أزمة السودان.. حراك إقليمي ينشد الخروج من نفق الحرب
مع تضاعف حجم الكارثة في السودان إثر الحرب المستمرة منذ 15 أبريل/نيسان 2023، تمضي الأوضاع تجاه الانهيار الشامل.
فالمعارك والاشتباكات يتسع نطاقها، وتزيد موجات النزوح والجوع، وباتت بلاد أرض النيلين في مفترق طرق، إما اللجوء إلى الحوار والسلام، أو الانهيار الشامل.
ولا تتوقف الجهود العربية والدولية في محاولة لاحتواء الأزمة ووقفها فورا، وأحدث تلك الجهود كانت الزيارة الخاطفة لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد بن عبد الكريم الخريجي، مساء أمس الإثنين، إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر شرقي السودان، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، لبحث استئناف التفاوض في منبر مدينة جدة.
وقال وكيل وزارة الخارجية السوداني، حسن الأمين، في تصريحات له إن "المباحثات تناولت الدعوة لاستئناف منبر جدة."
وأوضح أن البرهان أكد للمسؤول السعودي، حرص السودان على إنجاح منبر جدة باعتباره أساسا يُبنى عليه، وشدد على ضرورة تنفيذ ما اُتفق عليه في مايو/أيار 2023.
وفي 29 مايو/ أيار الماضي، قال نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، إن السودان يرفض استئناف التفاوض في جدة، وذلك عشية تلقي البرهان دعوة من وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بضرورة استئناف المباحثات مع قوات الدعم السريع.
ووفق وكيل الخارجية السودانية، فإن لقاء البرهان والخريجي، تناول توسيع قاعدة المسهلين في مفاوضات جدة، لكن رئيس مجلس السيادة أبدى تحفظه على وجود أي طرف يدعم قوات "الدعم السريع."
أمن واستقرار السودان
ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) عن نائب وزير الخارجية السعودي، قوله إن "بلاده حريصة على أمن واستقرار السودان لتأثير ذلك على أمن واستقرار المنطقة."
وأكد الوزير حرص المملكة العربية السعودية على "عودة الأمن والاستقرار للسودان، وما يتطلبه ذلك من تهدئة وتغليب الحكمة وضبط النفس، والحرص على استئناف المفاوضات وإبداء المرونة والتجاوب مع المبادرات الإيجابية والإنسانية."
كما أعرب نائب وزير الخارجية لرئيس مجلس السيادة في السودان – وفقا لذات المصدر- عن ترحيب المملكة ودعمها لجميع الجهود الأممية والدولية الهادفة إلى تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، والجهود الإنسانية الرامية إلى تخفيف معاناة الشعب السوداني الشقيق، التي من شأن تضافرها الدفع نحو استكمال ما تم التوصل إليه في "جدة 1 ، وجدة 2".
وعلقت الوساطة السعودية الأمريكية في منبر جدة في 3 ديسمبر/كانون الأول الماضي، التفاوض بعد فشل الجيش وقوات الدعم السريع في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري للدعم السريع في المدن الرئيسية والمرافق المدنية.
ضغوط إقليمية ودولية
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عباس عبد الرحمن، إن الحرب وصلت إلى حافة الهاوية في البلاد، وينبغي إيقافها فورا نسبة للتدهور الكبير في كافة مناحي الحياة.
وأضاف عبد الرحمن لـ"العين الإخبارية" أنه "يجب أن تتحلى أطراف النزاع بالإرادة السياسية والنظر إلى مصلحة الشعب السوداني، وإيقاف وقف النار فورا، وفتح المسارات الإنسانية لتوصيل المساعدات الغذائية".
واعتبر أن منبر جدة أساس متين لإنهاء الحرب وعودة المسار المدني الديمقراطي الذي يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية، مشيرا إلى أن الضغوط الإقليمية والدولية تسير بوتيرة متسارعة لإنهاء الحرب وعودة الأطراف المتصارعة إلى طاولة التفاوض.
وسبق وأن استضافت مدينة جدة محادثات برعاية سعودية أمريكية، في 11 مايو/أيار 2023، أسفرت عن أول اتفاق طرفي الحرب على الالتزام بحماية المدنيين.
وأفلح منبر جدة في إعلان أكثر من هدنة، تخللتها خروقات عديدة وتبادل للاتهامات؛ ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
واستضافت القاهرة قبل أيام اجتماع لقوى سياسية ومدنية سودانية في محاولة للبحث عن التوافق على خريطة طريق لإنهاء الحرب.
الاجتماعات حضرها وفود من دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية، بغرض التشاور والاتفاق على الحدِ المطلوب للعمل المشترك من أجل وقف الحرب وإنهاء الأسباب التي أفضت إليها.
تلك المساعي كُللت ببيان ختامي، وقعت عليه القوى السياسية والمدنية السودانية التي حضرت الاجتماع الذي اختتم أعماله يوم السبت الماضي في العاصمة المصرية القاهرة.
واتفق الاجتماع على ضرورة الوقف الفوري للحرب بما يشمل آليات وسبل ومراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف العدائيات والالتزام بإعلان جدة والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب ودعوة الدول والجهات الداعمة لأطراف الحرب، للتوقف عن إشعال المزيد من نيران الحرب في السودان والدعوة إلى حماية العاملين في المجال الإنساني وتجنيبهم التعرض للخطر والملاحقة والتعويق من قبل أطراف الحرب وفقاً للقانون الدولي والإنساني ومواصلة دعم جهود المجتمعين المحلي والدولي للاستمرار في استقطاب الدعم من المانحين وضمان وصوله للمحتاجين ومناشدة المجتمعين الإقليمي والدولي الإيفاء بالتزاماتهم.
وانتهى الاجتماع إلى ضرورة المحافظة على السودان وطناً موحداً، على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والدولة المدنية الديمقراطية الفيدرالية واتخاذ من اجتماع القاهرة فرصةً قيمةً للبناء في المسار السياسي، كونه جمع لأول مرة منذ الحرب الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية، وشخصيات وطنية وممثلي المجتمع المدني وتجنيب المرحلة التأسيسية لما بعد الحرب كل الأسباب التي أدت إلى إفشال الفترات الانتقالية السابقة، وصولاً إلى تأسيس الدولة السودانية وتشكيل لجنة لتطوير النقاشات ومتابعة هذا المجهود من أجل الوصول إلى سلام دائم.
حجم الكارثة الإنسانية
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد "واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبا أسوأ أزمة جوع في العالم".
ويعاني 18 مليون سوداني، من بين إجمالي السكان البالغ عددهم 48 مليونا، من نقص حاد في الغذاء.
وبات مئات الآلاف من النساء والأطفال معرضين للموت جوعا، في أزمات يشعر العاملون في المجال الإغاثي بالعجز حيالها بسبب رفض منحهم تأشيرات دخول وفرض رسوم جمركية باهظة على المواد الغذائية، إضافة إلى نهب المخازن وصعوبة الوصول إلى العالقين قرب جبهات القتال.
وانهار النظام الصحي بشكل شبه كامل في السودان، وتقدّر الخرطوم الخسائر في هذا القطاع بقرابة 11 مليار دولار.
ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، بمن في ذلك العاملون في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
aXA6IDMuMTM4LjEyNS44NiA= جزيرة ام اند امز