السودان 2018.. ضائقة اقتصادية تغيّر مجريات الوضع السياسي
للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود يواجه فيها السودان مصاعب اقتصادية تجلت في طوابير الوقود والخبز ونقص السيولة.
ربما تكون المرة الأولى منذ 3 عقود التي يواجه فيها السودان مصاعب اقتصادية كهذه التي عاناها خلال عام 2018، إذ حمل العام ما يمكن وصفه بـ"تراجيديا المعاناة" التي تجلت في طوابير الوقود والخبز ونقص "السيولة".
وأعادت هذه المصاعب ذاكرة السودانيين إلى أزمة البلاد في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، بيد أن المعاناة تحولت في نهاية العام إلى احتجاجات شعبية، للمطالبة بتحسين الظروف الاقتصادية، الأمر الذي دفع الرئيس السوداني عمر البشير إلى مخاطبة شعبه، مؤكدا أن الحكومة تعمل على تحسين الأوضاع المعيشية وماضية في تنفيذ مشروعات التنمية.
ووفقا لتقديرات خبراء ومهتمين تحدثوا لـ"العين الإخبارية" فإن واقع الاقتصاد السوداني الذي بدأ يتأزم مع مطلع العام الجاري ألقى بتداعيات سلبية غيّرت مجريات المشهد السياسي في البلاد، حيث شهد 2018 إقالة حكومة الوفاق الوطني بعد أقل من عام على تعيينها، وتقليص التمثيل الدبلوماسي الخارجي بنسبة 30%، وإعادة هيكلة كل مستويات الحكم؛ كل ذلك لدواعٍ مالية.
بداية الأزمة الاقتصادية وتجلياتها
بدأ الاقتصاد السوداني يتدهور، بداية من يناير/كانون الثاني الماضي، بعد اعتماد الحكومة ميزانية غلب عليها الطابع التقشفي، حيث قضت بتحريك السعر الرسمي للدولار الأمريكي من 6.5 جنيه إلى 18 جنيها سودانيا.
- "المركزي السوداني" يحدد 20 ألف جنيه شهريا كحد أقصى لسحب النقود
- السودان يعلن زيادة الأجور والمعاشات بموازنة 2019
ولم يمض وقت طويل على إجازة الموازنة العامة إلا وشهدت أسعار السلع الاستهلاكية غلاء فاحشا، وسط تصاعد غير مسبوق في معدلات التضخم التي ظلت ترتفع شهرا تلو الآخر إلى أن بلغت 69%، بجانب تراجع في قيمة العملة الوطنية "الجنيه" حتى وصل الدولار الأمريكي إلى 66 جنيها بالسوق السوداء بحلول شهر ديسمبر/كانون الأول.
صاحب كل ذلك نقص حاد في السيولة "الكاش" لدى المصارف السودانية، ما خلف معاناة بالغة لعملاء البنوك الذين يصطفون لساعات أمام الصرافات الآلية و"الكاونترات" للحصول على النقد، فضلا عن نقص مماثل في الوقود ودقيق الخبز.
الخبير الاقتصادي الدكتور علي إبراهيم يرى أن تدهور الاقتصاد السوداني خلال العام الجاري ينقل صورة كربونية لما حدث في منتصف ثمانينيات القرن الماضي إبان فترة الديمقراطية الثالثة (حكم الصادق المهدي)، الذي أعقبها استقرار اقتصادي على مدى 3 عقود.
وقال إبراهيم لـ"العين الإخبارية" إن "درجة الانحراف الاقتصادي كانت أقوى بكثير من المعالجات التي قادتها الحكومة والتي حملت الطابع الأمني، لا سيما في التعامل مع سوق النقد الأجنبي الموازية، ما أدى إلى تفاقم الوضع".
وأضاف: "الأخطاء التي صاحبت ميزانية العام المالي والإجراءات المنعية كقرار تحجيم السيولة مثلا أخلت بالتوازن الاقتصادي، ما زاد حدة التدهور وجعل 2018 الأسوأ على المواطنين السودانيين من الناحية المعيشية".
احتجاجات الغلاء
بعد أن تضاعفت أسعار السلع الاستهلاكية والخبز، تحرك المئات من المواطنين والمنسوبين للتنظيمات السياسية المعارضة في احتجاجات سلمية، خلال فبراير/شباط الماضي، وامتدت إلى نحو أسبوعين، تنديدا بما وصل إليه الوضع الاقتصادي، لكن السلطات الحكومية السودانية تمكنت من احتواء هذه المظاهرات دون خسائر بشرية أو مادية.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور علي إبراهيم إن هذه الاحتجاجات شكلت نقطة تحول كبيرة، ودفعت الحكومة السودانية إلى تعزيز إجراءاتها الاحترازية دون التفكير بشكل جدي في معالجة المطالب الاقتصادية للمتظاهرين، ما أدى إلى تفاقم الوضع.
