إسبانيا.. فخ مشاهير كرة القدم المتهربين من الضرائب

إسبانيا التي كانت جنة ضريبية لأشهر نجوم كرة القدم حول العالم قبل 15 عاما كشرت عن أنيابها للمتهربين تحت وطأة أزماتها الاقتصادية.

في زمن الرخاء والازدهار الاقتصادي قبل أكثر من 15 عاما كانت إسبانيا جنة أشهر نجوم كرة القدم حول العالم، فما تقدمه من دوري قوي على مستوى اللعبة ومزايا ضريبية على مستوى ثروات الأفراد كان بحق جاذبا للجميع. 

في تلك الحقبة شاهد الجمهور الإسباني نجوما مثل الإنجليزي ديفيد بيكهام والفرنسي زين الدين زيدان والبرتغالي لويس فيجو يغادرون دوريات أوروبية كبيرة للعب في بلادهم، كانت مدريد آنذاك في خضم خطة لجذب المواهب في كل المجالات من جميع أنحاء العالم وإغرائهم بإعفاءات ضريبية تميزهم حتى على أبناء البلد الإسبان.

لاحقا تبدلت الأحوال، وانتقلت إسبانيا إلى حالة "الأزمة"، وواجه اقتصادها إجراءات تقشفية على وقع ديون ثقيلة وعجز في الموازنة، وهو ما دفعها إلى تحسين نظام تحصيل الضرائب الذي قادها لاحقا إلى اكتشاف فضائح تهرب كان أبرز أبطالها نجوم كرة القدم بالغوا الثراء.

إسبانيا من جنة للنجوم إلى "فخ المتهربين"

بعد وقت قصير من انضمام ديفيد بيكهام إلى ريال مدريد في عام 2003، تمكن اللاعب الإنجليزي من التمتع بنظام إعفاء ضريبي جديد يهدف إلى جذب المواهب الأجنبية إلى إسبانيا في جميع القطاعات.

أصبح هذا النظام يعرف باسم "قانون بيكهام"، إذ كان اللاعب الإنجليزي من أوائل اللاعبين الذين استفادوا من سقف ضريبي نسبته 24% على الدخل لمدة 6 أعوام، وهو ما يعني أنه سيدفع ضرائب أقل بالنصف مقارنة بما يدفعه الإسبان أنفسهم على الدخول التي تتجاوز المليون.

آنذاك، كانت إسبانيا في خضم ازدهار اقتصادي لم يسبق له مثيل، وقد أصبحت المكان المفضل لأشهر نجوم كرة القدم من أمثال زين الدين زيدان ولويس فيجو، قبل وصول كريستيانو رونالدو وظهور معجزة برشلونة ليونيل ميسي.

ولكن في عام 2010 تم إلغاء قانون بيكهام للرواتب التي تزيد على 600 ألف يورو، ومنذ ذلك الحين بدأ مفتشو الضرائب في التنبه إلى العمليات المالية المعقدة التي تتم عن طريق شركات خارجية "أوف شور" للالتفاف حول قوانين الضرائب.

فضحت السلطات لاحقا أنواعا عديدة من مسالك التهرب الضريبي، كأن يُنشئ اللاعبون شركات خاصة وهمية من أجل إخفاء دخولهم فيها والحصول على إعفاءات معينة، أو وصف أموال مكتسبة من بيع حقوق الصور على أنها مكاسب رأسمالية للاستفادة من معدل ضرائب أقل.

وفي خضم أزمة اقتصادية عانتها البلاد ضمن ضربات الديون السيادية في منطقة اليورو، صعدت الحكومة الإسبانية حملتها على التهرب الضريبي خلال السنوات الأخيرة، كجزء من جهودها لزيادة العائدات لخفض عجز الموازنة، ونفذت إجراءات جديدة لكشف أولئك الذين لا يعلنون عن كل دخلهم وأصولهم كما هو مطلوب بموجب قانون الضرائب الإسباني.

الثلاثي الأشهر 

في وقت من الأوقات ضمت إسبانيا أشهر 3 لاعبي كرة قدم في العالم على الإطلاق الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو، والبرازيلي نيمار، لكن النجوم الثلاثة واجهوا تهما مختلفة بالتهرب من الضرائب في البلاد، ولاحقتهم السلطات الضريبية الإسبانية بمطالب مالية ضخمة وتهديدات بالسجن.

على مدار عام 2016 أصبح من المعتاد رؤية الثلاثي محاصرا باتهامات احتيال ضريبي وجرائم مالية أخرى من قبل المحاكم الإسبانية، وكان من المعتاد أن ينكر اللاعبون التهم الموجهة إليهم في البداية، ومع سير التحقيقات ينتهي الأمر إلى إقرار بالتهرب وتسوية بدفع مبلغ ضخم وحكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ.

ويمثل نجم كرة القدم العالمي كريستيانو رونالدو، وزميله السابق في ريال مدريد تشابي ألونسو، الثلاثاء المقبل، أمام محكمة بالعاصمة الإسبانية مدريد بتهم التهرب الضريبي، في أحدث حلقة من سلسلة الملاحقات الإسبانية لنجوم كرة القدم المتهربين من الضرائب.

