هدنة ملغومة بالتحذيرات.. السودان على موعد مع تحدي الساعات الـ24
مع استمرار القتال في السودان لليوم الخامس على التوالي، ووسط غياب أية آفاق للسلام بين الطرفين المتحاربين، كان الصعيد الميداني حاملا في طياته الكثير من التطورات.
تطورات وضعت البلد الأفريقي على طريق التصعيد، بعد فشل جهود إجلاء الرعايا الأجانب والسكان العالقين في العاصمة السودانية الخرطوم.
إلا أنه رغم حالة التصعيد تلك، بدت تلوح في الأفق بوادر هدنة، رافقتها تخوفات من أن تلقى مصير الهدنة السابقة، التي لم تصمد أمام انتهاكات، اتهم الطرفان بعضهما البعض بمسؤوليتهما عنها.
فما أبرز التطورات؟
أعلنت قيادة قوات الدعم السريع، في بيان مقتضب عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، الموافقة على هدنة لمدة 24 ساعة تبدأ من الساعة السادسة من مساء اليوم الأربعاء حتى السادسة من مساء غد الخميس.
وأكدت قيادة قوات الدعم السريع، التزامها التام بوقف كامل لإطلاق النار، معبرة عن آمالها، في ضرورة أن يلتزم الطرف الاخر بالهدنة حسب التوقيت المعلن.
كان الطرفان قد أعلنا التزامهما بوقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة أمس الثلاثاء، لكنّ أصوات إطلاق النار من دبابات لم تنقطع، رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وفيما لم يصدر تأكيد من القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية على قبولها الهدنة، أعلن الجيش السوداني، في بيانات متعاقبة عن تطورات العمليات القتالية.
وقالت القيادة العامة، في بيان صادر عنها، إن قوات الجيش "تواصل عملياتها في دحر تمرد عناصر الدعم السريع بشكل متقدم"، زاعمًا أن القوات تراعي "قواعد ومبادئ القتال في المناطق المبنية بشكل احترافي حرصا على سلامة المدنيين من مواطنينا، ما يجعل من وتيرة القتال بطيئة".
اتهامات متبادلة
وقال مكتب المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، إن معلومات وصلت إلى الجيش السوداني، مفادها، أن بعض عناصر قوات الدعم السريع "تتخلص من سلاحها إما بيعا أو استبدالا من المواطنين"، على حد قوله، معبرًا عن إدانته "هذا السلوك الذي يفضي إلى انتشار السلاح".
وفيما أهاب الجيش بالسودانيين عدم التعامل مع تلك العناصر، والتبليغ عنهم لأقرب وحدة عسكرية، أشاد بما وصفه بـ"القوة الصلبة" لقدامى المحاربين "الذين كانوا معنا في خندق واحد".
فيما ردت قوات الدعم السريع، في بيان صادر عنها، زاعمة أن "قوات عسكرية بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، هاجمت منازل أسر ومواطنين لا علاقة لهم بالعمل العسكري بحي جبرة بالخرطوم".
وأكدت قوات الدعم السريع، أن "هذا المسلك من قبل قادة القوات المسلحة، ومن خلفها المتطرفون لن يمر مرور الكرام"، على حد قولها.
وسُمع في وقت سابق اليوم دوي قصف مستمر وانفجارات عالية في وسط الخرطوم بالمنطقة المحيطة بالمجمع الذي يضم القيادة العامة للجيش وكذلك حول المطار الرئيسي للبلاد، الذي جرت معارك ضارية بين الجانبين للسيطرة عليه وخرج من الخدمة منذ اندلاع القتال في مطلع الأسبوع.
وتصاعد دخان كثيف إلى السماء وخلت الشوارع من المارة إلى حد بعيد في الخرطوم، إحدى أكبر المدن في أفريقيا.
وفي وقت سابق من الأسبوع كان الحاكم العسكري للسودان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يشرف على الموقف من بيت ضيافة رئاسي داخل المجمع. ولم يتسن لرويترز التأكد من استمرار وجوده هناك اليوم الأربعاء.