وأشار إلى أن "الجهاز الاقتصادي السوداني أصر على الاستمرار في إنفاذ حزمة الإجراءات التي حملتها الموازنة العامة، ظنا منه أنها ستحدث استقرارا اقتصاديا، وعندما حدث التدهور تبنى معالجات بديلة، لكنها لم تفلح في وقف النزيف الاقتصادي".
إقالة حكومة الوفاق الوطني
أمام الأزمات الاقتصادية المتلاحقة اضطر الرئيس السوداني عمر البشير إلى حل حكومة الوفاق الوطني، برئاسة الجنرال بكري حسن صالح في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن تكمل عاما على تعيينها، وتم تشكيل حكومة جديدة برئاسة معتز موسى بعد أن تم تقليص عدد الوزراء على المستويين القومي والولائي.
حينها، برر البشير قراره بأنه جاء لدواعٍ اقتصادية، موضحا أن القرار يهدف إلى معالجة الأوضاع المعيشية التي تمر بها البلاد من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي.
ويرى المحلل السياسي عبداللطيف سعيد أن الرئيس السوداني لم يكن أمامه خيار سوى إقالة حكومة الوفاق الوطني، نسبة للترهل الذي لازمها ومساهمتها بصورة كبيرة في تأزم الوضع الاقتصادي، فضلاً عن فشلها في إيجاد حلول ناجزة توقف التدهور الحاصل.
وقال عبداللطيف لـ"العين الإخبارية" إن البشير أقدم على تغيير حكومي عاجل؛ لسببين (أولهما) امتصاص حالة الاحتقان في الشارع السوداني، لكون إقالة الحكومة تعطي أملا في تغيير الواقع المعيشي.
أما الدافع الثاني فيتركز في رغبة البشير في إبعاد بعض الفاعلين عن الملعب السياسي، خاصة أنه كان في مرحلة مفصلية تتصل بمستقبله للترشح لدورة رئاسية جديدة في 2020، بحسب عبداللطيف، الذي أضاف: "لم يخلُ قرار إقالة حكومة الوفاق من رغبة الرئيس الأكيدة في معالجة الوضع الاقتصادي عبر ترشيد الإنفاق العام".
المحلل السياسي أضاف: "الضائقة الاقتصادية في تقديري أثرت بشكل كبير في مجريات الوضع السياسي؛ لأنها كانت سببا في التعديل الوزاري وما تبعه من إعادة هيكلة لمستويات الحكم في البلاد".
متغيرات مهمة
ورغم سيطرة الأزمة الاقتصادية على المشهد العام في السودان فإن 2018 كان حافلاً بالعديد من الأحداث والمتغيرات على مختلف الأصعدة، حيث حظيت باهتمام مماثل محليا وإقليميا وعالميا.
سياسيا وبجانب حل حكومة الوفاق الوطني كانت إقالة مدير الأمن والمخابرات محمد عطاء الموالي، وتعيين مديره السابق صلاح عبدالله قوش في شهر فبراير/شباط الماضي حدثاً مهماً، أثار ردود أفعال واسعة لدى الشارع السوداني، لكون "قوش" عاد إلى هذا المنصب الرفيع بعد 10 سنوات من إبعاده.
كما نالت إقالة الرئيس السوداني عمر البشير لوزير خارجيته البروفيسور إبراهيم غندور أبريل/نيسان الماضي، اهتماما مماثلاً، فقد جاء إبعاده بعد يوم واحد من حديثه أمام برلمان بلاده الذي كشف خلاله أوضاعا صعبة يعيشها منسوبو البعثات الدبلوماسية وعدم تقاضيهم رواتب منذ 7 أشهر وقتها.
أما على المستوى الخارجي فقد شهدت علاقة السودان مع جواره تقدما كبيرا، لا سيما مع مصر التي شهدت العلاقات الثنائية معها نقلة نوعية في أعقاب زيارات متبادلة بين الرئيسين عمر البشير وعبدالفتاح السيسي وتفاهمات حول القضايا المشتركة.
ويقول نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السوداني متوكل محمود التجاني لـ"العين الإخبارية": "رغم العثرات الاقتصادية التي واجهت السودان في عام 2018م فإن كثيرا من الإشراقات والإنجازات تحققت وشكلت نقطة فارقة في تاريخه، ولعل أبرزها الدور الريادي الذي لعبه السودان لتحقيق السلام في جنوب السودان وأفريقيا الوسطى"، ثم زيارة البشير ديسمبر/كانون الأول الجاري لدمشق ولقاؤه بشار الأسد.
aXA6IDMuMTcuMTgxLjEyMiA= جزيرة ام اند امز