في عامها الثالث.. «الإخوان» وقود حرب السودان

مع دخول الحرب السودانية عامها الثالث، باتت الصورة أكثر وضوحًا فيما يتعلق بالدور الخفي الذي تلعبه جماعة الإخوان في تعميق الأزمة وتعطيل محاولات الحلول السياسية.
وتعززت قناعة المراقبين بأن استمرار النزاع ليس فقط نتاجًا لصراع عسكري على السلطة. بل هو انعكاس لصراع أعمق تُديره من خلف الكواليس جماعة الإخوان، التي تغلغلت في مفاصل الجيش وتسعى إلى استعادة نفوذها القديم عبر البوابة العسكرية.
ورغم انهيار الدولة وتزايد الكارثة الإنسانية، يواصل طرفا النزاع—الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)—التمسك بخيار الحسم العسكري، في وقت يرى فيه محللون أن جماعة الإخوان تمثل الطرف الخفي الذي يقود المعركة ويعرقل مسارات التسوية السياسية.
- الإمارات في «العدل الدولية».. شمس الحقيقة تبدد ادعاءات جيش السودان
- قرقاش لـ«حكومة الجيش السوداني»: الاستحقاق الحقيقي هو الاستقرار ووقف الحرب
أحاديث خاصة لـ«العين الإخبارية» تكشف جانبًا من هذا المشهد المعقّد، وتضع الأصابع على الجرح: لا سلام دون كسر هيمنة الإسلاميين على الجيش، ولا حل دون فضح الأجندات التي حولت حربًا قابلة للاحتواء إلى مأساة إنسانية كبرى.
وفي خضم هذا النزاع، تسعى جماعة الإخوان، التي تملك تأثيرًا عميقًا في المؤسسة العسكرية، إلى تصدير الأزمة السودانية إلى الساحة الإقليمية والدولية عبر تحريف الحقائق واتهام أطراف خارجية، أبرزها دولة الإمارات، بمحاولة التدخل في الشؤون الداخلية للسودان.
محاولات تصدير الأزمة لا تقتصر على استهداف دولة الإمارات فقط، بل تشمل أيضًا نشر روايات مغلوطة عن أسباب الأزمة، التي يروجها الإخوان بهدف إخفاء مسؤوليتهم في تأجيج الصراع.
ومن خلال تحريف الحقائق، تعمل الجماعة على تحويل الأنظار بعيدًا عن دورها في إدامة الحرب، في الوقت الذي تستمر فيه محاولاتها لإعادة بناء نفوذها في الجيش السوداني. هذه التصرفات ليس فقط تسهم في استمرار النزاع، بل تزيد من تعقيد عملية السلام، ما يجعل الحلول السياسية أكثر صعوبة.
الأجندة الأخطر.. «الإخوان» بالجيش
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد المختار، في حديث خاص لـ«العين الإخبارية» أن «جماعة الإخوان هي المحرك الأساسي لهذه الحرب، وهي من تسعى لاستمرارها عبر سيطرتها على المؤسسة العسكرية».
ويرى المختار أن «الجيش، الواقع تحت نفوذ الإسلاميين، يرفض أي تسوية سياسية حقيقية، ويتهرب من كل منابر الحوار، من جدة إلى جنيف».
ويضيف: «الوساطة السعودية–الأمريكية كانت بارقة أمل حقيقية في بداية الحرب، لكن الجماعة دفعت لإفشالها، محولة النزاع إلى حرب وجودية يقودها خطاب الكراهية والعنف الديني، الذي تتبناه الكتائب الإسلاموية المتغلغلة في المشهد العسكري».
الإخوان وتصدير الأزمة
ويحذر المختار من محاولات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان إعادة تصدير الأزمة بوصفها «صراعًا إقليميًا»، هروبًا من استحقاقات داخلية تتعلق بإبعاد الحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب، وأفشلت كل محاولات إيقافها، عن الجيش، وفتح مسار تفاوض وطني يعبّد الطريق للسلام.
وحسب ما يراه محللون، فإن هذه الادعاءات ليست سوى محاولة للتغطية على المسؤولية الحقيقية لجماعة الإخوان داخل الجيش السوداني، وتوجيه الأنظار بعيدًا عن استحقاقاتهم الداخلية، خاصة فيما يتعلق بكيفية إنهاء الحرب وتحقيق التسوية.
ويُظهر هذا السلوك بوضوح كيف تسعى الجماعة لاستغلال المعركة وتسييسها في محاولة لتحويل الأنظار عن دورها المباشر في استمرار الحرب، متجاهلين العواقب الوخيمة التي خلفتها تصرفاتهم على المدنيين السودانيين.
وكان أبرز محاولات حكومة جيش السودان لإعادة تصدير الأزمة، دعواها في محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات، والتي كشف بوضوح أن الجانب السوداني لم يكن يمتلك دلائل قاطعة لدعم اتهاماته.
فالاتهامات السودانية ظهرت على أنها اتهامات مبنية على أكاذيب ووقائع مفبركة، خاصة عندما غيرت حكومة السودان ادعاءاتها قبل موعد جلسة الاستماع، بعد أن كانت قد قدمت الدعوى منذ أكثر من شهر.
ومن خلال طلب خفض معايير الأدلة وتغيير نهج الولاية القضائية، يتضح أن هذه الطلبات جاءت لدعم مزاعم لا أساس لها من الصحة.
وينعكس هذا الوضع من خلال تقرير اللجنة الأممية المعنية بالسودان، الذي يثبت غياب الأدلة الكافية ضد الإمارات، بل ويؤكد على أن المزاعم الموجهة ضدها لم تستوفِ الحد الأدنى من المعايير المطلوبة.
وأكدت دولة الإمارات أن هذه الاتهامات هي جزء من حملة ممنهجة تستهدف المساس بسياستها الخارجية ودورها الإقليمي، والذي تقف وراءه جماعات معادية، مثل الإخوان الذين يسيطرون على مؤسسات الدولة في السودان، بما في ذلك الجيش السوداني.
وتستمر دولة الإمارات في التأكيد على ضرورة المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها الطرفان المتحاربان، ولكنها تؤكد في الوقت نفسه على أن القوات المسلحة السودانية لا تزال تهرب من أي محاولات للسلام، مما يفاقم المعاناة الإنسانية ويزيد من تعقيد الأزمة.
ويرتبط هذا بنهج الجيش السوداني الذي يصر على الحل العسكري، رغم رفضه العودة إلى المفاوضات والجلوس على طاولة الحوار.
وفي إطار التزامها بدعم السلام والحلول السلمية، تدعو دولة الإمارات المجتمع الدولي إلى الضغط على الجيش السوداني لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بعيداً عن الأيديولوجيا، وذلك بهدف إيجاد مسار تفاوضي يعيد للسودان استقراره ويساهم في التوصل إلى سلام دائم.
وأكدت دولة الإمارات أنها ستظل على استعداد دائم للقيام بدورها المعتاد كشريك في مساعي السلام، وهو التزام يعكس رؤيتها المستمرة لتعزيز الازدهار والتنمية المستدامة في كل أنحاء أفريقيا والعالم، وستبذل كل جهد ممكن لتعزيز فرص السلام، لأن الشعب السوداني يستحق مستقبلاً قائمًا على السلم والكرامة، ويستحق قيادة تضع مصالحه واحتياجاته في المقام الأول.
ما الحل؟
وتابع المختار: «الحل الوحيد يكمن في ضغط دولي جاد لإجبار الجيش على الانفكاك من قبضة الحركة الإسلامية، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية بعيدًا عن الأيديولوجيا».
إضافة إلى «دفع الاستحقاقات التي تقطع مع الأزمة السودانية وتؤسس لمرحلة جديدة قد تسفر إلى حل ووقف مأساة الشعب السوداني الإنسانية، وفي حال فشل ذلك ستذهب الحرب لجولة جديدة أكثر دموية ويكون الحسم العسكري هو الحل».
وهذا ما أكدت عليه دولة الإمارات بأن الجيش السوداني أمام خيارين: إما أن يتحمل المسؤولية ويعمل بشكل إيجابي مع المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة، أو أن يواصل تحميل الآخرين، مثل الإمارات، المسؤولية.
ورغم محاولات التهرب، إلا أن الحقائق على الأرض لا تقبل التلاعب، فالجيش السوداني يتحمل المسؤولية عما يحدث، إذا لم يتفاعل بشكل إيجابي مع الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب ويقبل الحل السلمي.
البرهان.. لا نية للحل
لا يبدو أن التصريحات المتكررة لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان تبشر بأي انفراج قريب. فقد أعلن مرارًا أن أي تفاوض سيكون فقط حول «شروط استسلام الدعم السريع».
وهذه التصريحات تعكس قناعته بإمكانية الحسم العسكري، متجاهلا ملايين النازحين واللاجئين الذين ينتظرون نهاية حرب لا أفق لها.
ويقول المحلل محمد الأسباط لـ«العين الإخبارية»، إنه «لا يمكن الحديث عن تسوية دون ضغط إقليمي ودولي حقيقي يفرض السلام فرضًا».
رأي عام مكبّل.. وأغلبية صامتة
ويرى الكاتب والمحلل أنور سليمان أن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب يتمثل في «تحرير الرأي العام السوداني من الخوف، وتمكين القوى المدنية المطالبة بالسلام».
وقال في حديثه لـ«العين الإخبارية»: «أغلبية السودانيين ترفض الحرب، لكن هذا الصوت مُغيّب، في ظل هيمنة كاملة للرأي العام الممول والداعم للعنف، والذي تُفتح أمامه المنصات الإعلامية والسياسية».
وأضاف: «تفكيك هذه المنظومة الموجّهة يتطلب دورًا نشطًا من القوى المدنية وتحالف «صمود/ تقدم»، لتحرير المشهد من قبضة الصوت الواحد الذي يفرضه دعاة الحرب».
غياب الإرادة السياسية
وفي سياق متصل، قال المحلل محمد الأسباط إن الأزمة تتمثل في «افتقار الطرفين إلى الإرادة الحقيقية لوقف الحرب».
وأوضح لـ«العين الإخبارية»: «لا يمكن الحديث عن تسوية دون ضغط إقليمي ودولي حقيقي يفرض السلام فرضًا، لأن قيادات الصراع، سواء في الجيش أو الدعم السريع، تراهن فقط على السلاح».
مأساة إنسانية تتسع
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، تسببت الحرب في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، ونزوح ولجوء أكثر من 14 مليونًا، فيما تقدر دراسات أكاديمية أمريكية أن العدد الفعلي للضحايا قد يصل إلى 130 ألف قتيل.
وبينما تمتد رقعة الحرب إلى 13 ولاية من أصل 18، يواجه السودانيون خطر المجاعة، وتفتك الأمراض والمجاعة بملايين المدنيين في ظل تدهور كامل للبنية التحتية وانهيار المنظومة الصحية.
ويعيش السودان واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن، حربٌ لا تبقي ولا تذر، وأزمة مركّبة تتجاوز الأبعاد العسكرية إلى صراع على هوية الدولة يمضي بالبلاد نحو هاوية التقسيم والفوضى.
aXA6IDE4LjExNy43OS45MiA= جزيرة ام اند امز