بقدر ما يمثل السودان اليوم جرحاً مفتوحاً في جسد القارة الأفريقية، فإن المشهد السوداني يتفاقم على وقع انهيار الدولة المركزية وتفكك مؤسساتها السيادية.
فالسودان الذي كان إلى وقت قريب معبراً محورياً بين شمال أفريقيا ووسط القارة وساحل البحر الأحمر، بات اليوم ساحة مفتوحة لصراعات على السلطة بامتياز، في ظل أخطاء وتجاوزات ترتكبها القوات المسلحة السودانية عبر زمرة بورتسودان.
في قلب هذا المشهد المأزوم، تبرز الإمارات برؤيتها تجاه السودان، التي تعتبر استقرار هذا البلد جزءاً من معادلة الأمن الاستراتيجي لمنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. ومن هذا المنطلق، تحرص الإمارات على إنقاذ السودان من الانهيار، وتخفيف المعاناة الإنسانية، ووقف الحرب والاتجاه نحو حكم مدني يدير عجلة التنمية، ويحفظ الاستقرار، ويضمن الأمن للشعب السوداني الشقيق. وفي الوقت نفسه تنفي بشكل متكرر أي تورط مباشر في دعم أي من طرفي النزاع العسكري، رافعة شعار الحل السياسي، وضرورة العودة إلى المسار المدني.
الاتهامات التي وجهتها القوات المسلحة السودانية للإمارات سقطت بعدما رفضت محكمة العدل الدولية الدعوى، لكن زمرة بورتسودان لم تتوقف عن ارتكاب الأخطاء، وأعلنت قطع العلاقات مع الإمارات، وجاء رد الإمارات واضحاً من خلال تصريح لمعالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، مؤكداً أن دولة الإمارات العربية المتحدة تتمسك بالعلاقات التاريخية مع السودان الشقيق وترفض قرارات سلطة أحد أطراف الحرب بشأن قطع العلاقات بين البلدين، وأن الإمارات تجدد الدعوة للسلام والقيادة المدنية المستقلة، وتؤكد أيضاً حرصها على الجالية السودانية الكريمة والزائرين، وعلى استمرار جهود الإمارات الإنسانية ومدّ يد العون للشعب السوداني الشقيق.
غير أن التحدي الأكبر يكمن في هشاشة المشهد السوداني الداخلي كنتيجة للأخطاء المستمرة التي ترتكبها زمرة بورتسودان، حيث لا يلوح في الأفق أي مؤشر على قدرة القوى المدنية أو العسكرية على فرض حل مستدام، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع حدة الاستقطاب القبلي والجهوي. كما أن استمرار النزاع يحمل في طياته مخاطر تمدد الفوضى إلى دول الجوار، خصوصاً تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، وهو ما من شأنه أن يعيد رسم الخرائط الجيوسياسية للمنطقة بأسرها، ويزيد من تعقيد الحسابات الأمنية للدول المطلة على البحر الأحمر، التي تعتمد بشكل أساسي على استقرار السودان لضمان أمن ممراتها البحرية وخطوط إمداداتها الاستراتيجية.
في ظل هذا الواقع، يبدو أن الإمارات تدرك أن إدارة الأزمة السودانية تتطلب أكثر من مجرد بيانات دبلوماسية، وتحتاج تحركات إنسانية عاجلة، متبوعة بهندسة سياسية دقيقة تعيد صياغة العقد الاجتماعي والسياسي السوداني على أسس جديدة تتجاوز منطق الغلبة العسكرية والانقلابات المتكررة.
ومن هنا تأتي دعوات الإمارات المتكررة إلى ضرورة تشكيل قيادة مدنية مستقلة تعكس تطلعات الشعب السوداني وتضع حداً لحالة الانقسام التي تهدد وجود الدولة السودانية ذاتها.
ومع ذلك، يبقى الرهان الحقيقي معلقاً على قدرة الأمم المتحدة على إجبار الأطراف المتصارعة على الجلوس إلى طاولة الحوار دون شروط مسبقة، في ظل قناعة متزايدة بأن أي تأخير في حسم المسار السياسي سيضاعف من الكلفة الإنسانية ويفتح المجال أمام زمرة بورتسودان لإعادة إنتاج الفوضى تحت مسميات جديدة.
ومن هنا فإن السودان يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، إما أن يتحول إلى بؤرة صراع مفتوح تؤججه زمرة بورتسودان، ويهدد أمن المنطقة بأسرها، أو أن يجد في المبادرات الإقليمية والدولية فرصة حقيقية للعودة إلى مسار الدولة المدنية التي طالما كانت حلماً مؤجلاً لشعب يستحق السلام.
نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة