الصين والولايات المتحدة وحدهما يستهلكان ما يقرب من ثلث حجم الاستهلاك العالمي من النفط الخام.
إذا كان هناك من يضارب على ارتفاع أسعار النفط حتى تصل بنهاية هذا العام إلى ما يقرب من 100 دولار للبرميل من نوع برنت، وتبلغ ما بين 120-150 دولار للبرميل بعد عام ونصف أو عامين، فعلى الشاطئ الآخر من نهر المضاربة يتربع الاتجاه المعاكس. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن أسعار النفط إن لم تنخفض خلال الفترة المقبلة فستشهد على الأقل استقرارا عند مستوياتها الراهنة أي ستظل تتراوح ما بين أكثر من 70 دولارا إلى أقل من 80 دولارا للبرميل.
على الرغم من ارتفاع سعر برميل النفط من نوع برنت بنسبة تقل عن 10% خلال العام الحالي، فإن الأسعار بالعملات المحلية ارتفعت بنسب أكبر كثيرا، فبلغت نسبة ارتفاع السعر في كل من تركيا والأرجنتين نحو 75%، وارتفعت في البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا بنسب تتراوح بين 20% و25%
توقعات وتطورات جانب الطلب
ويستند الاتجاه الأخير إلى عدد من التوقعات والتطورات (سواء في جانب الطلب أو العرض) التي يرى في تحققها مربط الفرس في تحقيق الانخفاض أو الاستقرار في الأسعار، وتتضمن تلك التوقعات والتطورات على جانب الطلب ما يلي:
توقع عدم التوصل لحل تفاوضي للحروب التجارية، وخاصة بين الصين والولايات المتحدة (أول وثاني أهم مستهلكين ومستوردين للنفط الخام). فاشتداد أوزار هذه الحرب سيؤدي لانخفاض حجم التجارة العالمية ككل، وهو ما يعني انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي انخفاض استهلاك النفط. ومن المعروف أن الصين والولايات المتحدة وحدهما يستهلكان ما يقرب من ثلث حجم الاستهلاك العالمي من النفط الخام. ومع الوضع في الاعتبار الانخفاض الذي بدا واضحا مؤخرا في معدلات النمو الاقتصادي الصيني، تشير بعض التقديرات إلى أن كل انخفاض قدره 100 مليار دولار في الصادرات الصينية من شأنه تخفيض معدل النمو الاقتصادي بنحو 0.5% إضافية. وفي الولايات المتحدة يتوقع بعض الاقتصاديين انخفاض معدل النمو الاقتصادي -حتى إذا لم تشتد حرب التجارة- خلال العام المقبل نتيجة لانتهاء أثر التحفيز الضريبي (خفض معدلات الضريبة) على الاستثمار، وتأثر الاستثمار أيضا بارتفاع أسعار الفائدة مقارنة بمستواها خلال العام الحالي.
التوقع الثاني يرتبط بالتطورات الأخيرة في أسعار الصرف العالمية، فبعد انهيار سعر صرف الليرة التركية وما أعقبه من انخفاض ملحوظ في عملات عدد من بلدان الأسواق الناشئة مقابل الدولار الأمريكي أضحت أسعار النفط أكثر ارتفاعا مقومة بهذه العملات، وبالتالي سيميل الطلب على النفط (وغيره من السلع المستوردة والمسعرة بالدولار) إلى الانخفاض.
ويشير هؤلاء إلى أنه على الرغم من ارتفاع سعر برميل النفط من نوع برنت بنسبة تقل عن 10% خلال العام الحالي، فإن الأسعار بالعملات المحلية ارتفعت بنسب أكبر كثيرا، فبلغت نسبة ارتفاع السعر في كل من تركيا والأرجنتين نحو 75%، وارتفعت في البرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا بنسب تتراوح بين 20% و25%، وفي المجر وبولندا وتشيلي وإندونيسيا والهند بنسب تتراوح بين 15% و20%.
