تمثال الحرية.. قصة "فلاحة مصرية" خانها ترامب
"تمثال الحرية" هو الاسم نفسه الذي اختاره الخديوي إسماعيل للتمثال الشهير الذي يحلق اليوم بيده اليمنى من قلب مدينة نيويورك
تمثال الحرية، هو الاسم نفسه الذي اختاره الخديوي إسماعيل للتمثال الشهير الذي يحلق اليوم بيده اليمنى من قلب مدينة نيويورك الأمريكيةـ مشيرا بيده اليمنى نحو مدخلها.
التمثال الذي يطالب الفرنسيون السلطات الأمريكية بإعادته إلى بلادهم التي أهدته لواشنطن عام 1886 من الميلاد، تم تصميمه في الأساس ليعلن عن استقلال آخر شهدته مصر، إلا أن المشروع لم يكتمل.
والفرنسيون الرافضون للإجراء الذي اتخذه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بوقف الهجرة من 7 دول، استخدموا تمثال الحرية لتوظيف اعتراضهم، فطالبوا بإعادته، وهو التمثال الواقع قبالة جزيرة إليس، بوابة المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن العشرين، رمزا للهجرة الجماعية المكثفة.
يقول عالم المصريات الشهير وسيم السيسي في هذا الأمر، إن الخديوي إسماعيل باشا عندما كان يحكم مصر في الفترة ما بين عامي 1863 إلى 1879 من الميلاد، طلب من مثّال فرنسي يدعى فريدريك بارتولدي أن يصنع تمثالاً بطول 100 متر، ويحمل مشعلا بيده اليسرى، ليشير إلى مدينة بورسعيد عند وضعه بمدخل قناة السويس التي كان يستعد لافتتاحها.
وطلب أيضا أن يرتدي التمثال قبعة رأس بها 7 فتحات سيتم إضاءتها، وتمثل الـ7 بحار، فضلا على اشتراط الخديوي أن يرمز التمثال للفلاحة المصرية، واختار إسماعيل باشا اسم "تمثال الحرية" لعقده النية على إعلان استقال مصر عن الخلافة العثمانية في يوم افتتاح القناة.
وتابع السيسي، في تصريحات خاصة لـ"العين"، المثّال الفرنسي أتم العمل، بقياسات اختلفت قليلا، لكنه طلب أجرا ضخما في الوقت الذي كانت تتكبد فيه مصر ديونا نتيجة شق القناة، فلم يتمكن إسماعيل باشا من نقل التمثال البالغ في ضخامته إلى مصر، فسعره وتكاليف نقله كانت تقترب من 600 ألف دولار آنذاك، وهو المبلغ الذي خوت منه خزائن مصر.
عقب ذلك، اشترت الحكومة الفرنسية التمثال من صاحبه مقابل مبلغ زهيد، وقررت إهداءه للولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة المئوية الأولى لحرب الاستقلال التي حققت انتصارا فيها، إلا أن الأخيرة طلبت تعديلا على التمثال أبرزها نقل الشعلة إلى اليد اليمنى لتشير إلى مدخل مدينة نيويورك، وطلبت كذلك أن تضاف تعديلات إلى وجه السيدة الفلاحة وملابسها لتبدو "رومانية"، إلا أن المثّال بارتودلي اعتذر عن تنفيذ الطلب الذي كان سيفسد العمل الفني بأكمله ويشوهه، ولذلك فالتمثال حتى يومنا هذا "فلاحة مصرية" ترتدي ملابسا قروية تحمل بيدها اليمنى مشعلا، وفي اليسرى كتابا منقوشا عليه تاريخ 4 يوليو/تموز الذي يرمز ليوم إعلان الاستقلال الأمريكي.
اليوم، يرتاد منطقة تمثال الحرية في نيويورك أكثر من 3 ملايين و500 ألف سائح بالعام، ومن الصعب أن تجد من يعرف منهم بأن "الليدي ليبرتي" كما يسمون صاحبة التمثال -شارلوت بيسر والدة بارتولدي- ليست في الحقيقة سوى فلاحة مصرية رآها بارتولدي في مدينة الأقصر، وكان تمثالها سيرتفع قبل 125 سنة عند أهم معبر مائي في العالم.
ومن التأثيرات السلبية لهذه القصة التاريخية، وفقا لرواية عالم المصريات وسيم السيسي، أن فريدريك بارتودلي لم يمرر للخديوي إسماعيل تراجعه عن شراء التمثال مرور الكرام، وإنما ترجم غيظه إلى تمثال جديد ضخم لرأس ملك فرعوني، ومثّل شامبليون واضعا أحد قدميه على الأرض والأخرى فوق رأس الملك المصري وهو ما يعد إهانة كبيرة لو كان العالم جون فرانسوا شامبليون الذي فك رموز اللغة المصرية القديمة، على قيد الحياة آنذاك، لعاقبه على فعلته التي سعى بها لإهانة ملوك مصر، حيث كان شامبليون معروفا بحبه وتقديره للحضارة المصرية.