11 أبريل السودان.. أمل الاتزان بعد عبور زلزال "الكيزان"
في مثل هذا اليوم، علا صوت المتظاهرين في اعتصام الخرطوم "سقطت خلاص"، مدشنين لحظة العبور لسودان جديد.
سودان منفتح على القريب والبعيد، وخالٍ من "الكيزان" كما يحلو للسودانيين إطلاق هذا الاسم على نظام الإخوان بقيادة عمر البشير الذي جثم على صدر البلاد ثلاثين عاما.
ففي الـ11من أبريل/نيسان 2019، اقتلع السودانيون جذور حكم الإخوان، بعد أشهر زحفت فيها ثورة شعبية انطلقت شرارتها من مدينة عطبرة شمالي البلاد، حتى امتدت لتشمل بقية القرى والمدن، إلى أن تُوجت بعزل البشير في ذلك التاريخ.
نهايةٌ كُتِبت بعد صمود المتظاهرين في اعتصامهم أمام قيادة الجيش لمدة 5 أيام، أمطرت خلالها مليشيات الجماعة المعتصمين بالرصاص والترهيب في محاولة لتفريقهم، وسط دفاع مستميت من عناصر القوات المسلحة.
صفحة جديدة
وتمر الذكرى الثانية لعزل البشير وخلفه نظام الإخوان، والسودانيون يشعرون بالسعادة لطي هذه الصفحة السوداء من الحكم المستبد رغم العثرات الكبيرة التي واجهت مسار الانتقال الديمقراطي.
ويتباهي طيف سوداني واسع بالإنجازات التي تحققت حتى الآن بفضل التغيير السياسي، وفي مقدمتها إعادة بلادهم للمنظومة الدولية وتشييع عزلتها، ومغادرة لائحة الإرهاب، وبسط الحريات ووقف الحرب، ورد الكرامة الإنسانية المسلوبة لعقود.
ويعطي الانفتاح الخارجي، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تنفيذه حاليا، كثيرا من الأمل في طي حقبة الفقر والتدهور المعيشي في السودان لتنطلق البلاد مترامية الأطراف نحو النمو والازدهار.
يقول المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم إن عودة السودان إلى المجتمع الدولي والتعامل معه وقادته، وإزالة تهم الإرهاب عنه، يمثل كبرى الإنجازات التي تحققت بفضل التغيير السياسي في البلاد.
ومن بين أعظم إنجازات التغيير أيضا، برأي عبدالعظيم- "إسكات صوت البنادق بفضل اتفاق جوبا لسلام السودان وإعلان المبادئ المبرم مع الحركة الشعبية شمال، قيادة عبدالعزيز الحلو الذي أوقف العدائيات في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق".
وفي حديثه "للعين الإخبارية"، تطرق عبدالعظيم للمؤشرات الإيجابية التي أحدثها إنهاء حكم البشير، من بينها "عودة الكرامة الإنسانية للسودانيين، وإتاحة الحريات العامة، وتشييع كافة مظاهر القمع والتنكيل التي كانت تمارس من قبل".
وبعيدا عن جدلية النجاح والإخفاق عقب إنهاء حكم الإخوان، يرى مراقبون أن الحادي عشر من أبريل يشكل لوحده أكثر المحطات أهمية في تاريخ السودان الحديث، ويمثل انتصارا في حد ذاته بخلاف ما أنتجه.
شمس الحرية
وما يزال السودانيون يحفظون تفاصيل ذلك اليوم، فقبل أن تشرق شمس 11 أبريل، زحف الملايين نحو قيادة الجيش بالخرطوم وضاقت عاصمة البلاد بالسيول البشرية، بعد أن ثبت لهم حلول ساعة النصر على نظام الإخوان.ومع لحظات الترقب العصيبة، وفق شهود عيان على هذا اليوم التاريخي، كانت هتافات المعتصمين أمام قيادة الجيش تشق عنان السماء، وسط زغاريد ودموع فرح بسقوط عهد الإخوان.
ولم تمضٍ ساعات طويلة، إلا وخرج وزير الدفاع يومها الفريق أول عوض بن عوف ببيان للسودانيين، معلنا اقتلاع نظام الإخوان وعزل رأسه البشير والتحفظ عليه في مكان آمن، تلك المفردات التي ما تزال عالقة في مخيلة الثوار.
كما لا تزال تفاصيل الصمود أمام قيادة الجيش بالخرطوم من "6 إلى 11" أبريل عالقة في مخيلة السودانيين، حيث فشلت كافة محاولات مليشيات نظام الإخوان المعزول في زحزحتهم عن ذلك المكان، رغم ممارستهم أبشع أنواع القمع والهجمات المسلحة ليلاً على العزل.
ويستحضر الدكتور عباس التجاني وهو محلل سياسي سوداني تفاصيل الحادي عشر من أبريل، ويملأه "الفخر" بما أنجزه شعب بلاده الذي صمد في وجه "الطغيان" لبضعة أشهر حتى تمكن من إنهاء ثلاثة عقود من حكم نظام الإخوان.
يروي التجاني لـ"العين الإخبارية": "كان يوم ميلاد جديد لكل السودانيين، اختلطت فيه دموع الفرح بالنصر على الدكتاتور، والحزن على شهداء الثورة الذين ضحوا بأرواحهم لأجل الوصول لهذه المحطة التاريخية".
واعتبر المحلل السياسي أن "قوة الإرادة وإجماع السودانيين على كلمة وهدف واحد رغم تنوعهم، كان سر نجاحهم في عزل البشير ووقف حد لحكمه الباطش".
وقال إن الوصول إلى محطة الحادي عشر من أبريل، "جاءت بفضل فعل تراكمي استمر ثلاثة عقود في نفوس السودانيين حيث تحركوا بشكل عفوي دون توجيه من حزب سياسي أو جماعة معينة، حيث لا يستطيع أي كيان نسب ثورة ديسمبر المجيدة إليه".
وبدأ عرش الجنرال البشير الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري مسنوداً بجماعة الإخوان الإرهابية عام 1989، يهتز منذ اندلاع شرارة الثورة في مدينة عطبرة، يوم 19 ديسمبر 2018، بسبب انعدام الخبز.
وسرعات ما توسعت تلك الشرارة لتمتد إلى بقية أنحاء السودان، قبل أن تنتقل إلى العاصمة الخرطوم يوم 25 ديسمبر/كانون الثاني 2018 بمطلب إسقاط النظام لأول مرة.
ورغم القمع الإخواني، فإن السودانيين واصلوا ثورتهم بجسارة متمسكين بشعار "السلمية" إلى أن تمكنوا من الاعتصام أمام قيادة الجيش بالخرطوم والتي شكلت الضربة القاضية للبشير وأفراد نظامه ومهدت لسقوط العرش.
سُقوط أعقبه اتفاق سياسي ودستوري بين العسكريين والمدنيين يقضي بتقاسم السلطة، وتمضي الأطراف حتى الآن بثبات في تحقيق الانتقال الديمقراطي في البلاد، وسط دعم ومساندة شعبية ودولية وإقليمية كبيرة.