«تدجين» الإرهاب بالسودان.. «العين الإخبارية» تتعقب ذباب الإخوان خلف الشاشات

نحو 50 موقعًا إلكترونيًا وحسابات بأسماء وهمية على منصات التواصل الاجتماعي خرجت من جلباب تنظيم الإخوان الإرهابي، لتسمم عقول السودانيين.
وحصلت "العين الإخبارية" على معلومات حول العديد من هذه المواقع الإلكترونية والحسابات الوهمية، التي تشترك جميعها في التحريض على الحرب، ورفض أي حلول تقوم على التفاوض السلمي، عبر التنسيق المحكم بينها في إطار حملات إعلامية منتظمة ضد مبدأ إيقاف الحرب، وتخوين كل من يؤيد هذا المبدأ.
كتائب إخوانية
منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، تصدّر تنظيم الإخوان المشهد في السودان، سواء عبر أذرعه العسكرية، مثل لواء البراء بن مالك، وقوات العمل الخاص، وهيئة العمليات العسكرية التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، أو عبر العديد من المنصات الإعلامية والصحفية التي تخدم أجندة التنظيم وتتبنى مواقفه.
ونشر مغردون عدة مقاطع فيديو تكشف الأفكار المتطرفة لـ"لواء البراء بن مالك"، الذراع العسكرية لتنظيم الإخوان الإرهابي، والذي يقاتل إلى جانب الجيش السوداني.
ويظهر في أحد المقاطع قائد اللواء الإخواني، المصباح أبوزيد طلحة، يعلن نيته نقل القتال إلى أي بقعة في العالم تحت ذريعة "نصرة المستضعفين"، في خطاب يشبه أدبيات تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي لا يعترف بحدود أو أوطان.
وفي مقطع آخر، يظهر أحد عناصر اللواء الإرهابي مدججًا بالسلاح وهو يهدد بتوجيه سلاحه إلى المواطنين الذين ينتمون إلى ثورة ديسمبر (كانون الأول 2019)، التي قامت ضد حكم الإخوان في السودان.
وبرع التنظيم الإخواني في السودان، خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير، في إنشاء ما يعرف بـ"الكتائب الجهادية الإلكترونية"، وهي مجموعة حسابات بأسماء وهمية على منصات التواصل الاجتماعي (إكس، وإنستغرام، وفيس بوك).
ونشطت هذه الكتائب في الترويج لخطابات إعلامية معادية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمؤسسات العدلية الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن استعداء قوى المعارضة السودانية ووصفها بالخيانة والعمالة والارتزاق.
بيئة فوضوية
وفي الفترة الحالية، تشهد هذه الكتائب الإلكترونية عودة جديدة ونشاطًا محمومًا، إذ تديرها غرف إعلام تتبع للتنظيم الإخواني، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء ممولين لهذه المواقع.
واستفادت هذه الحسابات من بيئة فوضوية سببها الوضع الأمني في السودان، ويتركز نشاطها على تحريض الجيش السوداني على مواصلة الحرب، ورفض أي نداءات دولية أو إقليمية تدعو إلى وقفها عبر مسار المفاوضات.
كما تؤدي وظيفة أخرى تتمثل في "شيطنة" القوى المدنية الديمقراطية المنحازة إلى شعارات الثورة السودانية، وتخريب علاقاتها مع شباب الثورة، حتى لا تكون بديلًا للقوى العسكرية في حكم البلاد.
أمثلة وشواهد
الكاتب الصحفي رئيس تحرير موقع "إدراك" الإلكتروني، إيهاب مادبو، أوضح لـ"العين الإخبارية" أن تلك الحسابات المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، "تم تصميم معظمها من قِبل غرف التنظيم الإخواني منذ فترة طويلة".
وأشار إلى أن التنظيم "لجأ لهذه الحسابات منذ العام 2013 لكبح جماح الثورة السودانية، لكنها تراجعت خلال فترات الحراك الثوري الناجح منذ مطلع 2019".
وأضاف مادبو: "عادت هذه الحسابات الوهمية من جديد وهي أكثر نشاطًا منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، وهي المسؤول الأول عن الترويج لخطاب الكراهية ودعم الإرهاب، من خلال خلق نجومية إعلامية لقيادات المليشيات الإرهابية مثل لواء البراء بن مالك".
