بإعادة انتخاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وخروج المسلحين من غوطة دمشق، تأتي نهاية الاستراتيجية الرامية إلى تفكيك الدول العربية.
شهد العالم منذ التسعينيات من القرن الماضي ظاهرة تفكك الدول التي كانت تابعة لحلف وارسو، فقد تم تفكيك الاتحاد السوفيتي، وتحول في فترة وجيزة إلى خمس عشرة جمهورية، ونفس الأمر حدث في يوغوسلافيا التي تحولت إلى ست جمهوريات، وبدأ بعضها يتفكك داخلياً مثل البوسنة والهرسك، وكرواتيا، وصربيا، ونفس الأمر حدث مع تشيكوسلوفاكيا.
وقد تكرر نفس السيناريو في العالم الثالث بدرجات متفاوتة ابتداء من استقلال تيمور الشرقية عن إندونيسيا إلى استقلال جنوب السودان مروراً بتفكك الصومال…إلخ، ولم تزل مفاعلات هذه الدينامية الدولية تعمل في العديد من دول العالم الثالث، ولو بدرجات مختلفة، وإيقاعات متنوعة من العراق إلى سوريا إلى ليبيا واليمن… إلخ.
لقد انتهى الدور القطري والإخواني: الوكيلان المعتمدان لتفكيك الدول العربية، وإشعال الصراعات فيها، لقد فشلت قطر والإخوان بعد استثمارات هائلة في إضعاف الدولة المصرية، أو التأثير في المجتمع المصري، فجاءت الانتخابات مخيبة لكل آمال قطر والإخوان
وفي ظل هذه الوضعية الدولية الجديدة جاء دور دولة قطر بصفتها الوكيل الرسمي لتنفيذ هذه الرؤية في العالم العربي، يتم من خلالها تفكيك دوله الأساسية، حتى تصبح قطر هي أكبر كيان في المنطقة، لذلك لا ينبغي أن يتم اعتبار ما قامت به قطر من سعي حثيث لتفكيك سوريا، وليبيا، واليمن، ثم السعودية، ومصر، وتآمرها على الإمارات، والبحرين، لا ينبغي اعتبار ذلك نابعاً من صانع القرار القطري، لأن الحقيقة غير ذلك، فهو دور دولي يؤديه بيت الحكم القطري للحفاظ على وجوده، ولا يستطيع التراجع عنه، حتى ولو أراد، كذلك ينبغي النظر إلى الدعم الغربي، خصوصاً الأمريكي لجماعة الإخوان من خلال هذه الرؤية الاستراتيجية الغربية؛ التي تعمل على التخلص من الدول القومية، وتحويلها إلى كيانات أصغر، طائفية، وعرقية، وعصابات الهوس الديني، ولا يمكن أن يقوم بهذا الدور أفضل من حركة الإخوان التي هي تمثل طائفة دينية ذات إيديولوجية صلبة، وفي نفس الوقت تمثل جماعة عرقية من حيث اقتسام المصالح، والانغلاق على الآخرين، وهي عصابة دينية يشتمل فكرها على كل تناقضات الفكر الإسلامي في أشد العصور تخلفاً، لذلك وجد فيها العالم الغربي فرصة نادرة تحقق أهدافه بدون مواجهات، أو تلويث سمعة الحضارة الغربية، ولذلك كان الغضب على المصريين شعباً وجيشاً لأنهم أفشلوا هذه الاستراتيجية بأسرع مما كان يتوقع العالم.
ومع إعادة انتخاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وخروج الجماعات المسلحة من غوطة دمشق الشرقية، تأتي نهاية الاستراتيجية الرامية إلى تفكيك الدول العربية إلى كيانات عرقية ودينية وطائفية ومذهبية، تكون فيها قطر وإسرائيل في موقع القيادة والتوجيه؛ لأن إحداهما تملك ثروات هائلة، وأختها تملك التكنولوجيا والسلاح، لقد انتهى حلم التفكيك في سوريا، وانتهى حلم إفشال مصر وسقوط الدولة فيها؛ حتى يكون المجال مفتوحاً على مصراعيه لكل من أراد أن يعبث بالمنطقة العربية، ويفكك دولها، ويدخل مجتمعاتها في صراعات تأكل الأخضر واليابس، وتعيدها قروناً إلى الوراء.
