المحكمة المختلطة بجنوب السودان.. عدالة منشودة أم تكتيك خداعي؟
قوبلت خطوة الحكومة في جنوب السودان بإنشاء المحكمة المختلطة بإشادة وترحيب كبيرين على المستويين الإقليمي والدولي، مثلما خلقت العديد من الأسئلة الجوهرية المتعلقة بجدية الأطراف في تحقيق العدالة والاقتصاص للضحايا وتقديم القيادات العليا بالحكومة للمحاكمة.
ويوم الجمعة الماضي، وافقت الحكومة الانتقالية بدولة جنوب السودان على إجراءات إنشاء المحكمة التي نصت عليها اتفاقية السلام بغرض محاكمة الأشخاص المتورطين في ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد حقوق الإنسان خلال المواجهات المسلحة التي شهدتها البلاد بين الحكومة والمعارضة منذ عام 2013.
وكان مجلس وزراء الحكومة الانتقالية بجنوب السودان قد وجه وزير العدل باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إنشاء المحكمة بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي وجميع المؤسسات الإقليمية المعنية بتحقيق العدالة في الجرائم التي وقعت خلال فترة الحرب.
وقال مايكل مكوي لويث، وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة، إن مجلس الوزراء الانتقالي قد وجه وزير العدل روبرت مادول للبدء في الإجراءات المتعلقة بإنشاء المحكمة الهجين بجنوب السودان.
وأضاف في تصريح لـ"العين الإخبارية": "لقد وجه اجتماع مجلس الوزراء الأخير برئاسة الرئيس سلفاكير، وزير العدل بالشروع في الإجراءات المتعلقة بإنشاء المحكمة وفقا لبنود اتفاق السلام المنشط كالتزام من الحكومة بتحقيق العدالة واستدامة السلام والاستقرار بالبلاد".
وباعتباره الجهة المنوط بها الشروع في إجراءات إنشاء وتشكيل المحكمة لجرائم الحرب بدولة جنوب السودان، رحب الاتحاد الأفريقي بإعلان جنوب السودان الموافقة على إنشاء المحكمة التي تتألف من قضاة وطنيين وإقليميين من دول القاهرة".
وأكد موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، على دعمهم المستمر لحكومة وشعب جنوب السودان من اجل تحقيق السلام الدائم.
ونصت اتفاقية السلام المنشطة الموقعة في العام 2018 في البند الثالث من الفصل الخامس على أن يقوم الاتحاد الأفريقي بإنشاء المحكمة للتحقيق في الانتهاكات التي وقعت ضد القانون الدولي والإنساني والقوانين المحلية منذ بداية الصراع في جنوب السودان، ومن ثم تقديم المتورطين فيها للمحاكمة على تلك الجرائم التي تتمثل في جرائم الإبادة الجماعية، الجرائم الموجهة ضد الإنسانية، جرائم الحرب، بجانب بقية الجرائم الأخرى التي تخالف القوانين الدولية بما فيها جرائم العنف الجنسي على أساس النوع".
واعتبر أدموند ياكاني، رئيس منظمة تمكين المجتمع من أجل التنمية وعضو آليات مراقبة تنفيذ اتفاق السلام بجنوب السودان، أن إعلان الحكومة عن موافقتها على قرار إنشاء المحكمة وتوجيه وزير العدل بتكملة الإجراءات المطلوبة ،خطوة كبيرة تؤكد على التزام الحكومة وامتلاكها إرادة حقيقية لتحقيق السلام و تنفيذ بنود الاتفاق".
وأضاف ياكاني، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن "الخطوة تعتبر بالنسبة لنا في المجتمع المدني البداية الحقيقية لتنفيذ اتفاق السلام، فالفصل الخامس من الاتفاق مهم جدا لأن تنفيذه سيسهم في تحقيق الانتقال السلمي ببلادنا و استدامة السلام والاستقرار".
من جهتها، اعتبرت منظمة هيومان رايتس ووتش مصادقة السلطات الحكومية الجمعة الماضية على إنشاء المحكمة المختلطة، خطوة مهمة في سبيل تحقيق العدالة لضحايا الحرب والناجين.
وطالبت المنظمة الحقوقية العالمية في بيان لها وصل "العين الإخبارية" نسخة منه الأطراف في الحكومة والمعارضة "بتعزيز آليات العدالة المنصوص عليها بقرارات حقيقية على أرض الواقع".
فيما اعتبر لباطومي أيول، رئيس تحرير صحيفة (واجوما نيوز) الإلكترونية بجنوب السودان الخطوة رغم أهميتها "نوع من التكتيك السياسي من قبل أطراف الاتفاق الأساسيين".
وأوضح أن الخطة "تعتبر محاولة من هذه الأطراف لخداع المجتمع الدولي بشكل يظهر جديتهما".
أيول أضاف في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "مصادقة مجلس الوزراء على إنشاء المحكمة رغم أهميته لعلاقته بقضية تحقيق العدالة لضحايا الحرب، لكنها أيضا في رأينا مجرد تكتيك سياسي ليس إلا".
وتابع:" هي محاولة من الحكومة والمعارضة لإظهار جديتهما في دراما هزيلة لن تثبت حقيقتها ما لم تشرع الحكومة في تنفيذ الفصل الخامس من الاتفاق".
ولفت إلى أنه "دون توقيع الحكومة على مذكرة تفاهم مع الاتحاد الافريقي حول مسألة تأسيس المحكمة لن تجدي الخطوة التي اتخذتها مؤخرا".
بدورها، اعتبرت ياسمين سوكا، رئيسة لجنة الخبراء الأممية لحقوق الإنسان الخاصة بجنوب السودان، قرار إنشاء المحكمة أنه "خطوة أولى لمخاطبة انتهاكات حقوق الإنسان".
وأكدت ان "الخطوة ستساهم في استعادة مصداقية الحكومة"، داعية الحكومة إلى "تحويل الخطاب الحكومي لنتائج واقعية وملموسة على أرض الواقع".
وأضافت في بيان للجنة الخبراء الأممية لحقوق الإنسان الخاصة بجنوب السودان ، وصل "العين الإخبارية" نسخة منه :"إذا كانت حكومة جنوب السودان تريد استعادة مصداقيتها فعليها أن تقوم بتحويل أقوالها والتزاماتها بالمحكمة إلى فعل ملموس على أرض الواقع".
وبالنسبة للكثير من المراقبين والمهتمين بقضية العدالة الانتقالية في جنوب السودان فإن إنشاء المحكمة سيساهم في رد الاعتبار للضحايا والقتلى الذين يقارب عددهم الـ400 ألف من المدنيين.
كما أنه سيسهم في إعادة ثقة المواطنين الذين فروا لدول الجوار والنازحين بمعسكرات الأمم المتحدة في عملية السلام المتعثرة.
ونصت اتفاقية السلام في جنوب السودان، الموقعة أكتوبر/تشرين الأول 2018، على إنشاء محكمة مختلطة لجرائم الحرب، مكونة من قضاة وطنيين وأفارقة، يتم اختيارهم بواسطة الاتحاد الأفريقي لإجراء محاكمات لجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والعنف الجنسي.
وفي 5 سبتمبر/ 2018، وقع فرقاء جنوب السودان، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اتفاقًا نهائيًا للسلام، بحضور رؤساء "إيجاد".
aXA6IDE4LjIyNi45My4yMiA= جزيرة ام اند امز