ومن المتوقع ارتفاع سعر صرف الدولار أمام باقي العملات العالمية، مع توجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي لزيادة أسعار الفائدة ربما مرتين خلال الفترة المتبقية من العام الحالي. ولهذا فالنتيجة هي ارتفاع سعر برميل النفط مقوما بعملات كافة البلدان الأخرى، خاصة الصناعية المتقدمة الأكثر استهلاكا للنفط في عالمنا، وبحيث تكون النتيجة النهائية هي انخفاض نمو الطلب على النفط خلال العام المقبل مقارنة بما حدث خلال السنوات الأخيرة. فإذا كان معدل زيادة الطلب قد تراوح بين 1.6 و1.8 مليون برميل يوميا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، فقد ينخفض خلال العام القادم إلى أقل من ذلك بشكل ملحوظ.
أما على جانب العرض فيمكن الإشارة إلى التوقعات والتطورات الآتية:
توقع عدم غياب أكثر من مليون برميل يوميا من صادرات النفط الإيراني، مقابل تقدير الاتجاه المضارب على ارتفاع الأسعار بغياب ما قد يصل إلى 2 مليون برميل يوميا من هذه الصادرات بحلول العام المقبل. والواقع أن العديد من التطورات ترجح كفة غياب الكمية الأقل، فالولايات المتحدة ذاتها أعلنت أنها ستنظر في منح بعض الإعفاءات في حال وقوع ضرر كبير على بعض البلدان المستوردة للنفط الإيراني. وقد ترى الولايات المتحدة أن فقدان إيران لعائدات صادرات مليون برميل يوميا (نحو 40%) كافية تماما للضغط عليها لإعادة التفاوض حول برنامجها النووي، خاصة مع تزايد مصاعب الحياة الاقتصادية والاحتجاجات التي تفجرت في إيران، وما زالت نتائجها تتوالى، وهذا كله وقت أن كانت تصدر كل ما تستطيع تصديره من نفطها.
التوقع الثاني يذهب إلى تدخل منظمة الأوبك وشركائها في اتفاق خفض الإنتاج العالمي لسد أي نقص تشكو منه الأسواق، ويقدر أن الطاقة الإنتاجية الفائضة القائمة لدى هذه البلدان تزيد على أقل تقدير عن 3 مليون برميل يوميا، أغلبها في منطقة الخليج العربي. وهي كمية أكثر من كافية لتعويض النقص المحتمل في الصادرات الإيرانية.
ومن بين التطورات المهمة ما أعلنته الإدارة الأمريكية من طرح 11 مليون برميل من احتياطي النفط الخام الاستراتيجي للبيع والتسليم خلال شهري أكتوبر ونوفمبر المقبلين. وكنا قد أشرنا من قبل في أكثر من مقال إلى توجه الإدارة لفعل ذلك لخشيتها من تأثير أي ارتفاع كبير في أسعار مواد الطاقة على اتجاهات تصويت الناخب الأمريكي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس يوم 6 نوفمبر القادم، وهي الانتخابات التي تجري في تزامن مدهش مع بدء فرض العقوبات على صادرات النفط الإيراني بعد يوم 4 نوفمبر.
المحصلة إذا كما يراها هذا الاتجاه هي انخفاض أو بقاء أسعار النفط عند مستواها الراهن خلال ما تبقى من هذا العام. أما خلال العام المقبل فيميل هذا الاتجاه كما أوضحنا إلى توقع حدوث انخفاض واضح في معدل نمو الطلب على النفط ليقل عن 1.5 مليون برميل يوميا. وصحيح أن الإنتاج الأمريكي، خاصة من النفط الصخري، من المقدر ألا يزيد بنفس المعدلات التي كان يزيد بها خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن هيئة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع ارتفاع هذا الإنتاج بمقدار 700 ألف برميل يوميا خلال العام المقبل. كما أن هناك زيادات منتظرة في إنتاج بلدان أخرى خارج الأوبك، ناهيك عن الزيادة التي قد تحدث في دول المنظمة أو الدول الأخرى الشريكة لها في اتفاق خفض الإنتاج. والمحصلة إذا هي بقاء أسعار النفط في العام المقبل ضمن المدى الذي كانت تتحرك فيه فعليا خلال العام الحالي أي 70-80 دولار للبرميل، هذا إذا لم تنخفض عن ذلك إذا ما حدث خلال العام المقبل ارتفاع واستقرار الإنتاج في كل أو بعض الدول التي تعرضت لانخفاض وتذبذب إنتاجها خلال الأعوام الأخيرة كنيجيريا، وأنجولا، وليبيا، وفنزويلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة