الروائي عزت القمحاوي لـ"العين الإخبارية": دوستويفسكي وحده يملك حق كتابة الروايات الطويلة
الروائي المصري عزت القمحاوي في حوار مع "العين الإخبارية" أكد أن الرواية القصيرة كفن غائب في طريقها للعودة، معتبراً ذلك مؤشراً إيجابياً.
قال الروائي المصري عزت القمحاوي إن هناك كاتبا واحدا في التاريخ كان يحق له كتابة الروايات الطويلة هو الروائي الروسي الشهير فيودور دوستويفسكي، وبموته سقط هذا الحق.
وأوضح أنه عندما يكتب قصة أو رواية تكون كل إرادته في بناء قصة مقنعة فنيًا، أي قصة تشبه الواقع، ويمكن أن تحدث بالفعل ليكسب ثقة القارئ، وذلك ما فعله مع روايته الأحدث "ما رآه سامي يعقوب"، الصادرة مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، والتي تتناول سيرة بطل يحاط بالقهر الذي يجعله يفتقد قصة حبه الوحيد.
وفي حواره مع "العين الإخبارية" أكد القمحاوي، الذي صدرت له عدة روايات منها "يكفي أننا معًا"، "بيت الديب"، "مدينة اللذة"، فضلًا عن كتاب "الآيك" و"كاب الغواية"، أن الرواية القصيرة كفن غائب في طريقها للعودة، معتبرًا ذلك مؤشرًا إيجابيًا.
في روايتك الجديدة يسمع البطل عن انتهاكات تعرض لها أفراد عائلته.. هل أردت التأكيد على أن القهر سلسلة مشاعر متوارثة؟
تعرف أنني أكتب المقال، ولديَّ كتب مثل "الأيك" و"كتاب الغواية" و"العار من الضفتين" وكلها تنطوي على إرادة التفكير وبث فكرة معينة والانتصار لها.. لكنني، حقيقة، عندما أكتب قصة أو رواية تكون كل إرادتي في بناء قصة مقنعة فنيًا، أي قصة تشبه الواقع، ويمكن أن تحدث.
"ما رآه سامي يعقوب" محظوظة بعدد القراءات النقدية التي تناولتها، لكن تفاعلات بسيطة تصل إليّ تسعدني. تلقيت رسائل حول الوقائع والأحاسيس الصغيرة، تقول إحداها: "أنا أفعل هذا، لدرجة أنني مرت عليَّ لحظات أثناء القراءة كنت خائفًا من كوني مكشوفًا أمامك، وأنك تتجسس عليّ"، وفي رسالة أخرى قالت لي قارئة: "أنا يتيمة مثل فريدة، وألمي أنني لدي صور لأمي، لكن ليست لدي أية فكرة عن صوتها، وهذا يحزنني جدًا ولم أقل هذا من قبل لأحد!".
في الرواية، كما تعلم تتألم فريدة لأنها لا تستطيع من الصورة وحدها أن تبعث أمها من جديد في خيالها، كان ينقصها الصوت، هذه الأحاسيس هي ما يعنيني عند الكتابة، وأسعد جدًا أن هناك من يحس بمثلها وأنني عبرت عنه، بعد ذلك يأتي توصيف النقاد لعبرة العمل، يمكن لأحدهم أن يرى في الرواية قصة حب، ويمكن أن يراها آخر قصة حرب بين إرادة الحرية وإرادة القهر، فيما يراها ثالث مرثية لثورة.
الرواية تنتمي لنوع الرواية القصيرة التي تبدو غائبة في الأدب العربي الآن.. كيف تفسر هذا الغياب؟
غابت الرواية القصيرة لسنوات قليلة سيطرت فيها الروايات ذات الحجم الكبير، التي سرعان ما تراجعت مثل موضة الشارلستون والكعب العالي لأحذية الرجال. إذا أحببت أن تعدد روايات قصيرة خالدة ستعدد العشرات منها ، أما الروايات الكبيرة الخالدة فأقل عددًا بكثير.
