لقد مثّل العام 2011 ذروة النشاط الإيراني مع هبوب (الربيع العربي) وما فعلته إيران كان «القشة التي قسمت ظهر البعير» في العلاقات معها.
هذا ما يحدث فعلياً على مدار ثلاث سنوات مضت على الأقل، فلقد غَيّرت السعودية تحديداً استراتيجيتها في التعاطي مع الدور التخريبي الإيراني، لم تكن عملية «عاصفة الحزم» مارس 2015م سوى نقطة التحول في التعامل الحازم مع السياسة الإيرانية التي وبالتأكيد كانت واحدة من أكثر الفاعلين في توترات المنطقة منذ العام 1979م، بداية من حرب السنوات الثماني مع العراق ثم إنشاء الأذرع المسلحة من حزب الله في الثمانينيات الميلادية، ووصولاً للتدخلات المباشرة أو غير المباشرة في الشؤون العربية الداخلية.
يعتبر خطاب ترامب من أشرس الخطابات الهجومية لرئيس أميركي، يتم توجيهها مباشرة لنظام سياسي معترف به دوليًا، ويُستخدم فيه لأول مرة مصطلح الخليج العربي، وأن الصواريخ الإيرانية تهدد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة
ولقد مثّل العام 2011م ذروة النشاط الإيراني مع هبوب ما يسمى (الربيع العربي)، وإذ لم تُشكل أحداث البحرين في 2011م مفاجأة كبرى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فهي كانت «القشة التي قسمت ظهر البعير» في العلاقات مع إيران، فهذه العلاقات التي كانت قائمة على حبل مشدود منذ سنوات عديدة، وصلت مع ثبوت الدور الإيراني في اضطرابات المنامة، إلى نقطة حاسمة، فإما أن تنجح طهران في إخضاع المملكة البحرينية، مؤكدة تمتعها بنفوذ في إحدى الدول الخليجية التي تعتبر على مرمى حجر من المملكة العربية السعودية، أو تنكفئ لتدرك أن دون هذا الهدف مخاطر جمّة.
وصلت الدبلوماسية السعودية أخيراً لما عملت عليه منذ سنوات فيما يمكننا أن نطلق عليه عملية (ترويض إيران)، فالإيرانيون استطاعوا في سنوات حكم الرئيس الأميركي باراك أوباما الحصول على الاتفاق النووي، كانت عقيدة أوباما ترتكز على أن الاتفاق سينجح في تهذيب سلوك طهران، وأنها ستتجه سياساتها إلى الاعتدال، وقد تزامنت هذه الأمنيات برعاية الثنائي جون كيري وزير الخارجية السابق والرئيس أوباما، ورغبات رأسمالية جامحة لدى شركات متعددة الجنسيات، أميركية وأوروبية المنشأ.
تشدد على ضرورة استغلال أسواق طهران المغلقة في وجه المسوّق الغربي وفتحها على مصراعيها، في ظل تراجع وتيرة الإنتاج العالمي وضعف الاستهلاك، معولة ومروجة في الوقت ذاته لتغير اجتماعي تدريجي يطرأ على الداخل الإيراني بفعل الانفتاح الاقتصادي المتوقع، فكان الاتفاق النووي والرفع الجزئي .
منذ يوليو 2015م دخل الاتفاق النووي واقعاً عملياً وتم ضخ مليارات الدولارات في السوق الإيرانية والنتيجة كانت مزيداً من التوحش الإيراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن؛ ومحاولات أكثر تصعيداً وصلت للهجوم على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد (يناير 2016م) مما قطع كل الشكوك بنجاع مقاربة أوباما بما يُمكن للاتفاق النووي أن يساهم في تعديل السلوك الإيراني، بل وصلت التطورات إلى ما هو أبعد من ذلك سواء من خلال التبجح باحتلال العواصم العربية أو من تهديد الأمن القومي العربي في اليمن، ومحاولة السيطرة على مضيق باب المندب.
الرئيس دونالد ترامب وفي العام الأول من ولايته لم يتغير خطابه المندد بالاتفاق النووي، وبيَّن الرئيس الأميركي بخطاب عن تعاون حلفاء المنطقة مع الإدارة الأميركية لبلورة قواعد محددة لعقيدة عسكرية صارمة لوضع حد لتصرفات إيران الإرهابية المزعزعة لاستقرار المنطقة، ومنع النظام الإيراني من امتلاك أي سلاح نووي.
