العاصفة دانيال في ليبيا.. تغير المناخ والصراع والبنية شفرة الكارثة
كارثة مركبة تعيشها ليبيا عقب العاصفة دانيال التي ضربت البلاد مطلع الأسبوع الجاري، ما سر الحصاد الكارثي؟
وتسببت الكارثة التي شهدتها ليبيا حتى الثلاثاء في أكثر من 5000 قتيل، و10 آلاف مفقود، حسب إحصاء رسمي للأمم المتحدة.
وأظهر حجم تأثير العاصفة خاصة في مدينة درنة شمال شرق ليبيا نموذجا لتشابك العناصر التي قادت للكارثة الإنسانية، وفي مقدمتها تغير المناخ والصراع السياسي والعسكري الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من 11 عاما بالإضافة إلى ضعف وتهالك البنية التحتية وما يتعلق منها بالإنذار المبكر ومحطات الرصد والتنبؤ المتعلقة بالأرصاد.
وتشير الأرقام المحلية التي صدرت عن جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي، الأربعاء، إلى ارتفاع أعداد مصابي الفيضانات والسيول جراء العاصفة دانيال، إذ بلغت أكثر من 7 آلاف مصاب، فيما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة نزوح 6 آلاف شخص من بنغازي والبيضاء والمخيلي بسبب الفيضانات والسيول الناتجة عن العاصفة دانيال.
- شاب ليبي يفقد حياته أثناء عمل بطولي بالعاصفة "دانيال" (خاص)
- "دانيال" توحد شرقي وغربي ليبيا.. ودعم دولي لإغاثة المنكوبين
تداعيات كارثية سببتها العاصفة دانيال في مدينة درنة الليبية، وخسائر بشرية ومادية هائلة، يتوقع معها مسؤولون وقوع كارثة بيئية جراء انتشار الجثث وتغطية المياه لمساحات شاسعة.
ويقول وزير الطيران المدني في الحكومة الليبية المعينة من قبل البرلمان وعضو لجنة الطوارئ، هشام شكيوات، ربع مدينة درنة قد اختفى بسبب العاصفة كما أن عدد القتلى كبير جدا، والجثث في كل مكان.
وحسب خبراء البيئة تتضاعف المخاطر المحتملة بسبب الدمار الذي سببه الإعصار، والتلوث البيئي الذي قد يتسبب في انتشار الأوبئة، إضافة إلى تضرر التربة التي تشبعت بكميات كبيرة من المياه المختلطة بالصرف الصحي والنفايات.
تغير المناخ
أرجعت الأمم المتحدة هذه الكارثة بشكل أساسي إلى تغير المناخ، وقالت في بيان لها عن آخر تطورات الكارثة التي شهدتها ليبيا: "مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، من المتوقع أن نشهد مزيدا من هطول الأمطار الغزيرة، والذي يؤدي إلى فيضانات أكثر شدة، لأن الهواء الأدفأ يحمل مزيدا من الرطوبة".
وأوضحت المنظمة أن العاصفة دانيال طورت مع تحركها باتجاه ليبيا خصائص جديدة تسمّى "ميديكان"، ليصبح من الممكن وصفها بـ" إعصار البحر الأبيض المتوسط"، وتُظهر هذه الظاهرة المختلطة بعض خصائص الإعصار المداري، وخصائص أخرى لعاصفة "خطوط العرض الوسطى"، ويبلغ نشاطها ذروته تاريخيا بين شهر سبتمبر/أيلول وشهر يناير/كانون الثاني.
ووفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن ليبيا معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، بسبب الزيادات المتوقعة في درجات الحرارة، وزيادة وتيرة وشدة الظروف المناخية القاسية، وانخفاض هطول الأمطار، وارتفاع مستويات سطح البحر التي تهدد استدامة إمدادات المياه، وتشكل خطراً وجودياً على المراكز السكانية الساحلية حيث يقيم حوالي 70 ٪ من سكان البلاد.
ويؤكد خبراء الأرصاد الجوية أن عاصفة بخصائص شبه استوائية في شهر سبتمبر/أيلول تعدّ من الأمور النادرة، وهو يمكن وصفه بتغير مناخي تسبب في العاصفة "دانيال" التي اجتاحت اليونان قبل ليبيا وتسبب في عاصفة ممطرة استمرت 3 أيام في وسط البلاد، كما تسببت في مقتل 10 أشخاص وأضرار بملايين الدولارات.