لقد انتهى الدور القطري والإخواني: الوكيلان المعتمدان لتفكيك الدول العربية، وإشعال الصراعات فيها، لقد فشلت قطر والإخوان بعد استثمارات هائلة في إضعاف الدولة المصرية، أو التأثير في المجتمع المصري، فجاءت الانتخابات مخيبة لكل آمال قطر والإخوان، وكانت المشاركة فيها من أعلى نسب المشاركة في تاريخ الانتخابات المصرية، وكان الحضور فيها له دلالات تفوق في معانيها الانتخابات التي جرت بين الفريق أحمد شفيق والدكتور محمد مرسي، والتي شاب نتائجها تزويراً ما زال أمام القضاء، حيث كان الحضور ولأول مرة في إعادة انتخاب الرئيس السيسي من الطبقات المتعلمة أكثر من العوام، ومن المدن أكثر من الريف، ومن المحافظات الحضرية والقريبة من العاصمة أكثر من المحافظات النائية… كل ذلك يعبر عن أن إعادة الانتخاب تمت بوعي غير مسبوق، ولأول مرة تكون المدن هي التي تأتي بالرئيس وليس القرى والأرياف.. كل ذلك يرسل رسالة واضحة أن هناك وعياً لأهمية الدولة ودورها، وأن المصريين حريصون على بقاء دولتهم حتى وإن كانت المعاناة الاقتصادية لم تزل مستمرة.
وفي غوطة دمشق الشرقية انتهت آخر ورقة بيد الجماعات الممولة من قطر والمدعومة من تركيا، والتي تنتسب لتنظيم الإخوان تنظيميا أو فكرياً، وتبايع السلطان التركي الحالم بعودة الخلافة العثمانية، انتهى حلم تفكيك سوريا إلى كانتونات؛ لكل مدينة جيش وجماعة ومتحدث رسمي، ومشارك في جنيف والأستانة… انتهى هذا الحلم، وخرج هؤلاء الأُجراء عند النظام القطري من مدن الغوطة الشرقية بأسلوب يعبر عن حقيقتهم، إذ أنهم لم يهتموا إلا بتأمين عائلاتهم، وتركوا المجتمع الذي وعدوه بالثورة والتغيير وراءهم بدون اكتراث، كان تفاوضهم على سلامة أنفسهم وأسرهم، وضاعت كل المليارات التي أنفقتها قطر على هذه الجماعات، وانتهى حلم التفكيك.
وبالتزامن مع هذين الحدثين استمرت زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة التي اتخذها منصة للتعبير عن سياساته الجديدة التي ستحفظ وحدة السعودية، وستقضي على كل عوامل التوتر فيها، وتضعها على طريق المستقبل بصورة قوية وواثقة، لقد كان أهم ما في هذه الزيارة كم اللقاءات والتصريحات التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان، والتي تقول للجميع إن الدولة السعودية الرابعة ستكون مختلفة جداً، ستكون دولة عصرية بمعنى الكلمة، قادرة بشجاعة نادرة على مراجعة ذاتها، وتصحيح كل إشكالات الماضي، والتعامل بصراحة ووضوح وبدون مواربة أو مجاملة مع مصادر التوتر والتشتيت في المجتمع، والتخلص من كل العوائق التي تحول دون انطلاق الإنسان السعودي نحو البناء الحضاري على قيمه العربية الإسلامية.
يمكن بكل ثقة أن نخلص إلى أن العالم العربي قد اجتاز مرحلة تفكيك دوله، وستنتهي مشكلتا اليمن وليبيا بما يحفظ وحدة الدولتين ويحقق إرادة شعوبهما، وبذلك يمكن القول إن دور قطر والإخوان قد انتهى عند من كان يرعاهما في المجتمع الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة