تعتمد أغلب المناطق والقرى والمدن والأحياء القديمة في القارة الأفريقية على حركة الباعة المتجولين، كجزء أصيل من الحياة اليومية للناس، في جميع مناحي الحياة.
فحركة الباعة المتجولين مهنة لها تاريخ كبير وعريق في أفريقيا، ظلت توفر احتياجات جميع المجتمعات في دول القارة، تخطت كونها مهنة فقط لتصل إلى مرحلة الإرث التاريخي والثقافي المهم للشعوب في تلك المناطق سابقة الذكر.
وقد انتشرت كثقافة وسط المجتمعات الفنية، حيث كان من هؤلاء الأفراد كتاب وشعراء وفنانون وأدباء، لهم دور كبير في إثراء الساحات الفنية والأدبية لتلك المجتمعات التي يوجدون فيها، وكان لهم نصيب كبير لترفيه الناس في جميع المناسبات الوطنية والشعبية والدينية من خلال مشاركات مختلفة كان لهم فيها نصيب الأسد.
ولم يكتفِ الباعة المتجولون ببيع منتجاتهم فقط، بل عملوا في مجالات أخرى في السابق؛ مثل الطب الشعبي والتراث وكتاب الشعر وعرض الحكاوي والقصص عن الشعوب التي يتحركون فيما بينهم، كنوع من الترفيه الذي كان يقدم في المناسبات المختلفة، من خلال منصات ومسارح متجولة، يتم نصبها في الأسواق والطرقات العامة.
وباتت بعض المناطق في العديد من الدول تعرف بأسواق وأحياء شعبية، يكثر فيها الباعة المتجولون كجزء من الحراك الاقتصادي والمجتمعي لها، وتعتبر إرثًا مهمًا وجزءًا من تاريخ المناطق التي يتواجدون فيها.
ويحضر السياح والزوار إلى هذه المناطق للتعرف على الوجه الحقيقي لحياة المهن المختلفة للباعة المتجولين، كنوع من الثقافات وشراء بعض الأدوات منهم، وهي عادات وطقوس يمارسها عدد كبير من محبي السفر والترحال.
فحياة الباعة المتجولين من المهنيين والتجار كتب عنها العديد من القصص والحكايات والروايات في الأدب الأفريقي بمختلف اللغات المحلية والدولية، خاصة إبان فترة الاستعمار الأوروبي لأفريقيا، حيث كانت هنالك العديد من الملاحم التي لعب فيها هؤلاء الناس أدوارا كبيرة من خلال مشاركتهم في المظاهرات، ودعم المناضلين المطالبين بحقوق الشعوب واستقلال أفريقيا ودولها.
وفي ظل المدنية الحديثة التي اجتاحت العديد من دول العالم، باتت المهنة مزعجة للبعض في الكثير من المواقع، ويوجه إليها انتقادات وصفات عدة، مثل: "غير شرعي، وغير قانوني، وغير نظامي"، حتى اعتبرت أنها مهددة لبعض المواقع والشركات الكبيرة في مختلف المناطق.
واجه البعض من التجار المتجولين حملات تحت أسماء مختلفة، مثل: تنظيم المدن، وعدم توفر الأوراق القانونية، ما جعل أغلبهم يفقدون عملا ومهنًا ظلت لقرون توفر مأوى ورزقًا لأسر انتشرت أسماؤها تاريخيا، وتم تداولها من جيل لآخر، مما دفع البعض للابتعاد عن مناطقهم والهجرة. وضع أدى إلى انتهاء أبواب من التراث والثقافات التي كانت تصاحب المهن والأعمال اليومية، التي تسد رمق المبدعين الشعبيين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة