السودان و "خفافيش الظلام".. خطر يحلق في سماء الاشتباكات
دائمًا ما تتحرك جماعات العنف والتطرف في مساحات الفراغ، حينما تضعف الدول، وتعمل بكل جهد لصنع هذه الحالة، فإذا نجحت في ذلك بات الباب مفتوحًا أمام نشاط هذه التنظيمات وتناميها.
هذا ما حدث داخل السودان في الأيام الماضية ورصدته جهات استخباراتية عديدة بعد أن توسع الخلاف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى اقتتال، فالتنظيمات الإرهابية بدأت تُعيد ترتيب أوراقها من جديد في ظل أجواء الحرب التي حاولت صناعتها منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان من عام 2019.
فعلى مدار السنوات الأربع الماضية، بذلت الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان الإرهابية اللتان شكلتا الحكم في عهد البشير، جهودا حثيثة لإعادة المشهد السياسي إلى نقطة الصفر، حيث نشطت مجموعاته داخل المؤسسات العسكرية، فكانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الفتنة مع مسببات أخرى.
وبعد انطلاق صافرات الاقتتال، بات السودان بيئة جاذبة لجماعات العنف والتطرف لعدة أسباب أبرزها موقعه، حيث يقع على حدود دولة تشاد، التي تشهد تنامي جماعات إرهابية، كما أنه يقع بمقربة من التنظيمات المتطرفة النشطة في منطقة الساحل والصحراء والقرن الأفريقي.
تُسلط هذه السطور الضوء على خطر الإرهاب وتأثير ذلك على أمن السودان، ومدى قدرة التنظيمات المتطرفة على الاستفادة من الأوضاع الأمنية والعسكرية في الداخل السودان، خاصة أن الحرب باتت الآن بين أهم قوتين أمنيتين، هما الجيش السودان وقوات الدعم السريع، كما أنها تستشرف المستقبل في ظل استمرار الأوضاع بهذه الصورة وانعكاس ذلك على تنامي جماعات العنف والتطرف.
الفراغ الاستراتيجي للإرهاب
إذا أردت أن تعرف الأسباب فعليك أن تبحث عن المستفيد، وأكبر مستفيد من تصاعد الأحداث داخل السودان واستمرار الصراع بهذه الصورة، تنظيم الإخوان أو الكيزان، كما يسميهم السودانيون، الذين كانوا دائمًا يبعثون برسائلهم حتى اشتعلت الأحداث.
فلا أحد يستطيع أن ينكر أن هناك عدة أسباب أدت إلى اشتعال الحرب بهذه الصورة، ولكن لا يمكن إغفال تحرك الكيزان على مدار السنوات الأربع الماضية، الذين كانوا يزكون الحرب وينفخون في كيرها حتى كانت الشرارة الأولى.
ولعل الإخوان يُدركون أن عودة النظام السابق لن يكون إلا إذا كانت هناك فوضى حقيقية، فهي الأمان الوحيد للعودة، ومن هنا تم تخليق هذه الفوضى بأسباب كان يمكن التفاهم عليها أو النقاش حولها، وهنا بدأ التحرك من قبل بعض الخلايا التابعة للنظام السابق والحركة الإسلامية داخل الجيش.
هذا التحرك ساعد كثيرًا في نشاط المجموعات التكفيرية التي أعلنت النفير في السودان حتى تظل الحرب مشتعلة، وهم يتجهزون أكثر للإعلان عن تواجدهم في الداخل السوداني.
تنامي جماعات العنف في أفريقيا
تنامي جماعات العنف والتطرف سواء المحلية أو عابرة الحدود والقارات في بعض البلدان الأفريقية مثل القاعدة وداعش في مناطق شاسعة في بلدان مثل بوركينا فاسو ومالي سينعكس بصورة أكبر على السودان، فقد تنزح هذه المجموعات إلى الداخل لاستغلال الأوضاع المضطربة.
فالجماعات الإرهابية استغلت ضعف الأنظمة السياسية وهشاشة أجهزة الأمن والاستخبارات بهذه الدول الأفريقية للانتشار والتغلغل، ويُضاف إلى ذلك، حرية التنقل بين البلدان الأفريقية، وهنا تستطيع جماعات العنف والتطرف التنقل بين أكثر من دول أفريقية، وهذا قد يؤمن تحرك المجموعات التكفيرية إلى داخل السودان.
في ظل الأوضاع الحالية بالسودان، لن تكون أجهزة الأمن مشغولة إلا بالمواجهات المسلحة، وبالتالي سوف تتحرك هذه المجموعات داخل السودان، فضلًا عن تنامي نشاطها سواء على مستوى الاستقطاب أو التجنيد أو تنفيذ العمليات المسلحة، وكلها سوف يُعزز مركزهم بصورة كبيرة.
ربما الطبيعة الجغرافية في السودان سوف تُساعد بصورة كبيرة في وجود هذه التنظيمات بعيدة عن أجهزة الأمن، حيث يكون من الصعب تعقبها أو تتبع نشاطها المتطرف، خاصة وأن البلاد شهدت وجودًا سابقًا لمجموعات متطرفة تابعة للقاعدة وميلشيات الإخوان على مدار سنوات مضت.
