من رفقاء إلى أعداء، تحول دراماتيكي في مسيرة رجلين باتت الأنظار المحلية والإقليمية والدولية تترقب خطواتهما المقبلة، وتأثيرها على السودان.
فمن شن الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان ضربات جوية على معسكر لقوات الدعم السريع لإعادة تأكيد السيطرة على البلاد، إلى زعم قوات الدعم السريع برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي) سيطرتها على القصر الرئاسي ومقرات أخرى، كانت محاولات من الفريقين لإثبات تقدم قوات كل منهما على الأرض.
ذلك الصراع الدائر بين الفريق (عبدالفتاح البرهان) والقائد (حميدتي) طرح سيناريوهات تقود جميعها إلى "مرحلة اللاعودة"؛ كون حدوث مواجهة طويلة الأمد بين الجانبين ستؤدي إلى انزلاق السودان إلى صراع واسع النطاق في وقت يعاني فيه بالفعل من انهيار الاقتصاد واشتعال العنف القبلي.
ويعد إشهار السلاح مرحلة جديدة أنهت علاقة تعاون وصداقة قديمة نشأت بين الفريق عبدالفتاح البرهان، والفريق محمد دقلو "حميدتي"، والتي بدأت مع النزاع في إقليم دارفور في عام 2003 إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير.
فماذا نعرف عن الفريق البرهان؟
ولد البرهان عام 1960 في قرية قندتو، شمال الخرطوم، ودرس في الكلية الحربية بالسودان ولاحقا في مصر والأردن، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء.
لم يكن اسم البرهان بارزا في المشهد السياسي السوداني قبل ،بريل/نيسان من عام 2019، ذلك التاريخ الذي تولى فيه رئاسة المجلس العسكري الانتقالي خلفا لوزير الدفاع.
إلا أن تاريخه العسكري كان حافلا، فمنذ أن خدم في الجيش السوداني ضابطا في سلاح المشاة، وتدرج في مختلف المراتب العسكرية، حتى أصبح قائدا للقوات البرية.
شارك البرهان في حرب دارفور، وكذلك المعارك التي سبقت انفصال جنوب السودان عن شماله، وانتُدب في مصر والأردن لعدد من الدورات التدريبية.
كما عمل مع قوات حرس الحدود لفترة طويلة، ثم ملحقا عسكريا في الصين، ثم قائدا لقوات حرس الحدود ومن بعد ذلك نائبا لرئيس أركان عمليات القوات البرية، ثم رئيس أركان القوات البرية، ثم أخيرا مفتشا عاما للجيش.
محطات في حياة البرهان
وبحسب تقارير محلية، فإن الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير كان عرض عليه منصب والي إحدى الولايات، لكنه رفض تولي منصب سياسي.
وفي فبراير/شباط 2019، كان عمر البشير أعلن عن تعديلات في قيادات الجيش، شملت ترقية البرهان من رتبة فريق ركن إلى فريق أول، وكلفه بمنصب المفتش العام للقوات المسلحة.
إلا أنه بعد شهرين من ذلك التاريخ، وتحديدًا في أبريل/نيسان 2019، ترأس المجلس العسكري الانتقالي في السودان بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير على يد الجيش، إثر مظاهرات حاشدة استمرت خمسة أشهر.
وتولى البرهان منصبه رئيسا للمجلس، إثر تنازل الفريق أول ركن عوض بن عوف عن رئاسته بعد أقل من 24 ساعة في السلطة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، حل مجلسي السيادة والوزراء، كما أعلن حالة الطوارئ في البلاد، وتعليق العمل بمواد من الوثيقة الدستورية.
ووصف عدد من زملائه البرهان بأنه شخص يتسم بالاعتدال، وظل عسكريا ملتزما بعيدا عن الانتماء إلى أي تنظيم سياسي، فيما قال عنه ضابط في الجيش، طلب عدم الكشف عن هويته، إن "البرهان ضابط رفيع المستوى في القوات المسلحة، لكنه في الأساس جندي مخضرم".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ"فرانس برس": "لم يكن يوما تحت الأضواء كما هو الحال بالنسبة لابن عوف أو (رئيس أركان الجيش) الفريق أول ركن كمال عبدالمعروف".
الضابط الذي لم يكشف عن هويته قال -كذلك- إن "البرهان لا يتبع أي توجهات سياسية، إنه جندي متمرس"، فيما قالت مؤلفة كتاب "الانتفاضات المدنية في السودان الحديث" وأستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل ويلو بيردج، إنه بموجب توليه الملف اليمني عمل البرهان عن قرب مع قوات الدعم السريع السودانية.
ماذا نعرف عن حميدتي؟
ينحدر قائد قوات الدعم السريع حميدتي من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية، التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان.
وعمل حميدتي في العشرينيات من عمره في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد بشكل رئيسي، كما تولى مسؤولية حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته.
كفاءته وسيطرته على عدد من مناجم الذهب في دارفور دفعت الرئيس السوداني عمر البشير إلى تقريبه، ومنحه امتيازات كبيرة، مما رفع عدد العناصر التي يقودها والتي تقدر حالياً بنحو 100 ألف عنصر.
وفي عام 2007، عين البشير حميدتي عميدا وأصبحت قواته جزءا من أجهزة الاستخبارات في البلاد، وبعدها بأعوام وتحديدا في عام 2013 أنشأ البشير رسميا قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، وزودها بالأسلحة الخفيفة وسيارات الدفع الرباعي، الأمر الذي أثار حفيظة الضباط.
محطات بارزة
وفي عام 2015 أرسل حميدتي قوات من وحدات الدعم السريع إلى اليمن، في إطار التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
ورغم دور البشير في دعم حميدتي إلا أن الأخير انحاز للمظاهرات الغاضبة من حكمه وتخلى عن الرئيس السابق، بحسب تقارير محلية سودانية، أكدت -آنذاك- أن "قوات الدعم السريع" ساهمت في الإطاحة بالبشير". ودعا حميدتي -آنذاك- الحكومة السودانية إلى "توفير ما يحتاجه المواطنون في سبيل العيش الكريم"، وهو موقف لاقى إشادة من قبل بعض السودانيين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عين دقلو نائبًا لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الذي حكم السودان بالشراكة مع القيادة المدنية.
وكان حميدتي قد انتقد قبل أسابيع "انقلاب" عام 2021، قائلا إنه "فتح الباب أمام عودة أنصار الرئيس البشير، وبوابة لعودة النظام السابق".