وقالت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، خلال بيان صحفي: "الفيضانات كان لها أبعاد ملحمية، لم تكن هناك عاصفة بهذا الشكل والحجم في المنطقة من قبل، لذا فهي صدمة كبيرة".
وتابعت أن منظمة الصحة العالمية قامت بنشر إمدادات ومساعدات مخزنة مسبقًا في المناطق المتضررة، وقدرت أن الأمطار الغزيرة أثرت على ما يصل إلى 1.8 مليون شخص في لبيبا، كما دمرت بعض المستشفيات.
المنظمة الدولية للهجرة بدورها أكدت أن تأثير الكارثة يطال وضع المهاجرين في ليبيا أيضاً، كون ليبيا أصبحت نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين من أكثر من 40 دولة متجهين إلى أوروبا، وعلى الأرجح تأثروا بشدة بهذه الفيضانات، إذ يوجد ما يقرب من 600 ألف مهاجر في ليبيا في هذا الوقت.
ويقول خبراء المناخ إن مثل هذا التأثير الهائل للعاصفة اشتد بسبب التغير في أنماط الطقس في البحر الأبيض المتوسط نتيجة لانهيار المناخ.
وعانت المنطقة من موجة حر غير مسبوقة، قال العلماء إنها رفعت درجات حرارة سطح البحر، وهو ما كان من الممكن أن يشجع على تكوين إعصار يشبه الإعصار الاستوائي في البحر الأبيض المتوسط، أو “ميديكاين”.
ويقول الدكتور كارستن هوستين، في جامعة لايبزيج، عالم المناخ: “على الرغم من أنه لم يتم حتى الآن إسناد رسمي لدور تغير المناخ في جعل العاصفة دانيال أكثر شدة، فمن الآمن أن نقول إن درجات حرارة سطح البحر الأبيض المتوسط كانت أعلى بكثير من المتوسط طوال فصل الصيف”.
البنية التحتية
ساهم ضعف البنية التحتية في المناطق التي أصابتها العاصفة في ارتفاع حجم الخسائر البشرية والمادية ووصول الحالة في مدينة درنة لوضع "كارثي يفوق التصور"، وقال مسؤول حكومي لرويترز “لا أبالغ عندما أقول إن 25% من المدينة اختفت”.
وقال طارق الخراز، المتحدث باسم الإدارة التي تسيطر على شرق ليبيا، إن أحياء بأكملها جرفتها المياه، كما جرفت العديد من الجثث إلى البحر.
وأظهرت لقطات فيديو تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي ضعف قدرات البنية التحتية في ليبيا مما أدى لتأخر في عمليات الإنقاذ، وظهر أشخاص يطلبون المساعدة ويصرخون بينما اجتاحت المياه الموحلة منازلهم، وتحولت بعض الشوارع إلى أنهار.
تسببت الفيضانات في هذا العدد الضخم من الكوارث والضحايا بالرغم من أن المركز الوطني للأرصاد الجوية في ليبيا، أصدر إنذارات مبكرة قبل وقوع الكارثة بنحو 72 ساعة من حدوثها، وأخطر الجهات الحكومية التي اتخذت المزيد من الإجراءات الوقائية للاستعداد، وأعلنت حالة الطوارئ في المناطق الشرقية، وهو ما قد يعني أن أعداد الوفيات والمفقودين كانت ستكون أعلى بكثير لولا وجود هذه التحذيرات.
رغم ذلك كانت البنية التحتية، بما في ذلك السدود المنفجرة، في حالة خطيرة بالفعل، وفقًا للخبراء.
ووفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، فقد انفجر اثنان من السدود بسبب العواصف الشديدة، مما أدى إلى جرف أحياء بأكملها في مدينة درنة إلى البحر، كما وصلت مياه الفيضانات إلى ذروتها في شمال شرق ليبيا يوم الأحد، مصحوبة برياح قوية وصلت سرعتها إلى 80 كيلومترا في الساعة، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات وسقوط أبراج الكهرباء والأشجار، وسجلت مدينة البيضاء أعلى معدل لهطول الأمطار، وهو الوضع الذي وصفته هيئة الأرصاد الجوية الليبية بأنه "كارثي وخارج عن السيطرة".