في محاكمة الثلاثاء المقبل، يتوقع أن يقر رونالدو بمخالفة القانون، والموافقة على تسوية يدفع بموجبها غرامة 16.4 مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلى عقوبة السجن مع إيقاف التنفيذ.

800 مصدر معلومات تعتمد عليها الضرائب الإسبانية   

سمحت التطورات التكنولوجية الحديثة لهيئة الضرائب الإسبانية بتوسيع مصادر الحصول على معلومات عن دافعي الضرائب، حيث تتلقى بيانات من نحو 800 مصدر مختلف، وخلال عامي 2011 و2012 زادت مصادر معلومات الهيئة بنسبة 60%.

يقوم مكتب الضرائب بتحليل ومراجعة هذه البيانات لاكتشاف ومنع الاحتيال الضريبي، وتعتمد فيها على كل تصرف يسلكه دافع الضرائب، من شراء سلعة أو بيعها أو السفر أو حتى تشغيل الأضواء في منزله، وفاتورة استهلاك الكهرباء في العقار ستكشف الكثير عنه.

أفضل النتائج لمكافحة الاحتيال الضريبي في التاريخ 

قدر مكتب الضرائب الإسباني أنه جمع أكثر من 40 مليار يورو في مكافحته للتهرب والاحتيال الضريبي خلال الفترة من 2012 إلى 2015، وهذه هي أعلى النتائج لمكافحة الاحتيال الضريبي في التاريخ، وفقا لشركة Blevins Franks المتخصصة في استشارات الضرائب وإدارة الثروات.

سنت البلاد قوانين تحتم على المقيمين فيها تسجيل أصولهم خارج البلاد، وحظر المدفوعات النقدية التي تزيد على 2500 يورو عندما يكون أحد طرفي شركة أو عميلا محترفا، فضلا عن أنظمة تبادل المعلومات التلقائية التي تتلقى هيئة الضرائب بموجبها معلومات حول الأصول العالمية لكل فرد سنويا دون طلب ذلك وبغض النظر عن موافقة الشخص.

الضرائب الإسبانية.. "لن يفلت أحد"

في إسبانيا تقع على عاتقك مسؤولية فهم جميع قوانين الضرائب الإسبانية والامتثال لها إذا كنت مقيماً هناك، لذلك فلن يقبل اعتذارك بالجهل بالقوانين كما فعل ميسي عندما ادعى أن والده هو الشخص الوحيد الذي يعرف كيف تتم إدارة أمواله.

وكان ليونيل ووالده جورج قد أدينا في 2016 بالاحتيال على الدولة الإسبانية عندما لم يدفعا 4.1 مليون يورو من الضرائب المستحقة على مبالغ تلقاها اللاعب نظير حقوق الصور (للمهاجم تستخدم في دعايات مختلفة) التي تسيطر عليها شركات خارجية في بليز (دولة صغيرة في أمريكا الوسطى) وأوروجواي.

في إسبانيا أيضا عليك أن تتقدم بنفسك إلى الضرائب لتدفع الأموال المقدرة عليك وفقا للقوانين، وإن لن تفعل فستتم ملاحقتك على أنك مجرم ومتهرب، لذلك فلن تستفيد إذا فعلت مثل رونالدو الذي دفع أموالا أقل مدعيا أن بقية مكاسبه كانت من خارج البلاد، لذا لم يحتسبها ضمن ضرائبه.

وكان الفريق القانوني لكريستيانو رونالدو قد قال إنه لم تكن لدى اللاعب نية ارتكاب احتيال ضريبي، وأن الأمر مجرد خلاف على قيمة المبلغ الضريبي.

وجادل رونالدو بأنه دفع ضريبة إلى الخزينة الإسبانية على 20% من إيرادات بيع حقوق صوره، في حين أن أكثر من 90% يرد إليه من خارج إسبانيا، لأنه "لاعب عالمي"، لكن وكالة الضرائب واجهته بأن من يتقاضى أجراً مقابل ارتداء حذاء أو قميص أو قبعة في إسبانيا "لا يستطيع أن يدعي أن هذه الأموال تربح في الخارج".

وكانت النيابة قد اتهمت رونالدو أيضا بالتهرب من الضريبة بين عامي 2011 و2014 عن طريق إنشاء شركة وهمية تسمى Tollin Associates مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، وقال المحققون الإسبان إن الشركة التي يملكها رونالدو كانت مجرد واجهة وليس لها أي نشاط اقتصادي، وتم رصد شرائها ثم تنازلها عن حقوق صور اللاعب إلى شركة مقرها أيرلندا وهي التي تدير بالفعل حقوق بيع صوره.

وقال المحققون إن رونالد وصف الأموال المكتسبة من حقوق الصور بشكل غير صحيح على أنها مكاسب رأسمالية للاستفادة من معدل ضرائب أقل.