وامتد الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي لقرابة الخمس عشرة دقيقة، بدأها بسرد تاريخ إيران الإرهابي؛ ليوضح للشعب الأميركي والعالم، أن الإدارة الحالية لا يتمحور اهتمامها حول الاتفاق النووي فقط، ولكنها رغبة الإدارة العسكرية الأميركية بالقضاء على النظام الإرهابي الإيراني بشكل كامل.
فذكر حادثة احتلال السفارة الأميركية عام 1979 في طهران، واحتجاز أكثر من ستين موظفًا أميركيًا لأكثر من عام، إضافة إلى أحداث إرهابية أخرى، كتفجير السفارة الأميركية في لبنان سنة 1983، وتفجيرات 1984، وتفجير الخبر سنة 1996. فسرد تلك الوقائع الإرهابية التي دبرتها إيران ليبين من خلالها أن النظام الإيراني، كما وصفه في خطابة: «نظام راديكالي ينشر الموت والدمار والفوضى في أنحاء العالم».
يعتبر خطاب ترامب من أشرس الخطابات الهجومية لرئيس أميركي، يتم توجيهها مباشرة لنظام سياسي معترف به دوليًا، ويُستخدم فيه لأول مرة مصطلح الخليج العربي، وأن الصواريخ الإيرانية تهدد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. كما قام ترامب بمهاجمة المرشد الأعلى بشكل مباشر، وهو بذلك يعد أول رئيس يوجِّه اللوم المباشر إلى المرشد الأعلى.
فتم اتهامه ـ بشكل مفصل ـ في بيان الاستراتيجية تحت عنوان (طبيعة النظام الإيراني تحت قيادة المرشد الأعلى خامنئي)، ذكر فيها أن خامنئي والحرس الثوري، قد اتبعا سياسة ثابتة في نشر الأيديولوجية الثورية بهدف تقويض النظام الدولي والعديد من الدول عبر القوة والتخريب، مستهدفًا بشكل رئيسي الولايات المتحدة، التي ما زال يسميها «الشيطان الأكبر». وأن النظام الإيراني تحت قيادة خامنئي، يصدر العنف ويزعزع استقرار المنطقة.
تعزيز العقوبات سينجح على أفضل وجه إذا ترافق بتدابير دبلوماسية وعسكرية واستخبارية ضمن حملة منسقة تستهدف أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، كما تكون العقوبات أكثر فعالية إذا تبنّاها تحالف دولي. ولطالما شكك الشركاء الأجانب بفعالية العقوبات الأميركية الأحادية الجانب عندما نُظر إليها كونها كثيرة التقلب.
وبالتالي، من المرجح أن يؤدي التركيز على السلوك الإيراني الذي ينتهك القواعد الدولية إلى استقطاب دعم متعدد الجوانب. وفيما يتصل بذلك، يزيد إظهار عزيمة دولية بشأن القضايا غير النووية من فرص التزام إيران بقيود الاتفاق في حد ذاته.
وفي إطار هذه المقاربة، يمكن أن تؤدي العقوبات دوراً أكثر فعالية من خلال اتباع استراتيجية متعددة الجوانب تقوم على تشديد العقوبات المتبقية، وتنفيذ تلك العقوبات بالكامل، وفرض عقوبات إضافية على الانتهاكات غير النووية، وتطبيق عقوبات نسبية عندما لا تحترم إيران أجزاء من الاتفاق النووي.
وصلت الدبلوماسية السعودية إلى أهداف مهمة بإعلان الخارجية الأميركية إطلاق منتدى أميركي سعودي إماراتي لمقاربة تحديات المنطقة، ومن بينها أنشطة إيران والحرب في اليمن، سياسة (ترويض إيران) لن تنتهي عند 11 مايو 2018م عندما يتخذ الرئيس ترامب قراره النهائي حيال الاتفاق النووي بل ستستمر في نطاق رؤية شاملة لمكافحة التطرف، فإيران واحدة من أضلع مثلث الشر الذي يتضمن تنظيم الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية المتطرفة.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة