الموضة وصناعة الأزياء.. بقع سوداء في رداء المناخ الأخضر
في عالم الموضة وصناعة الأزياء كل شيء جميل، إلا الانبعاثات الكربونية التي حولت الصناعة الراقية لبقعة سوداء في رداء المناخ الأخضر.
والموضة المستدامة هو مصطلح يعني صناعة الملابس بطريقة أقل ضرراً على البيئة، بداية من استخدام مواد عضوية أو معاد تدويرها لتقليل الهدر والانبعاثات الناتجة عن الصناعة.
الملابس من أكثر الصناعات تلويثاً
واعتبر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" أن صناعة الأزياء هي ثاني أكثر الصناعات تلويثاً في العالم، إذ تستهلك سنويا نحو 93 مليار متر مكعب من المياه، وهي كمية كافية لسد احتياجات خمسة ملايين شخص، ويتم إلقاء كمية من الألياف الدقيقة تعادل ثلاثة ملايين برميل من النفط في المحيط كل عام، كما أن صناعة الأزياء مسؤولة عن انبعاث الكربون أكثر من جميع الرحلات الجوية الدولية والشحن البحري مجتمعين.
وقال الموقع الرسمي لتحالف الأمم المتحدة للموضة المستدامة إن صناعة الملابس والنسيج تسهم بنحو 2.4 تريليون دولار في الصناعة العالمية، وبالتالي فهي مسؤولة وحدها عمّا يتراوح بين 2-8% من انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.
استهلاك مخيف من المياه
في الوقت الذي يعاني فيه العالم بشكل لافت من أزمة في توفر المياه العذبة، ويواجه مخاطر عديدة متعلقة بأمنه الغذائي، تستهلك صناعة الملابس والأزياء في المقابل كمّا مخيفا من المياه.
وتقول الأمم المتحدة إن صناعة الملابس تستهلك نحو 215 تريليون لتر من المياه سنويًا، كما تتسبب في خسارة مادية سنوية قدرها 100 مليار دولار أمريكي بسبب هدر المنسوجات في أثناء الصناعة، وإضافة إلى ذلك فهي مسؤولة عن إلقاء ما يقرب من 9% من المواد البلاستيكية الدقيقة في المحيطات.
وترى الأمم المتحدة أن صناعة سروال واحد من الجينز يتطلب كيلوغراما من القطن، ولإنتاجه نحتاج إلى كمية من المياه تتراوح بين 7,500 و10,000 لتر من المياه.
في السياق ذاته، وجد تقرير حالة الموضة في 2020 أن قطاع الملابس ينتج نحو 6% من إجمالي الانبعاثات الحرارية من خلال الغسيل واستخدام الأصباغ، كما أنه مسؤول عن خمس تلوث المياه في العالم، وعن تدفق 20-35 بالمئة من البلاستيك الدقيق في المحيطات.
لماذا يجب إعادة تدوير الملابس؟
في السنوات الأخيرة، تصاعدت الأصوات المطالبة بالحفاظ على البيئة وإعادة تدوير الملابس القديمة، بعدما برزت فكرة "الموضة السريعة"، والتي أقنعت ملايين الأشخاص بثقافة الاستهلاك المرتفع في محاولة لمواكبة الصيحات الحديثة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى التخلص من الكثير من الملابس القديمة، مما يزيد من حجم النفايات.
وفي هذا السياق، أوصت الأمم المتحدة الأفراد بتغيير هذا النمط من السلوك من خلال شراء عدد أقل من الملابس الجديدة وارتدائها فترة أطول، والبحث عن المنتجات المستدامة، أو اللجوء إلى خدمات التأجير للمناسبات الخاصة بدلا من شراء ملابس جديدة يتم ارتداؤها لمرة واحدة فقط، والخطوة الأهم هي إعادة تدوير الملابس وإصلاحها عند الضرورة.
وعلى الرغم من الضرر البالغ الذي تتسبب فيه هذه الصناعة للبيئة، إلا أن الإجراءات التي تحد من هذا التأثير لا تزال محدودة، إذ يتم إعادة تدوير 1% فقط من الملابس المصنعة إلى ألياف جديدة، لضعف انتشار التقنيات اللازمة لذلك، وفقا لدراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي.
ما هو "ميثاق الموضة"؟
اتجاه الموضة المستدامة دفع العديد من العلامات التجارية وشركات الموضة والأزياء إلى التفكير في مراعاة الجانب البيئي في أثناء الإنتاج، ومحاولة تحقيق الربح مع اتباع نهج مستدام في الوقت نفسه.
في مؤتمر الأطراف في بولندا COP24، في عام 2018، أطلقت مجموعة من العلامات التجارية ما أسمته بـ"ميثاق صناعة الأزياء لأغراض العمل المناخي"، وفي عام 2019 وقعت 32 شركة تمثل 150 علامة تجارية على هذا المياثق الذي يهدف إلى تحقيق ثلاثة أهداف بيئية من خلال صناعة الموضة، وهي وقف الاحتباس الحراري، واستعادة التنوع البيولوجي، وحماية المحيطات، ودعا هذا الميثاق صناع الموضة إلى اتخاذ عدة إجراءات تحقق الاستدامة.
كيف يمكن أن تسهم في الحل كفرد؟
ويمكنك كفرد أن تصنع فارقاً، وتقلل من بصمتك الكربونية من خلال اتباع عدّة ممارسات لتقليل الاستهلاك، ومن أهمها الاعتماد بشكل أكبر على قطع الملابس الأساسية لإعادة توظيفها وتقليل الاستهلاك، وعدم الركض باستمرار خلف الصيحات الحديثة.
ومن المهم أيضاً ألا تعتمد كفرد في قرار شرائك للملابس على عنصر السعر فقط، لأنك قد تشتري ملابس رخيصة الثمن لكنها رديئة الجودة، وبالتالي تضطر إلى شراء ملابس جديدة في وقت قصير فيزيد معدل استهلاكك، وتزيد النفايات الناتجة عنك.
أيضاً، لا يزال المجتمع العربي غير معتاد على فكرة شراء الملابس المستعملة، أو إعادة توظيف الملابس القديمة، لذا من الجيد أن تعيد كفرد التفكير في خياراتك.
ومن المهم أيضاً أن تلجأ كفرد إلى تقليل الاعتماد على شراء المنتجات المستوردة، وشراء المنتجات المحلية بقدر الإمكان، وبالتالي تقل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن النقل والشحن.
أيضاً، يمكنك كفرد أن تنتقي خيارات ذكية أثناء شراء الملابس، حيث تصبح غالبية ملابسك من الألوان الأساسية والمحايدة التي يسهل توظيفها وارتدائها مع أكثر من قطعة، وتعطي في كل مرة مظهراً مختلفاً.
الأمر نفسه ينطبق على طريقة شراء واستهلاك الحقائب والأحذية، فلا تعتمد كفرد على الأسعار الرخيصة لأنها تعني جودة أقل وبالتالي دورة استهلاك قصيرة العمر، بعدها ستضطر إلى شراء منتجات جديدة، لذا من الأفضل أن تعتمد على الجودة والسعر معا.
aXA6IDMuMTM5LjEwMy4xMDMg جزيرة ام اند امز