أثار حصول المغنى الأمريكى بوب ديلان على جائزة نوبل للأدب هذا العام موجة من الاستغراب وربما أيضا من الاستهجان
أثار حصول المغنى الأمريكى بوب ديلان على جائزة نوبل للأدب هذا العام موجة من الاستغراب وربما أيضا من الاستهجان فتحت المجال للكثير من التساؤلات حول معنى الأدب.. وفى الحقيقة لم تكن هذه أولى مفاجآت جائزة نوبل.. فبعض ممن نالوا جائزة نوبل للسلام كانوا أقرب إلى مجرمى الحرب، كما أن جوائز نوبل فى الطب والفيزياء والكيمياء تحمل أيضا الكثير من المفاجآت لكنها لا تشيع بين الجمهور نظرا للطبيعة التخصصية لهذه المجالات.
أما جائزة نوبل فى الأدب، فهى الأكثر شهرة.. ولوحظ منذ فترة طويلة أن هناك صبغة سياسية لهذه الجائزة، فهى تمنح أحيانا لبعض الأدباء المعارضين لنظم سياسية معينة لتصبح بذلك جزءا من الآلة الهائلة للدعاية الغربية.
المهم أن الجائزة عبر تاريخها رسخت فكرة أن الأدب ينقسم إلى دراما وشعر ورواية ولكن الجائزة لم تكن فى بدايتها أسيرة لهذا التصور للأدب فالجائزة الأولى منحت لشاعر فرنسى هو سولى برودوم عام 1901 أما الجائزة الثانية فقد منحت لمؤرخ ألمانى هو تيودور مومسن الذى ألف عملاً ضخماً عن تاريخ الامبراطورية الرومانية وكتب عن القانون الرومانى والعملات المستخدمة فى الامبراطورية حتى صار أكثر المؤرخين تأثيراً فى الكتابة عن روما القديمة فى القرن العشرين. وفى عام 1913 منحت الجائزة للشاعر الهندى طاغور وكانت مفاجأة جديدة تعبر عن ميل الجائزة إلى أن تكتسب طابعا عالميا ولا تقتصر على الأدب الأوروبى وحده. ولكن لزم الانتظار حتى عام 1945 لتمنح الجائزة للشاعرة جابرييلا ميسترال من شيلي.
هناك أمثلة كثيرة: الكاتب الفرنسى هنرى برجسون حصل على جائزة نوبل للأدب عام 1923، وهو معروف بكتاباته الفلسفية التى كانت تكتسى بنزعة روحية معارضة للنزعة المادية والوضعية السائدة بدءا من القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أهميته كفيلسوف وإسهاماته فى موضوعات قد تتصل بالأدب مثل محاولاته فى سبر أغوار الخيال وتحليله لظاهرة الضحك، كما أن الموضوعات الميتافيزيقية التى عالجها مثل الزمن والديمومة والذاكرة والحدس والطاقة الحيوية كانت ذات تأثير كبير فى الابداع الأدبى فى عصره، فإنه لم يبدع عملا أدبيا بالمعنى المتعارف عليه .
ومنحت جائزة نوبل فى الأدب أيضا لرجل السياسة ونستون تشرشل، مع أنه لم يكتب سوى رواية واحدة فى شبابه عام 1900 بعنوان سافرولا»، ولم يعد بعدها لكتابة الأدب،، وبعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية أنشأ كتابا ضخما من عدة مجلدات بعنوان الحرب العالمية الثانية، وهو يدخل فى مجال التاريخ أو الذكريات، ومنح جائزة نوبل عام 1953، ربما كان ذلك تقديرا لدوره فى هزيمة النازية..
وفى عام 1950 حصل على الجائزة الفيلسوف الإنجليزى برتراند رسل، وإسهامه الأكبر كان فى مجالى المنطق والرياضيات البعيدين عن الأدب. وإلى جانب ذلك كان داعية للسلام ومبدعا فى فن كتابة المقالة الفلسفية الصحفية، حيث كان غزير الانتاج فى تأليف أعمال تهدف إلى تبسيط الفلسفة للجمهور العام وتميز بأسلوب ساخر جعل كتاباته تحظى بشعبية كبيرة.
وما زلنا نذكر الصحفية الروسية سفلتانا الكسيفيتشى التى حصلت فى العام الماضى على جائزة نوبل فى الأدب تقديرا لتقاريرها الصحفية المؤثرة والتى كانت تكتبها لبيان معاناة السكان بعد انفجار تشيرنوبيل.
لماذا إذن كل هذا الضجيج حول منح الجائزة للفنان بوب ديلان؟
صحيح هذه المرة دخل عنصر جديد هو الموسيقى، وهو فن رفيع المستوى لكنه مختلف عن الأدب وللسخرية من هذه الجائزة صور الأديب الكونجولى جان بوفان نفسه وهو جالس أمام بيانو موحياً بأن هذه الصورة سوف تزيد من أسهمه للحصول على الجائزة فى المرة القادمة. ونحن نعلم أن الأديب ينتج كتباً، وهذه الكتب تتم ترجمها إلى لغات أخرى، ولكن الفنان ديلان ينتج أسطوانات ولا ضرورة لترجمتها.
إلا أن بوب ديلان، رغم هذه التحفظات، قد كتب كلمات أغانيه وهو ما يندرج تحت بند الشعر، بالإضافة إلى أن غناءه لشعره جعله أكثر شعبية وانتشارا ، كما أن شخصية ديلان نفسه تقدم نموذجا لفنان مخلص لفنه ومجدد له باستمرار، وقدم متعة فنية راقية لملايين من المستمعين.
الجائزة بالفعل مفاجأة، لكنها تبدو مؤشرا إيجابيا على حسن تعامل القائمين على الجائزة مع متغيرات العصر وميول الأجيال الشابة .
نقلا عن / الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة