضة.
واضطر الصليب الأحمر لإجلاء المرضى والموظفين من المستشفى والمركز الصحي التابع لها في قرية مايووت الذي نهب ولم تترك "حتى إبرة على الأرض" وفق أوينيا، وقد أتى عدد كبير منهم إلى أودير التي سلمت من القتال.
وبعد ذلك بسنة أي في عام 2018، نهب المتظاهرون الغاضبون نحو 10 مجمعات تابعة للمنظمة الإنسانية في بلدة مابان الواقعة على مسافة 72 كيلومترا إلى الشمال من أودير.
وقال رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنوب السودان، جيمس رينولدز، إن اتفاق السلام الذي وقع في سبتمبر/أيلول 2018 "حسن الأمن والتنقل وسهّل وصول العاملين في المجال الإنساني".
وفي أودير التي تسيطر عليها المعارضة، توفر هذه العيادة دعماً أساسياً للرعاية الصحية في المنطقة، حيث ترتفع نسبة وفيات النساء والأطفال.
وقالت أوينيا إنَّ التحدي الكبير يتمثل في أن النساء اللواتي يقمن بالأعمال الشاقة ورعاية ما يصل إلى 10 أطفال، قد يتأخرن في المجيء إلى المركز في الوقت المناسب. وهذا الأمر قد يتسبب في وفاتهن.
وفي بعض الأحيان، يأتي الأطفال بمفردهم.. فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات تخبر أوينيا بأنها تعاني من الإسهال الحاد نتيجة الملاريا، كما تظن، ولا وجود لأي من والديها في المكان.
وللحالات الأكثر خطورة مثل مضاعفات الحمل ونقل الدم والعمليات الجراحية، فيقع أقرب مستشفى في مابان الذي تسيطر عليه الحكومة على مسافة 5 ساعات بالسيارة أو 3 أيام سيراً على الأقدام، وهناك خيار آخر وهو السير لمدة 3 أيام إلى جامبيلا في إثيوبيا.
وقالت أوينيا "قد يصلون إلى هناك أحياء وقد يصلون أمواتاً".