وأوضح أن من أبرز هذه الحسابات حسابات بأسماء: "عماد أبوشيبة"، و"سارة رحمة"، و"محمد البلوشي"، مضيفا: "هذه حسابات معروفة، صنعتها أجهزة التنظيم الإخواني، وساهمت في الإيقاع بكثير من الناشطين وتسببت في اعتقالهم".
وخصّ مادبو بالذكر حساب "عمر الفاروق" المعروف بـ"ممو"، وهو سوداني ظهر مؤخرًا مع لواء "البراء بن مالك"، ويعد "متهما رئيسيا في أعمال عنف تُنسب للمليشيات"، على حد قوله.
كذلك أشار إلى حساب آخر باسم "حسبو السناري"، قائلًا إنه "كان يقف خلف الانتهاكات ضد المدنيين في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في فبراير/شباط 2025".
حملات التشويه
منذ اندلاع الحرب، تواجه القوى المدنية السياسية هجومًا شرسًا من أنصار الجيش السوداني بسبب تمسكها بمبدأ إيقاف الحرب.
المصباح أحمد محمد، رئيس دائرة الإعلام في حزب الأمة القومي، صرّح لـ"العين الإخبارية"، بأن هذه القوى رغم مواقفها الوطنية والأخلاقية، "تتعرض لحملات تشويه ممنهجة تهدف إلى تضليل الرأي العام، وخلق صورة سلبية عنها، وإفشال المبادرات الساعية لإنهاء الحرب وإنقاذ البلاد من الانهيار".
وأكد أن محاولات إقصاء القوى المدنية "تؤكد وجود نية لتصفية الثورة وإعادة إنتاج النظام البائد عبر حرب يديرها (الجنرالات) وكتائب الإسلاميين".
حسابات ملغومة
فيما حذر أكاديميون وإعلاميون عبر منصة "إكس" من حسابات تبث خطابًا يُمجد "الجهاد العنيف"، وتستهدف تجنيد الشباب.
الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز "تريندز" للبحوث والاستشارات بدولة الإمارات، حذر من صفحات تدعم سلطة بورتسودان وتروج لجماعات إرهابية مثل لواء البراء بن مالك.
كما حذرت منى بوسمرة، مديرة أكاديمية دبي للإعلام، من "تصريحات إرهابية تكشف مشروعًا خطيرًا يتجاوز السودان".
من جانبه، نبّه الأكاديمي الإماراتي عبدالخالق عبدالله إلى أن السودان يغرق مجددًا في مستنقع الإرهاب، محذرًا من بروز لواء البراء بن مالك كأكبر تنظيم داعم لسلطة بورتسودان.
تحذير من "الدواعش"
إلى ذلك، شارك سودانيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحذيرات من خطر الإخوان سواء إلكترونيا أو ميدانيا.
إذ كتب محمد الخاتم: "احذروا دواعش السودان.. إنهم خطر على الإسلام وعلى السودان".
كما نشر حساب باسم "د. عمرو عبدالله" فيديو لأحد عناصر "فيلق البراء بن مالك"، وهو يهدد بتوجيه سلاحه ضد المدنيين الذين شاركوا في ثورة ديسمبر/كانون الأول.
الناشطة هبة الوسيلة غرّدت: "الحاصل في السودان ما حرب أهلية كما صُوِّر، بل حرب ضد السودان"، مضيفة أن "الجيش يرفض السلام ويتلقى تعليماته من الإسلاميين المتطرفين، الذين أشعلوا الحرب ضد الثورة".
مليشيات "الإخوان"
وبحسب تقارير صحفية، فإن "البراء بن مالك" إحدى كتائب "الدفاع الشعبي" التي أسستها الحركة الإسلامية خلال التسعينيات، لدعم الجيش السوداني في حربه ضد الحركة الشعبية.
وبعد سنوات من العمل في الظل، عادت الكتيبة للظهور بعد اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، بقيادة المصباح أبوزيد طلحة، الذي خلف أنس عمر، رئيس حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم سابقًا، والمعتقل من قِبل قوات الدعم السريع في بداية الحرب.
ويُعرف أنس عمر بتطرفه الشديد وانتمائه العميق للتنظيم الإخواني، وعدائه للقوى المدنية والسياسية التي قادت الثورة ضد نظام البشير في أبريل/نيسان 2019.
وفي وقت سابق، كشف مصدر أمني لـ"العين الإخبارية" أن إشراك "البراء بن مالك" في الحرب إلى جانب الجيش هدفه تنفيذ أجندات التنظيم الإخواني.