«المفاوضات» لحل أزمة السودان.. «إجماع دولي» يصطدم بالإخوان

إجماع دولي غير مسبوق على أن التفاوض هو الطريق الوحيد لإنهاء الحرب المستعرة في السودان، رفع آمال إنهاء الصراع.
هذا التوافق، الذي ظهر خلال اجتماع الأطراف الدولية والإقليمية بخصوص الأزمة السودانية على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80 في نيويورك، دفع مراقبين ومحللين تحدثت إليهم «العين الإخبارية» لوصفه بأنه يمثل فرصة تاريخية لوقف نزيف الدم، وبناء مسار سياسي جديد يعيد للدولة استقرارها، ويجنب المنطقة مزيدًا من التداعيات الأمنية والإنسانية.
لكنهم حذروا في المقابل، من تحركات جماعة الإخوان وحلفاؤها التي تسعى لإبقاء السودان رهينة لصراع بلا أفق، عبر إذكاء العنف وتعطيل أي مسار للتسوية.
- نفوذ بالوكالة.. كيف استحوذت عائلة البرهان على ذهب السودان؟
- «الرباعية» وأزمة السودان.. تأكيدات على أهمية إنهاء الصراع واستعادة السلام
فبينما تتجمع إرادة العالم لدفع السودانيين نحو حل سياسي يضمن بقاء الدولة، يصر الإخوان على الرهان على الحرب كخيار وحيد، ما يجعلهم في مواجهة مباشرة مع تطلعات الشعب وإجماع المجتمع الدولي.
مظلة سياسية موحدة
الدكتور عبدالناصر سُلم، كبير الباحثين ومدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في «فوكس» السويد، يرى خلال حديثه لـ«العين الإخبارية» أن اجتماع كبار الفاعلين الدوليين والإقليميين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لا يُعتبر مجرد لقاء بروتوكولي، بل يعكس تحولًا في ميزان التعامل الدولي مع الأزمة السودانية.
وقال سُلم: «لأول مرة منذ اندلاع الحرب، هناك شبه إجماع دولي–إقليمي على أن الحل العسكري غير ممكن، وأن الانتقال المدني قصير المدى هو السبيل الوحيد لإعادة بناء مؤسسات الدولة».
ولفت سُلم إلى أن هذا التوافق يُقلل من حالة التنافس بين الوسطاء الإقليميين، ويؤسس لما يمكن تسميته بـ«مظلّة سياسية موحّدة» قادرة على الضغط الفعلي.
وأوضح أن جهود «نيويورك» قد تمثل بداية توحيد الإرادة الدولية والإقليمية، لكن نجاحها مرهون بتحويل البيانات إلى اختبارات عملية على الأرض، قائلاً: «إذا تمكنت هذه الجهود من تحقيق اختراق إنساني سريع، فإن ذلك سيمنح السودانيين بصيص أمل ويعيد الثقة في جدوى رؤية المجتمع الدولي».
تحديات في الطريق
وفيما يتعلق بالتحديات التي قد تواجه الجهود الدولية والإقليمية لإنهاء النزاع، أوضح الدكتور عبدالناصر سُلم لـ«العين الإخبارية» أن هناك شواغر عديدة في محتوى الرؤية الدولية لإنهاء النزاع ينبغي سدها، بحيث تكون رؤية شاملة وليست مقتصرة على توصيف الأزمة فقط.
وطبقاً لحديثه، فإن خارطة الطريق ينبغي أن تكون مصحوبة بخطة عملية تستوعب الآتي:
• الفجوة الإنسانية: من دون تمويل كافٍ واستعداد لوجستي لإيصال المساعدات عبر ممرات آمنة، ستظل الوعود فارغة.
• نجاح إدخال قوافل مساعدات منتظمة إلى الفاشر شمال دارفور وبقية المناطق المتأثرة بالنزاعات بنسبة لا تقل عن 70% من حجم الاحتياج المعلن.
• إعلان وقف قصف مدفعي وجوي داخل المدن، مع نشر تقارير أسبوعية للامتثال.
• إصدار «مدوّنة مبادئ انتقال» مدعومة من الاتحاد الأفريقي ودول الرباعية، بجدول زمني لا يتجاوز تسعة أشهر.
فرصة تاريخية كبرى
المحلل السياسي السوداني حاتم طه أكد لـ«العين الإخبارية» أن هذا الإجماع الدولي والإقليمي الكبير والمصطف خلف الدعوة لإنهاء الحرب، يضع القوى السياسية والمجتمعية في الداخل السوداني أمام فرصة تاريخية كبرى قد لا تتكرر قريباً، داعياً السودانيين لاستثمار هذا الزخم الدولي في توحيد الجبهة الداخلية الرافضة للحرب وهيمنة المؤسسة العسكرية.
وقال طه: «لأول مرة في تاريخ السودان، يتزامن انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة مع وجود جهود دولية وإقليمية مبذولة بشأن مصير الدولة السودانية ومستقبل وجودها بين الأمم».
وأضاف: «حتى كلمة الأمين العام للأمم المتحدة في افتتاحية الدورة الـ80 جاءت لتؤكد أنه لا حل عسكرياً للأزمة السودانية، وهو موقف ينسجم مع قناعة المجتمع الدولي بضرورة العودة إلى مسار سياسي تفاوضي».
وبحسب طه، فإن التحدي الأكبر يظل بداخل السودان، مشيراً إلى أن شبكات التنظيم الإخواني ما تزال ممسكة بمفاصل الدولة وتجيد الالتفاف على أي مسار يهدد نفوذها، وهي التي تدفع الجيش السوداني إلى خوض حرب استنزاف لا أفق لها.
واعتبر أن الطريق إلى مفاوضات ناجحة يتطلب آليات مزدوجة، لخصها في:
- عقوبات صارمة تستهدف شبكات التمويل والواجهات الاقتصادية والعسكرية لتنظيم الإخوان.
- تقابلها حوافز مشروطة مثل تخفيف الديون أو فتح مسارات إعادة الإعمار.
- شريطة التزام الأطراف بوقف إطلاق النار والدخول في عملية سياسية شاملة.
وأكد طه أن «من دون هذا المزيج بين الضغط والحوافز، ستظل كل مبادرة أسيرة التناقضات، ويظل السودانيون رهائن لحرب لا تعترف بحدود ولا بضحايا».
إجماع دولي
وكان ممثلو الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، بجانب وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، قد عقدوا اجتماعاً موسعاً الخميس الماضي في نيويورك مع وزراء وممثلي دولة الإمارات وكندا وتشاد والدنمارك وجيبوتي ومصر وإثيوبيا والإيغاد وكينيا والسعودية وجامعة الدول العربية وليبيا والنرويج وقطر وجنوب السودان وسويسرا وتركيا وأوغندا والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.
وحث الاجتماع أطراف النزاع في السودان على استئناف المفاوضات المباشرة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، مؤكدين استعدادهم لاتخاذ مزيد من الإجراءات لدعم هذا المسار.
كما دعوا إلى هدنة إنسانية في مدينة الفاشر وفق مقترح الأمم المتحدة، والامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2736 (2024).
وفي بيان مشترك، عبر المجتمعون عن اتفاقهم على حماية البنية التحتية الحيوية وضمان حماية المدنيين، وأكدوا رفضهم إنشاء هياكل حكم موازية أو أي إجراءات تهدد تطلعات الشعب السوداني. كما جدد البيان دعم بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة بشأن السودان والمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم الدولية والفظائع.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMzUg جزيرة ام اند امز