ويقول الدكتور كيفن كولينز، أحد كبار المحاضرين في مجال البيئة والأنظمة: “من المهم أن ندرك أن العاصفة نفسها ليست فقط السبب الوحيد للخسائر في الأرواح”.
أضاف: "يعود ذلك جزئيًا أيضًا إلى قدرة ليبيا المحدودة على التنبؤ بتأثيرات الطقس؛ وأنظمة الإنذار والإخلاء المحدودة؛ ومعايير التخطيط والتصميم للبنية التحتية والمدن".
وذكرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أن هذه الكارثة تسلط الضوء على الحاجة إلى تكثيف العمل في "الحملة الدولية للإنذار المبكر للجميع" التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر الأطراف كوب 27 في مصر العام الماضي، والتي تستهدف تغطية جميع سكان العالم بخدمات الإنذار المبكر خلال الخمس سنوات المقبلة، من خلال خطة قيمتها 3.1 مليار دولار.
وتضاعفت معاناة الليبيين الساعين للحصول على معلومات حول أقاربهم المفقودين، وأبدى كثيرون غضبهم من بطء وتيرة جهود الإغاثة، ومن فشل السلطات المحلية في التحذير من أن السدود معرضة لخطر الانفجار، رغم أنه سبق وأن أصدر مهندسون ليبيون تحذيرات عامة بشأن خطر انفجار السدود والحاجة الملحة لتعزيز دفاعاتها.
الصراع السياسي والعسكري
جاءت العاصفة دانيال ومعها الكارثة لينحي الفرقاء السياسيون خلافاتهم جانبا، لتجاوز الأزمة على الأقل التي ضربت بشكل أكبر الشرق الليبي ليتوحدوا خلف المناطق المنكوبة.
ورغم أن أكثر المناطق التي تعرضت للعاصفة دانيال وقعت في شرقي البلاد، حيث توجد حكومة أسامة حماد المنبثقة عن مجلس النواب، إلا أن غربي البلاد حيث توجد حكومة الوحدة الوطنية (منتهية الولاية) والمجلس الرئاسي ومصرف ليبيا المركزي، شرعوا في إجراءات فورية لإغاثة المنكوبين.
بإعلان المجلس الرئاسي الليبي الحداد لمدة ثلاثة أيام في كل أنحاء البلاد، بدأت حكومة الوحدة الوطنية (منتهية الولاية) تنكيس الرايات بجميع الجهات العامة والخاصة؛ "ترحماً" على أرواح ضحايا الفيضانات والسيول بالمنطقة الشرقية.
وبدأت حكومة عبدالحميد الدبيبة اتخاذ إجراءات من شأنها مواجهة تداعيات السيول على المنطقة الشرقية، فقررت صرف بشكل عاجل 60 مليون دينار للبلديات المتضررة من هذه المحنة، لتتمكن من الاستجابة السريعة.
وبحسب بيان صادر عن حكومة الدبيبة، فإن الأخيرة وجهت بتجنيد 6000 عضو شرطة للدعم والمساندة، وأرسلت معدات وزوارق موزعة على 40 شاحنة مساعدات.
ودخل المجلس الأعلى للدولة (برلمان الغرب) بدوره على خط الأزمة، وعقد اجتماعاً مساء الإثنين، قرر فيه تشكيل وفد لزيارة المناطق المنكوبة في شرقي ليبيا وتقديم التعازي لأسر الضحايا، إضافة إلى تشكيل لجنة لمتابعة ما تقوم به حكومة الوحدة الوطنية من تدابير لإغاثة المتضررين، والإجراءات والترتيبات المتخذة لمواجهة تداعيات هذه المحنة، وتطويقها، والحد من آثارها.
الجيش الليبي أيضا الذي رفع درجة الاستعداد بجميع الوحدات العسكرية، لمواجهة العواصف والأمطار الغزيرة التي ضربت شرقي ليبيا، ودفع بعناصره للبحث عن المفقودين، وإخراج عدد من العالقين في مناطق متفرقة.
ولكن تداعيات العاصفة "دانيال"، كشفت عدم قدرة الدولة الغنية بالنفط على مواجهة الأزمة، مثل العديد من البلدان الفقيرة.