برأيي، هناك كاتب واحد في التاريخ كان يحق له كتابة الروايات الطويلة هو دوستويفسكي، وبموته سقط هذا الحق، ذلك لأن ثرثرة دوستويفسكي لها قوة الفكر الفلسفي، فلاسفة نهاية القرن الـ19 وبدايات القرن العشرين الذين خرجوا من رواياته وتعلموا منها، ففي رواياته مباحث فلسفية في الدين والأخلاق والنفعية والوجودية، في الإنسانية والعبث، لا يزيد نيتشه عليه إلا بالغرور والاعتداد بالنفس، هذه قصة أخرى، لكن عمومًا إذا لم يكن الروائي دوستويفسكي، تكفي النوفيلا (وهي سرد خيالي نثري أطول من القصة القصيرة وأقصر من الرواية) لكي يقول عبرها كل شيء.
ولا أدعي أنني أعرف دافع انتشار البنطلون العريض والكعب العالي في نهاية السبعينيات، مثلما لا أعرف بالتحديد سبب صعود رواية الكعب العريض، ربما لتناسب المبلغ الكبير للجوائز.. وربما لأن طبقة جديدة من القراء هي في الأصل من محبي مسلسلات التلفزيون تريد أن تقرأ نصاً كبيراً كالمسلسل، لا يتعبها في التلقي، وتستطيع أن تغفل بضع صفحات دون أن تفقد اتصالها به، وعلى كل حال، أظن أن النوفيلا تعود، وهذا مؤشر حسن.
كانت روايتك "يكفي أننا معا" بمثابة تحول في كتابتك إذ إنها أكثر بساطة وخفة.. هل كانت القصة تشغلك بشدة أم أردت اكتشاف منطقة جديدة للكتابة؟
لا أحب أن أقف في المكان الواحد مرتين، ربما كانت "يكفي أننا معاً" مختلفة ظاهريًا بخفة رحلة حب، لكن فيها الخوف من الزمن الذي يتملكني في كل ما أكتب، ولأنها قصة حب ورحلة فكان لا بد أن تستشعر هذا الاختلاف في اللغة، هذا ما أظنه، والله أعلم.
بالنسبة لعملك الصحفي.. هل كان من الأفضل لك كمبدع عدم العمل بالصحافة؟
لم أحلم بمهنة أخرى، لكن كنت أتمنى لو نسيت ذاتي أقل مما فعلت مع الصحافة، هذا التضييع للوقت هو عيب الصحافة الوحيد الذي وقعت فيه وإن كنت قد تحررت منه، لكن لها أفضال يجب ألا أنكرها، وهي تعلم الخفة والسرعة وقول الأشياء بطريقة مفهومة، وهي قيم يحتاج إليها الأدب أيضاً.
بعد فوز نجيب محفوظ بنوبل.. هل ثمة روائي عربي تظن أنه قادر على الفوز بالجائزة؟ أو حتى استحقاقها وإن لم يفز؟
أولاً نوبل تقدير أدبي عظيم لكنها تخطئ مثل غيرها من الجوائز الصغيرة والكبيرة، ليس كل من يستحقها حصل عليها، حتى في أدباء العالم الذين أرسوا مدارس أدبية، لماركيز مقال بهذا المعنى يتأمل فيه فوز شاعر فرنسي لم يحفظ التاريخ له سطرا شعريا واحدا عام 1918 عندما كان مارسيل بروست لا يجد ناشراً لـ"البحث عن الزمن المفقود"، بعد محفوظ أظن أن الجائزة أخطأت محمود درويش، فهو أهم من شيمبوريسكا البولندية، وأهم من شعراء وروائيين حصلوا على هذه الجائزة في وجوده.
ما الجديد لديك؟
انتهيت هذا الأسبوع من كتاب عن السفر، لكنه ليس كتاباً في الرحلة، حيث ترد فيه الأماكن عرضاً، لكن النص معني بفلسفة السفر بوصفه نوعاً من موت لذيذ نعود منه ومحاولة لتوسيع حياتنا القصيرة، كما أن موضوع السفر يأتي متعانقاً مع القراءة، مثلما كان "الأيك" في الحواس والقراءة، ومثلما كان كتاب "الغواية" عن الحب والقراءة وولع الخلود.
aXA6IDE4LjExNi40My4xMDkg جزيرة ام اند امز