تحركات دبلوماسية دولية
وفي إطار التحركات الدبلوماسية المطردة، والمساعي الدولية الكبيرة، لوقف أصوات الرصاص والوصول إلى هدنة في السودان، أصدرت عدة بعثات دبلوماسية في السودان، بيانا مشتركاـ طالبت فيه القادة العسكريين بـ"الدخول في حوار دون أي تأجيل".
وأكدت البعثات الدبلوماسية، أن "تصرفات القادة العسكريين السودانيين جعلت عددا لا يحصى من المواطنين في خطر"، مناشدة جميع القوى "تجنب المزيد من التصعيد ووقف إطلاق النار وتعليق تعبئة القوات".
قتلى وجرحى
واندلع العنف مطلع الأسبوع الجاري في صراع على السلطة بين قوات الدعم السريع والجيش، فيما قالت منظمة الصحة العالمية نقلا عن وزارة الصحة السودانية إن القتال أسفر عن مقتل 270 شخصا على الأقل وإصابة 2600 آخرين.
وقالت الأمم المتحدة إن مسلحين استهدفوا المستشفيات وموظفي الإغاثة الإنسانية وسط أنباء عن وقوع حوادث عنف ضد موظفي الإغاثة، فيما توقفت معظم المستشفيات عن العمل.
ويواجه حوالي ربع السكان في السودان أزمة جوع حادة حتى من قبل بدء الصراع، فاقمها إيقاف برنامج الأغذية العالمي واحدة من أكبر عملياته الخاصة بتقديم المساعدات على مستوى العالم في السودان يوم السبت بعد مقتل ثلاثة من موظفيه.
تعزيزات
وتقول وكالة "رويترز"، إن الجيش السوداني يحاول رد مقاتلي قوات الدعم السريع عن مجمع وزارة الدفاع، القريب من أحياء وسط الخرطوم والذي يضم أيضا مقر القيادة العامة للجيش، في الوقت الذي يسعى فيه لقطع طرق إمداداتهم في العاصمة.
وزعمت الوكالة نقلا عن شهود وسكان أن الجيش جلب تعزيزات إلى الخرطوم من أنحاء أخرى بالسودان من بينها المناطق الشرقية قرب الحدود مع إثيوبيا.
ويسيطر الجيش على مداخل الخرطوم التي يقطنها نحو 5.5 مليون نسمة بينما يسكن ملايين آخرون في مدينتي أم درمان وبحري على الجانب الآخر من النيلين الأبيض والأزرق.
عرقلة عمليات الإجلاء
وتضغط قوى أجنبية من بينها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدم السريع والسماح للمواطنين العالقين في القتال بتدبير احتياجاتهم وإجلاء الرعايا الأجانب.
إلا أن تنفيذ عمليات الإجلاء يبدو أمرا صعبا ما لم يتوقف القتال لفترة ممتدة، في ظل إغلاق مطار الخرطوم والهجمات التي استهدفت في الأيام القليلة الماضية دبلوماسيين وأهدافا أخرى، بينها قافلة مركبات تحمل العلم الأمريكي.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن "الوضع الأمني غير الواضح" وإغلاق المطار يحولان دون وضع خطة لعملية إخلاء بتنسيق من جانب الحكومة الأمريكية.
وذكرت مجلة شبيجل نقلا عن مصادر لم تكشف هويتها أن ألمانيا أوقفت اليوم الأربعاء مهمة لإجلاء نحو 150 مواطنا على ثلاث طائرات نقل من طراز (إيه.400.إم) تابعة لسلاح الجو الألماني.
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني إن السلطات تعتزم استخدام طائرة تابعة لقوات الدفاع الذاتي لإجلاء نحو 60 مواطنا يابانيا من السودان.
وقالت واحدة من السكان على الأطراف الشرقية للخرطوم إن القتال الكثيف استؤنف في وقت مبكر من اليوم الأربعاء، مضيفة: "لم نستطع النوم. فترة الهدوء الوحيدة كانت بين الثالثة والخامسة صباحا".