قمة النمسا ومقدونيا الشمالية.. أوروبا تسارع الخطى لسد ثغرة غرب البلقان
لعبت الحرب في أوكرانيا دور المحفز في التنافس الجيوسياسي بين أوروبا وروسيا على منطقة غرب البلقان الاستراتيجية، وبات السباق هناك على المكشوف.
وبعد قمة أوروبا وغرب البلقان، وخطوات ألمانية متسارعة تجاه المنطقة، يأتي دور النمسا للعب دورها في التقارب الأوروبي مع دول المنطقة، إذ يستضيف المستشار كارل نيهامر، الخميس، رئيس وزراء مقدونيا الشمالية، ديميتار كوفاشيفسكي في فيينا.
زيارة تهدف لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين، وعلاقات أوروبا وغرب البلقان، فضلا عن الملفات ذات الاهتمام المشترك والحرب في أوكرانيا.
كما تأتي الزيارة بعد أسابيع من تحذير الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلين، خلال زيارة إلى دول غرب البلقان، "من فراغ جيوسياسي في غرب البلقان إذا فشلت محاولات تحقيق تقدم في التقارب بين المنطقة والاتحاد الأوروبي".
وقال فان دير بيلين بعد وصوله إلى ألبانيا: "يجب ألا تسمح دول الاتحاد الأوروبي بتطور الفراغ هنا". وأعرب عن سروره لأن الحرب الروسية في أوكرانيا "أفسحت فجأة المجال لتوسع التكتل باتجاه هذه المنطقة".
فان دير بيلين وضع يده على نقطة في غاية الأهمية، إذ اكتسب انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي زخما جديدا في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، ومنح هذه الدول وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وفكرة تسريع عملية انضمام دول غرب البلقان، بالإضافة إلى أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا، برزت بعد 24 فبراير/شباط 2022، كجزء من المناقشات السياسية حول ضرورة أن يعيد الاتحاد الأوروبي تموضعه في الوضع العالمي الجديد.
وفي هذا الإطار دفعت دول وسط أوروبا، خاصة ألمانيا، بقوة في اتجاه توسيع الاتحاد الأوروبي ليضم دول غرب البلقان.
وفي تحرك تكتيكي لافت، عقد الاتحاد الأوروبي في 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أول قمة على الإطلاق بين قادته وقادة غرب البلقان تُعقد في منطقة غرب البلقان، وبالتحديد في تيرانا عاصمة ألبانيا.
وكانت القمة فرصة لإعادة تأكيد الأهمية الرئيسية للشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان، وهي منطقة ذات منظور واضح للاتحاد الأوروبي، وفق بيان صدر عن التكتل يوم القمة.
بدوره، أكد المستشار الألماني أولاف شولتز، بالتزامن مع هذه القمة، أن من مصلحة ألمانيا وأوروبا انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي.
ورحب شولتز بإحياء محادثات الانضمام إلى الاتحاد مع دول غرب البلقان الست، وبينها ألبانيا ومقدونيا الشمالية، في الأشهر السابقة على القمة، ورحب بالقرار الذي اتُّخذ قبل أيام من القمة، بمنح البوسنة وضع "مرشح".
منطقة مهمة
ووفق دراسة لمركز دراسات البرلمان الأوروبي، نشرت الثلاثاء الماضي، واطلعت "العين الإخبارية" على نسخة منها، فإن دول غرب البلقان برزت كخط أمامي في المواجهة الجيوسياسية بين روسيا والغرب.
وتابعت الدراسة "في حين أن الاتحاد الروسي يتمتع بعلاقات تاريخية قوية مع دول غرب البلقان، ويمتلك قوة ناعمة في المنطقة، إلا أن نفوذه وتأثيره الاقتصادي آخذان في التراجع".
ومضت قائلة "في الوقت نفسه، فإن وجود الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في المنطقة يتقدم باستمرار، كما أن الاستثمار والمساعدات من الاتحاد الأوروبي واللاعبين الآخرين، مثل الصين، يتجاوز الاستثمارات الروسية بمراحل.
الدراسة ذكرت أيضا "لقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 إلى وضع غرب البلقان على قمة اهتمامات القوى المختلفة، في حين حاول الاتحاد الأوروبي إعطاء دفعة جديدة لعملية توسعه باتجاه غرب البلقان وعزز وجوده في المنطقة".
لكن هناك عقبات في طريق التحركات الأوروبية، وفق الدراسة التي أوضحت أن "الغالبية العظمى من المواطنين الصرب في المنطقة يعتبرون روسيا حليفهم الحقيقي، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو الداعم المالي".
وأوضحت "أثبت إرث الحروب اليوغوسلافية، وجود بنية سياسية معقدة مع توازنات غير مستقرة بين المجتمعات العرقية والدينية المتفرقة في المنطقة، ما يجعلها أرضًا خصبة لنفوذ الكرملين وتدخله".
واستطردت: "خاصة منذ الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم في عام 2014، استخدمت روسيا الإعلام والإنترنت لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي، وحشدت كل إمكانياتها لعرض سردياتها وحماية مصالحها وإبطاء اندماج غرب البلقان في المؤسسات الغربية".
مخاطر كبيرة
بالتالي وصل التنافس على غرب البلقان بين روسيا والاتحاد الأوروبي ذروته في الوقت الحالي، والتكتل الأوروبي يعمل بشكل مستمر وممنهج من أجل جذب دول المنطقة إلى صفوفه، خوفا من تركها لروسيا ودق مسمار جديد في منظومة الأمن الأوروبية، وفق مراقبين.
الدبلوماسي الألماني المخضرم والرئيس السابق لمؤتمر ميونخ للأمن وولفغانغ إيشنغر دعا، في مقال بصحيفة بولتيكو الأمريكية، مؤخرا، إلى "نقطة تحول" في السياسة الأوروبية تجاه غرب البلقان.
وقال: "تسببت حرب روسيا ضد أوكرانيا في انهيار الهيكل الأمني الأوروبي الحالي، مما أدى إلى تغييرات جوهرية في السياسات الخارجية والدفاعية عبر القارة"، مضيفا أن "جنوب شرق القارة الأوروبية (منطقة غرب البلقان) يحتاج إلى نقطة تحول سريعة".
وفي تقرير منفصل، حددت صحيفة بولتيكو، مؤخرا، مخاطر عدم التسريع في احتواء غرب البلقان في الاتحاد الأوروبي، وهي "تحالف هذه الدول مع روسيا، أو بروز منطقة مناوئة للتكتل وغير ليبرالية يمكن أن تمتد إلى المجر أو الأسوأ من ذلك، وهو انزلاق غرب البلقان إلى صراع مسلح جديد يفاقم أزمات الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية في دول التكتل الأوروبي.