أسرار اللحظات الأولى من قتال السودان.. كيف نجا البرهان في "عقر داره"؟
صراعٌ أعدوا له ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل، وهموم مثقلة بأنين شظف العيش وصرخات القتال.. هكذا هي يوميات السودان منذ أربعة أسابيع.
بيْد أن اليوم الـ26 من القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حمل بين ثناياه حكايات وأسرارا مثيرة من ساحة المعركة.
حكايات اجترتها وكالة رويترز للأنباء، على لسان حراس شخصيين ومصادر لم تكشف عن هويتها، لتبقى معلقة بين الشك والحقيقة.
عندما اندلع الصراع في الخرطوم يوم الـ15 من أبريل/نيسان الماضي، بدا الأمر وكأنه قد يكون قتالا من جانب واحد.
لكن قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، سرعان ما وجد القوة الجوية والمدفعية وحدها لا تكفي لإيقاف رجال خصمه محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
فهؤلاء- وعلى ذمة عشرة مصادر تحدثت لرويترز- تمكنوا خلال الساعات الأولى من الصراع، من اقتحام مقر إقامة البرهان في عمق مقر قيادة الجيش، وسط الخرطوم.
البرهان بالبندقية
يقول أحد حراسه الشخصيين لرويترز إن "البرهان حمل بندقية كلاشينكوف وفتح النار بنفسه قبل أن يسحبه الأمن إلى مكان آمن"، وهي تفاصيل لم يُعلن عنها من قبل طرفي القتال، في أي وقت سابق.
الحارس الذي طلب عدم ذكر اسمه، ذكر أن "أكثر من 30 من حراس البرهان قتلوا في المعركة التي تلت ذلك، قبل انسحاب مقاتلي قوات الدعم السريع من مقر إقامتهم في العاصمة".
ولم يتسن لرويترز الوصول إلى ممثلين عن الجيش وقوات الدعم السريع للتعليق على أحداث المقر الرئاسي أو حول استراتيجية الجانبين.
كما لم يتسن لـ"العين الإخبارية" الوصول فورا إلى الجهات المعنية للتعليق على ما ورد في تقرير رويترز.
غير أن التفاصيل التي جاءت على لسان المصدر أعلاه، تشير إلى التكتيك المفضل لخصم البرهان، وهو القتال من مسافة قريبة واللعب على نقاط القوة في قوات الدعم السريع.
فبعد قرابة شهر من بدء القتال ، وعلى الرغم من الضربات الجوية شبه اليومية ، لم تخرج قوات الدعم السريع من العاصمة، حيث اتخذ عناصرها مواقع في مناطق سكنية وعدة مؤسسات رئيسية.
ومع استمرار الاشتباكات المسلحة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، لليوم الـ26 على التوالي، يعيش سكان العاصمة الخرطوم حالة من الرعب والخوف في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وخدمة الإنترنت والمياه وشح المواد الغذائية، وحشود النازحين نحو الحدود مع الدول المجاورة.
يقول أحد جنود قوات الدعم السريع عند نقطة تفتيش في الخرطوم: "نحتاج إلى البرهان وقواته ليقاتلونا وجها لوجه وليس بضربات جوية وطائرات بدون طيار. يجب أن يكونوا شجعان".
وفي حين أن حميدتي لديه عشرات الآلاف من القوات في الخرطوم ، فإن قوات البرهان الأكبر منتشرة في جميع أنحاء البلاد ونادرا ما تظهر في العاصمة ، مما يعطي خصومهم مساحة للانتشار والتحرك.
ونقلت "رويترز" عن شهود عيان أن قوات حميدتي، تتمركز في مبان حكومية مثل وزارة الداخلية ومباني الشرطة.
كما أنها "استولت على إمدادات كبيرة من الوقود، فيما نشرت قناصة على أسطح المنازل".
ولتشديد سيطرتهم، أقاموا نقاط تفتيش في جميع أنحاء الخرطوم ، يبحثون في بطاقات الهوية ويفتشون السيارات والأمتعة، في وقت اتهمهم سكان العاصمة بالنهب، وهو ما نفته قوات الدعم السريع.
حلفاء الأمس
على مدى السنوات الأربع منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية ، تقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السلطة.
فالبرهان يرأس مجلسا حاكما تم تشكيله بعد الإطاحة بالبشير في عام 2019 والإطاحة بالحكومة عام 2021، أما حميدتي ، فكان نائب البرهان.
وألقى البرهان باللوم في القتال على "طموحات" منافسه.
مصادر مقربة من حميدتي، قالت إن الأخير "يلعب لعبة طويلة ، وهي حرب استنزاف تهدف إلى إتاحة الفرصة له ليكون زعيما سياسيا من خلال المفاوضات".
وأسفرت المعارك بين الطرفين، حتى اليوم، عن مقتل أكثر من 500 شخص وإصابة الآلاف، وتعطيل إمدادات المساعدات ودفع قرابة 100 ألف لاجئ للفرار إلى الخارج، فضلا عن تحويل المناطق السكنية بالخرطوم إلى مناطق حرب.