أضخم مسح للسماء.. 60 بيتابايت بيانات تعادل 11 ألف عام مشاهدة «نتفليكس»

في جبال الأنديز الخلابة شمال تشيلي، يقوم العلماء في المراحل النهائية من تجميع المكونات المعقدة لمرصد "فيرا سي روبين"، التابع لمؤسسة العلوم الوطنية ووزارة الطاقة الأمريكية.

ومن المتوقع أن يصبح هذا المرفق واحدا من أكثر المراصد الفلكية تقدما في التاريخ، وسيكون مزودا بتلسكوب مبتكر وكاميرا رقمية هي الأكبر في العالم، وقريبا، سيبدأ المرصد مشروع مسح الإرث للزمان والمكان (LSST)، وهو مشروع رائد يعد بتحويل فهمنا للكون.

• الأرض تمطر السماء إلكترونات.. تهديد خفي فوق رؤوسنا

على مدار السنوات العشر القادمة، سيلتقط مسح "مشروع الإرث للزمان والمكان"، ما يقارب 5.5 مليون صورة للسماء، مما يوفر استكشافا أوسع وأعمق للكون أكثر من أي مسح سابق.

ويهدف هذا المشروع الطموح إلى إنتاج كمية غير مسبوقة من البيانات التي ستساعد علماء الفلك وعلماء الكون في معالجة بعض من أهم الأسئلة حول الكون.

ومن بين الذين يشاركون بشكل كبير في هذه المبادرة، علماء من مختبر أرغون الوطني التابع لوزارة الطاقة، الذين هم جزء من تعاون علم الطاقة المظلمة في "مشروع الإرث للزمان والمكان"، وستكون مهمتهم هي كشف الطبيعة الغامضة للطاقة المظلمة والمادة المظلمة، وهما عنصران يشكلان معا حوالي 95% من طاقة ومادة الكون، ومع ذلك يظلان غامضين إلى حد كبير.

وبينما يمكن رؤية تأثيرات المادة المظلمة في هيكل وحركة المجرات، فقد كان من الصعب اكتشافها بشكل مباشر، وفي الوقت نفسه، تتحرك الطاقة المظلمة بسرعة أكبر في تسارع الكون، ولكن لا يعرف العلماء الأسباب الكامنة وراء ذلك.

وتقول كاترينا هايتمان، نائبة مدير قسم فيزياء الطاقة العالية في أرغون: "الآن، ليس لدينا أدنى فكرة عن أصولها الفيزيائية، ولكن لدينا نظريات، و مع "مشروع الإرث للزمان والمكان" ومرصد روبين، نعتقد أننا يمكن أن نحصل على رؤى جيدة حول ما يمكن أن تكون عليه المادة المظلمة والطاقة المظلمة، مما سيساعد المجتمع العلمي في متابعة الاتجاهات الأكثر وعدا.

واستعدادا لـ "مشروع الإرث للزمان والمكان"، يقوم علماء أرغون بإنشاء محاكاة بناء على نظريات مختلفة تتعلق بخصائص المادة المظلمة والطاقة المظلمة، وتعتبر هذه المحاكاة ضرورية للتنبؤ بكيفية تطور الكون تحت سيناريوهات مختلفة، مما يسمح للباحثين بتحديد الميزات القابلة للرصد التي يمكن اكتشافها في بيانات المشروع "

وتساعد المحاكاة أيضا في التحقق من كود معالجة البيانات الذي سيستخدم في تحليل الكميات الهائلة من المعلومات التي تم جمعها خلال المسح، ومن خلال إنشاء صور محاكاة للسماء الليلية، يمكن للباحثين اختبار برامجهم على بيانات نظيفة قبل معالجة الملاحظات الفعلية، مما يضمن دقة التحليل.

ولاستخدام هذه المحاكاة، يعتمد علماء أرغون على الموارد الحاسوبية المتقدمة في منشأة قيادة الحوسبة في أرغون، بما في ذلك آلة أورورا، وهي واحدة من أولى آلات الاكساكال في العالم، القادرة على إجراء أكثر من كوينتيليون عملية حسابية في الثانية، وتتيح هذه القوة الحاسوبية للباحثين محاكاة كميات أكبر من الكون مع تفاصيل أكثر من أي وقت مضى.

تحويل الضوء إلى بيانات

ومع بدء المشروع، سيصل الضوء المنبعث من مجرات بعيدة إلى المرصد، وستقوم أجهزة الاستشعار في كاميرا المرصد بتحويل الضوء إلى بيانات، والتي ستنتقل من الجبل إلى عدة منشآت بيانات تابعة لمشروع روبين حول العالم لتحضير البيانات لإرسالها إلى المجتمع العلمي الأكبر للتحليل.

ويعمل علماء أرغون حاليًا مع مرصد روبين لضمان معالجة البيانات بطرق تدعم أهدافهم العلمية، خاصة في دراسة المادة المظلمة والطاقة المظلمة من خلال ظاهرة تعرف باسم العدسات الجاذبية الضعيفة.

وتحدث العدسات الجاذبية الضعيفة عندما يتأثر مسار الضوء من مجرات بعيدة بالجاذبية الناتجة عن الكتلة الموجودة بينهما، بما في ذلك المادة المظلمة.

ومن خلال قياس كيفية ارتباط أشكال واتجاهات المجرات، يمكن للعلماء استنتاج توزيع المادة داخل الكون، بما في ذلك المادة المظلمة الغامضة.

ومع ذلك، فإن الإشارات التي تشير إلى العدسات الجاذبية الضعيفة ستكون ضعيفة في حد ذاتها، حيث سيحتاج العلماء إلى كمية هائلة من البيانات لضمان قياسات دقيقة.

وعند الانتهاء، من المتوقع أن ينتج المشروع 60 بيتابايت من بيانات الصور ، وهي كمية من المعلومات تكفي لمشاهدة أكثر من 11,000 عام من نيتفليكس.

ويعمل بيكر وزملاؤه على تطوير طرق لضغط البيانات لجعل التحليل قابلا للإدارة وذو قيمة.

على سبيل المثال، من خلال دمج صور لنفس المناطق من السماء التي تم التقاطها في أوقات مختلفة، يمكن للعلماء التحقق من الميزات في الصور لكشف العلاقات في أشكال المجرات التي قد تكون غير مرئية لولا ذلك.

ويركز بيكر أيضا على تحديد مستوى الثقة الذي يمكن أن يتوقعه المجتمع في الاستنتاجات المستخلصة من البيانات المضغوطة.

وقال: "إذا كنا نعرف مدى تأكدنا في تحليلاتنا، فإن ذلك يمكننا من مقارنة نتائجنا مع تجارب أخرى لفهم الحالة الحالية للمعرفة عبر علم الكون كله، ومع البيانات من المشروع، نحن على وشك الدخول في فصل جديد ومثير في استكشافنا للكون".