التهديد الأهم والأخطر في التنظيمات الإقليمية الموجودة في أفريقيا وبخاصة في الصحراء الكبرى مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وبوكو حرام ويضاف عليهم القاعدة وداعش، فكل هذه التنظيمات مع غيرها لها وجود على الأراضي السودانية ولا يمكن التقليل من خطرهم بأي صورة.
تحركات التنظيمات المتطرفة داخل السودان
هناك تقارير استخباراتية أكدت أن التنظيمات المتطرفة نشطت على مستوى التواصل على مواقع التواصل المشفرة مستخدمة بعض البرامج التي يصعب مراقبتها، وعلى مستوى الأرض من خلال تشكيل وتأسيس كتائب عسكرية تنفذ عملياتها.
في الغالب سوف يكون تحرك التنظيمات المتطرفة في شكل حرب العصابات، وسوف يكون تركيزها على الأقل خلال الفترة المقبلة خارج السودان لسببين، أولهما تلاشي الصدام المسلح مع القوى المتحاربة، وحتى تنشط بصورة قد لا تستفز القوى الأمنية أو المجتمع الدولي فيوجه بضرورة وقف الحرب أو مواجهتها.
تحرك القيادي في الحركة الإسلامية علي كرتي، ونشاطه الملحوظ داخل السودان قبل الصدامات المسلحة وبعدها يشي بدور أكبر للمجموعات المسلحة في الداخل السودان، فالإخوان أنفسهم دخلوا الصراع المسلح وحملوا السلاح انتقامًا ممن أسقطوا وجودهم المتربع على السودان قبل عشرين عامًا، وثانيًا حتى يضمنوا استمرار هذه الحرب.
إعادة إنتاج
ولعل إنشاء حزب سياسي للإسلاميين في شهر مارس/آذار الماضي بعنوان حركة المستقبل للإصلاح، دليل على التحرك، فمن أنشأوا هذا الحزب أرادوا إعادة إنتاج الكيزان من جديد، ولعل هذه المحاولات أخذت مسارات متعددة منها إشعال الحرب أو الاستفادة منها على الأقل ومسار تنظيم التجمعات السياسية الخاصة بهم، والهدف بكل تأكيد هو تأمين عودتهم للمشهد السياسي والسيطرة على البلاد أو محاولة ابتلاعها.
المجتمع الدولي والدور المفقود للمواجهة
لا شك أن ثمة دورا تتحمله القيادة في السودان لما سوف تؤول إليه الأحداث هناك بعد نشاط جماعات العنف والتطرف، ولكن يتحمل المجتمع الدولي والإقليمي مسؤولية استمرار الأوضاع بهذه الصورة واحتمالات عودة خفافيش الظلام من جديد، أو على الأقل الاستفادة من الظرف الأمني الراهن.
خطر هذه التنظيمات سوف يُهدد أمن العالم بأكمله، هذا الخطر قد يمتد إلى دول عربية مجاورة مثل مصر مثلُا أو ليبيا أو حتى داخل قارة أوروبا، فالسودان دولة محورية داخل قارة أفريقيا، وبالتالي المسؤولية لابد أن تكون مشتركة ولابد للمجتمع الدولي أن يُدرك خطر الإرهاب على أمنه، فما يحدث في السودان سوف يؤثر على أمن العالم بأكمله.
هناك أدوار أوروبية وأمريكية لمواجهة تنامي التنظيمات المتطرفة في الصومال ومالي على سبيل المثال، هذه الأدوار قد لا تكون مفيدة في ظل تحرك هذه التنظيمات في السودان، ولذلك من المهم أن تأخذ المواجهة أشكالًا مختلفة وأن تكون قبل وقوع الكارثة لو استمرت الأزمة وقتًا أطول.
أعين التنظيمات المتطرفة تحركت إلى أفريقيا منذ وقت مبكر، فمع بداية سقوط دولة "داعش" المزعومة في 22 مارس من العام 2019، تحركت هذه التنظيمات إلى ليبيا وبعض البلدان الأفريقية وبدأت نشاطها الذي لم ينقطع بعد وربما لم ينقطع على المدى القصير، وهو ما يحتاج إلى مواجهة أكبر، فضلًا على الوقوف أمام أي أسباب قد تكون سببًا في تغذيته.
ولذلك وقف قرار الاقتتال وإنهاء الأزمة بالسودان هدف استراتيجي والتنسيق الأمني والاستخباراتي مع أجهزة الأمن في الداخل السوداني لمنع مزيد من التحرك للتنظيمات المتطرفة لابد أن يبدأ اليوم لا غدًا، سواء من تحرك منها في الداخل السوداني أو من بدأ ينشط ربما في البيئة السودانية خلال الفترة الأخيرة.
aXA6IDE4LjIyMC4yMDAuMzMg جزيرة ام اند امز