في ذكرى ميلاد ديستويفسكي.. تزوج عاملة آلة كاتبة بخدعة روائية
آنا سنيتكينا، زوجة ديستويفسكي، تكشف في مذكراتها عن التجربة الإبداعية التي قدمها زوجها، لتخليد قصة من قصص الحب النادرة.
تحل، الإثنين 11 نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرى ميلاد الكاتب الروسي الأشهر فيودور ديستويفسكي، الذي قدم العديد من الروايات البارزة من بينها "في منزل الأموات"، و"المقامر" و"الجريمة والعقاب".
آنا سنيتكينا، زوجة ديستويفسكي، كشفت في مذكراتها عن التجربة الإبداعية التي قدمها زوجها، إلى جانب تخليدها لقصة من قصص الحب النادرة بين كاتب فذ وزوجة استطاعت دائماً أن تأخذ موهبته للمكانة التي تليق بعبقري لا يتكرر.
ومن المثير أن "سنيتكينا" كتبت هذه المذكرات مضطرة، فقد أجبرها المرض على الانزواء بعيداً عن الصخب، وظلت لـ5 سنوات، خلال الفترة من 1911-1916، تكتب سيرته.
وهذه السيرة تضمنها كتابان، الأول ترجمه إلى اللغة العربية المترجم خيري الضامن، وصدرت عن دار المدى، والثاني صدر عن المركز القومي للترجمة وقدمه أنور إبراهيم، بعنوان "ذكريات آنا دوستويفسكايا"، ونُشر في 1925.
ورغم أن السيرة ليست خالية من إدراك طبيعة العصر وظروفه، فإنها تشير بشكل مباشر إلى الأمور التي جمعت الزوجين، وأشكال المعاناة التي عاشها دويسويفسكي، الذي تعرف على "آنا" لأول مرة بعدما رشحها أحد أساتذتها لتكتب على الآلة الكاتبة رواية "المقامر"، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1866، وبعدها تقدم لخطبتها بعد شهر واحد، وأصبحت زوجة ثانية له.
وحين جاءته للعمل، كانت تتصوره عجوزاً، لكنها وجدت عكس ذلك، كما أنها فرحت بشدة لأنه أحد كتاب والدها المفضلين، وكانت ترغب في التعرف إلى كاتب بكت وهي تقرأ روايته "في منزل الأموات".
في تلك الفترة، كان الكاتب الروسي الشهير في سنوات وحدته القاتلة بعد موت زوجته الأولى، وبعد أن أفلت من حكم إعدام تعرض له في خضم الصراع السياسي في روسيا.
وفي اللقاء الأول بينهما، تحدث ديستويفسكي عن كل ما عاشه ببساطة، وبدون أي قيود، مما أثار تعاطفها، خاصة أنه كان محاصرا من الدائنين الذين كانوا يطاردونه في كل مكان.
وتدريجياً، بدأ ديستويفسكي يصارحها برغبته إما في السفر للعيش بالقدس في رعاية الطائفة الأرثوذكسية، أو الهجرة لأوروبا، أو الزواج من جديد.
وتتضمن المذكرات إشارة طريفة إلى أنه طلب منها زيارة عائلتها بعدما أنهت كتابة روايته "المقامر"، وحينها كادت العلاقة معه أن تنقطع لولا أن دعاها لتكتب معه الجزء الأخير من رواية "الجريمة والعقاب"، ووافقت "آنا" بتردد لأنه كما وصفته كان "جذاباً للغاية".
وخلال العمل، دعاها ذات ليلة لتشاركه حبكة رواية جديدة تخيلية يود كتابتها، وأقنعها أنه يحتاج إلى نصحها في فهم نفسية الأنثى.
وفي تلك الرواية المتخيلة، البطل رسام كبير في السن، يتقدم لخطبة فتاة صغيرة كان اسمها آنيا، وسألها فيودور عما إذا كان من الممكن لفتاة صغيرة في السن مختلفة في الشخصية أن تقع في حب رسام.
أجابت "آنا" أن ذلك ممكن جداً. وفي هذه اللحظة قال فيودور لآنا: "ضعي نفسكِ في مكانها للحظة. تخيلي أنني أنا الرسام، أنا أعترف وأطلب منك أن تكوني زوجتي. ماذا سيكون جوابك؟" أجابت آنا: "سأجيب بأني أحبك وسأحبك للأبد".
وهكذا ببساطة وافق الطرفان باللعبة، وأصبحت عاملة الآلة الكاتبة زوجة لأشهر كاتب في العالم، وطوال 14 عاماً أبدى دائماً حباً جارفاً لها، وغيرة على شبابها، لدرجة أن عائلتها تعايشت مع التجربة رغم فارق العمر بين الزوجين، وبفضل هذا الاستقرار العائلي تراجعت نوبات الصرع التي كان يعاني منها.
وقبل زواجها منه، لفت نظرها كثيراً ظروف الحياة القاسية التي عاشها دوستويفسكي، وبعد الزواج، لاحظت "آنا" حجم المشكلات التي يواجهها، سواء مطاردات الدائنين، أو إدمانه للقمار.
وتقول "آنا" إن دوستويفسكي كان في أغلب الأحيان حزيناً على رواياته وغير راضٍ عنها، لأنه كان يكتب أجزاء كبيرة منها تحت وطأة الديون الثقيلة، وهموم تسديدها.
وأضافت: "كان حين ينتهي من كتابة جزء من رواية ما، يرسله على الفور إلى دار النشر كي تبعث له بدورها مبلغاً من المال يسدد به بعض ديونه، ثم حين يشرع في كتابة الأجزاء الأخرى من الرواية يكتشف خطأً ما في تسلسل الأحداث، فتصيبه الكآبة لأنه لن يستطيع التعديل على الجزء الأول الذي قد صار مطبوعاً ومنشوراً في المجلات والصحف. لو قُدّر للعظيم دوستويفسكي أن تكون ظروفه المادية أفضل، لكانت أعماله أكثر جمالاً وروعة مما هي عليه".
وتسرد المذكرات تجارب الزوجين، وتشير إلى أنه في ذات مرة خسر جميع أمواله في لعب الروليت، لذلك قررت أن تتولى إدارة جميع المسائل المالية، وإدارة أموره مع الناشرين، ونجحت بعدها في تحرير زوجها من ديونه، واستطاع في عام 1871، أن يتخلص فيودور دوستويفسكي من إدمانه للقمار.
وبعد وفاته بـ10 سنوات، كانت "آنا" في الـ35 من عمرها، وكرست كل جهودها لحماية إرثه الأدبي وصيانته، فقامت بجمع مخطوطاته، ورسائله، ووثائقه وصوره، وأسست عام 1906 غرفة مخصصة لفيودور دوستويفسكي في متحف الدولة التاريخي.
ولا تتضمن المذكرات فقط وصفاً لفائض من الرومانسية طغى على علاقة الزوجين رغم فارق العمل بينهما، إلا أنها تتضمن كذلك إشارات مهمة عن علاقة الكاتب برجال عصره، وبشخصياته الروائية التي أوجدها، ومعاناته مع ناشريه وأقاربه، والظروف السياسية في هذا الوقت.